هل أتاك حديثُ أهلِ القَبْوِ في مدينة البحرينِ والنهرِ؟ ... في قَبْوِي اِمْتَدَّ نهري، "في قبوي" رسالةٌ روسيةٌ قديمةٌ، روايةُ الكبيرِ دُوسْتُويَفسكي؛ على العموم، لا أنصح أحدا بقراءتها سوى من تجرأ، فله مني التشجيع، اِسْتَهَلَّهَا بإشهاده التام أن كل شخصياته من محض أعماق خياله، وكل تشابه مع أُنَاسِ الواقع مجرد سقوط الزِّنَادِ على الزِّنَادِ وإرادةُ الصُّدْفَةِ العنيدةِ، تماما كما فعل الحسين التولالي في قصيدة الملحون "حمان الخلبيطي" حكى قصة حمان كاملة وختمها بقوله لا أنا أعرف حمان ولا أم حمان ولا أعرف عروسة ولا أم عروسة غير جات فـ لكلام، نعم، جِئْنَا صُدْفَةً، ونَحْيَا صُدْفَةً، صُدْفَةً التقينا، صُدْفَةً بقينا، صُدْفَةً درسنا؛ إذا اشتغلنا، صُدْفَةً نشتغلُ، وإذا طُردنا، صُدْفَةً نُطُرَدُ ...وتراهم يمتهنون مختلف المِحَنِ من أجل قِشْرَةِ الخُبز، لستَ مُجبراً صديقي على عَناءِ البحث عن الشخصيات في غياهب الخيال والدروب أمامك تَعُجُّ بالصُّور، بالجماجمِ وبالجثثِ. أَمَّا قبوي، في مدينةِ النهرِ، طنجة العالية، العالية بأسوارها، أقبية الموت فيها سراديب عميقة، سراديب تحت الأرض وسراديب فوقها، لا تختلف السراديب سواءٌ تحت الأرض كانت أو من فوقها، سراديب ثابتة وأخرى متنقلة، فيها تدلى النهر يغسل السرية، يمسح القذارة عن أديم مُدُنٍ أَذِنَ الله أن يُذَلَّ المرءُ فيها ويَقبَل، أن يُهان ليعمل، كم نحتاج من الأنهار تغسل الرداءة، في شارع النهر، في مُدُنٍ ترى المرء فيها يفرح ويسعد، بفرصة استعباد حتى لا يقال عنه عاطل ولِيُقَالَ أنهُ ظَفِرَ بفتح من الله وتسهيلا، في مهنة مهما كانت حقيرة، حتى إذا جَاءَهُ الموتُ فيها كان في القتل شريكاً والصمتُ نهجُ الأبطالِ. مُدنٌ تقلَّدت كُل ألقاب السقوط، لاستغراقها في المال بالله حد الذوبان والتلاشي؛ أينما حل المال، فثم وجه الله، الحب حد الحلول؛... ولذلك فرأيها لا يستقر على حال في تحديد العدو والصديق وتلك عاداتها القديمة كما قال عنها الكاتب "قبائل تتعاقب داخل بنية مستقرة الجوهر". مُدُنٌ كَلَّ الجسدُ وما كَلَّ اللسانُ في مَدْحِهَا كُلما كان المدحُ لِغَايَةِ المُزاحِ، أو لضرورة البقاء، ضرورة البقاء تفرض التحالف والتعارض، فَيُرْوَى أن "أهل فاس استنجدوا بمولاي محمد للتخلص من الدلائيين وفشل مولاي محمد ولما تقهقر الدلائيون عاد لهم مولاي محمد فاستنجد الفاسيون بالدلائيين ضد مولاي محمد"، كما يَروي عن الحركة الوطنية أنها بدأت "زاويةً وطوائفَ يتزعمها الشيخُ علال" ... مُدُن استحقت ألقابها، من "مدن الملح" إلى "الحي الخلفي" ؛... "الثلجُ يأتي من النافذة"، أما "الآن هنا" هنا يأتي الماءُ من الدرج ومن السقف، في الحقيقة "دراما في عدة فصول"، ربما وَلَعُ العناوين أفضل في زمن العناوين، العناوينُ أحياناَ كثيرةً تَفِي بالغرض ... وترى أقواماً تحتجُّ على الصيف قبل بداية الربيع، تشتكي وتتظلم من فرط الحرارة، حتى استوفت شروط التعرض عليه. أما أنا، عاشق الحرارة وعاشق الشمس، أقول لهم دائما أني إنسان شمسي، أقولها كلما وجدني صديق أعرض جسدي النحيف تحت الشمس في أيام غشت الجميلة، نعم خلال شهر غشت أستمتع بحرارة الشمس وذلك ما يجب أن يكون، على الأقل في ظني، ولذلك أفعل ... كما اعتاد أن يفعل الكثير من أهل بلدتي ... لو نسعف هوى هؤلاء سنكون بلا صيف ولا سنابل، بلا نملة ولا عزف صرار، ما سيكون الحال معه مقرفا جدا ربما ... نحن في حاجة لِقُرَى نملٍ ولصراصيرَ تُؤْنِسُ وَحْشَةَ الحقول ... أنا البحرُ في أحشائه الفاصوليا؛ لا ذُرٌّ ولا كُمون ولا شيء؛ على الإطلاق، فاصوليا وانتهى الكلام. الكلام لا ينتهي، قم لتجديد الوضوء ففي الضاحية الكل يحترم ثنائية طهي الغذاء وتسخين العشاء، ذلك أن العشاء يكون الجزء المسخن من مخلفات وبقايا الغذاء، في الضاحية فقط يتقنون ويبدعون في صنع الأهوال وخلق الخصوم وكل ما يضيع من جماعة ففي النهاية يشكل ربحا للجماعة الأخرى وكل ذلك ائتلافات مصالح و وَجَبَاتُ حديثٍ للمُرقِّشَاتِ والمُرقشينَ، فتأتي أخبار الصباح متسارعة، الأمور في الضاحية دائما ليست على ما يرام في المقام الأول أخبار الوفاة، لابد أن أحدا مات في الليل أو تفضل بعد حلول الصباح، ... خبر هذا الصباح رحيل صديقنا احمد الصباغ، الذي أُحِيلَ على دار البقاء، الرحمة والمغفرة والثواب، الجميع يشهد له بِوَلَعِهِ بقهوة الصباح والتأمل في ألوان الجريدة اليومية دون قراءة، يذكرك دائما أنها كانت تحمل أخبارا ولا تحمل ألوانا وها قد أصبحت ألوانا لم تعد تحمل أخبارا، في أواخر أيامه كان يطلب مني المساعدة لقطع الطريق، أقول له : وما ذا بقي فيك من قُطَّاع الطُّرق يضحك، يعيد تثبيت أسنانه البديلة بأصبعه، كما يعيد تثبيت نظاراته فوق أنفه، يعيد ربط الاتصال بالعكازة يتأكد منها بضربها على الأرض ويجرني، قطّعْنِي غير الشانطي، أولاد اليوم كايمشيو بلا عقل رحمة الله عليه ... يُتْبَعُ ...
محمد زمراكي
كاتب من المغرب/مكناس
مقالات سابقة للكاتب
استهلال حكي2
استهلال حكي4
استهلال حكي5
استهلال حك ي 12
0 التعليقات
