عفوا ...
أحيانا أضطر للركل، إلا أنني أتذكر أنني من البشر، وإن في وسط متخلف. أتذكر نصيحة صديقي حين أوصاني : "عند خروجك من البيت قل : أنا ذاهب لسوق "المال" - سوق البهائم بلغتنا المحلية شَرَّفَ الله قَدركم- فإن ركلتك واحدة لن يستقيم لك ركلها، وإن نطحتك أخرى لن يستقيم لك نطاحها وإن داست على قدمك بحافرها لن يستقيم لك سبها ولا شتمها. في حضرة الأنعام أنت من يجب أن تأخذ الحذر وتتجنبها الأنعام ...".ونحن في صدر الفصل المطير، جبال من الماء ترفرف في سماء مدينتنا، البرد يلسع قارسا، شبكة من الأودية تعزل الضاحية، وثُرَيَّا لا تملك حصيرا يفصل بينها وبين برودة الأرض، تنظر في وجه الجوع قاسيا يأكل طفلها الصغير، متأبطا طلباته بين شفتين محتشمتين، بالكاد ترسم أمام عينيها خبزا لبطني، نعلا لقدماي الحافية، وإن بقي متسع في ظهر الطلب، اسم جميل مثل باقي الأطفال أنعم بسماعه وقت اللعب وفي الصف داخل المدرسة وربما حظيت بمعونة التيسير، هي لم تصرح بازدياده ولا هي قيدته في سجلات الولادة، تنتظر إقرارا بالبنوة من أبيه؛ أبوه كان مثل زوجها تماما لكن دون كتاب. تنظر لابنها وتعرف أن توسلاتها لجاراتها لا تجدي نفعا، فقط ينصحنها بالتضرع والدعاء، وهي واثقة أنها تدعو وتتضرع كل ساعة، تطلب الله دائما وباستمرار وتستيقظ في الصباح الماكر ولم تظفر يوما بذهب كما يدعين، وهي تعلم انهن أغرب حالا من حالها وإن ظهر على بعضهن الغنى... جارتها سعيدة لم تكن يوما سعيدة هي من أغرقت السفينة، سعيدة شابة في مقتبل العمر وسيمة جميلة، أبوها الحاج عَبَّاد من أعيان الضاحية، بائع الحليب والسمن وخروف العيد، يملك منزلا كبيرا واسطبلا شاسعا على أطراف الضاحية، به أبقار ، نعاج وخراف وما تشتهيه العين قبل البطن من بط وأرانب وحمام... عَبَّاد يبدو في الظاهر ذو مال وفير، لكن في الواقع تحاصره أقساط الديون ومتأخرات الأداء، فقد رأيته مرارا يتسلم إنذارات الأداء من المفوض القضائي، ويروج في الضاحية أن غزوات النساء سبب المحن، سبب تلك الديون وذاك الهوان، لا سيما غزوة السيدة رتيبة. كانت السيدة رتيبة سليلة أسرة ميسورة من أعيان أسر المدينة القديمة، رضاها تطلب منه كراء محل فخم بالمدينة الجديدة، تطلب منه تمويل سفريات عديدة وتوفير ثمن حِلْيٍ كثير، كانت هي المُنَى وهي الطلب كما كان يحلو له أن يردد، وحقك أنت المُنى والطلب، مالي فُتِنْتُ بلحظك الفتَّاكِ؟ ... ناهيك عن الأكل بإسراف مما لَذَّ وطاب وعموما كل ما غلا ثمنا ... في يومها الأشقى كانت سعيدة ببابها واقفة تتأمل سعدها بين الاسطبل وحفر الضاحية المليئة بالأوحال بين نزوات والدها واستهلاك زهرة عمرها بين الأغنام والأبقار حتى وقف عليها شاب شديد بياض الأسنان، شديد سواد الشنب والشعر، وضع بكفها شيئا وانصرف وهو يقول ضعيه في الطعام ولا تأكلي معهم سآتيك بالليل. لم تسمع سعيدة من الطبل سوى نقرة واحدة، فعلت ما قاله الشاب تماما كما قال، وضعت الطعام وتحاشت الأكل على غير عادتها ... أكل الجميع وناموا إلا سعيدة بقيت تنتظر فارسها حتى أتى، قضى وقتا وساق الأبقار والأغنام وانصرف والدار نائمة ... لسعيدة أخ واحد، طَالِبٌ بَاحِثٌ؛ عَنِ الخُبْزِ، يَبْحَثُ؛ فِي جَمٌاعَةٍ تَزْرَعُ الطحِينَ وَلاَ تَرْجُو سَنَابِلَ. مِنَ السَّنَابِلِ تَصْنَعُ طَحيناَ وَمِنَ الطَّحِينِ تَصْنَعُ فَوْقَ الأَكْتَافِ بُطُوناً، لا يستهويه سوى حديث السياسة؛ كل الضاحية تتحدث عن سرقة اسطبل والده عبَّاد وهو لا يتحدث سوى عن الديمقراطية المسروقة من "ترامب" زعيم "الكاو بويز" وصديق "البرود بويز" وجماعة "التويت سانتر" وكل الجماعات المسلحة...يتساءل باستمرار : بعد حظر حسابات "ترامب" على وسائل التواصل ومنعه من التغريد على "تويتر" هل سيرقص أم أن النوم سيغالبه ويخمد مثل فحم بارد؟ بعد منعه من الكلام وإغلاق فمه تراه سيسكت أم سينطق من ثغر آخر؟... "بايدن" و"بيلوسي" يصفان "ترامب" وأتباعه مقتحمي مبنى "الكابيتول" بالإرهابيين. أخيرا لم يعد الإرهاب مقصورا على الإسلاميين ... ولكن ماذا لو كان المقتحمون من ذوي البشرة الشكولاتية أو من المسلمين ؟ ربما كانت ستكون إبادة جماعية في الحين لتحييد الخطر كما يقولون دائما. لماذا لم يتم التعامل مع هؤلاء بنفس المنطق والطريقة التي عومل بها "فلويد" ومن شابهوه الذين قتلوا تحت ذريعة إظهار أدنى مقاومة؟ ... في أمريكا، الرئيس القديم إرهابي حسب رأي الرئيس الجديد، والرئيس الجديد سارق ديمقراطي حسب رأي الرئيس القديم ... ونحن لا نكذب أحدا منهم احتراما لعظمة أمريكا وجلالها، ما يقولانه لهو عين الصواب : سارق يخلف إرهابي؛ وَ كَانَتْ لَحْظَةَ اسْتِمَاعٍ عَظِيمٍ ...
يُتْبَعُ.
محمد زمراكي
كاتب من المغرب. مكناس
0 التعليقات
