استهلال حكي3
زوج التسعة؛ صبي صغير؛ من حيث العمر، تجاوز الخمسين؛ ساكنةُ الحي تدعوه التٌنٌين، أما في المقهى، فريق يُسميه الخنزير وفريق يجامله بـ: "المسمار ". يشتري الأمل بالتقسيط، يقضي يومه في الرهان على الخيول، "مسافرا زادُه الخيال" بين مقعده وشباك التذاكر، جولة تعقُب جولة؛ ولم يُسمع أن ربح مرة؛ على الإطلاق، كل ما يُعرف عنه، أنه فقد ثقة النادل وبائع السجائر بالتفصيل، لا أحد يمكن أن يمده بشيء قبل أداء التسبيق ... كلما أدى ثمن ورقة الرهان عاد إلى مقعده مَزْهُوٌا على أمل التيسير، واسترسل في تغاريد خلائطية يحكي عن كل شيء، وبأدق التفاصيل، تماما كما يراها في الأفلام، حتى أنه يروي عن عثرة "هتلر" لما اجتاز قوسا من أقواس إحدى مدن إيطاليا، ولا يُغير الخطاب إلا مع انطلاق السباق الموالي، فتراه يهتف ويصرخ، يسخط، يضرب يدا في يد، يحاول دفع الحصان في التلفاز ، يصيح باسمه وكأنه يسمعه، يشتمه ويعايره، كما يفعلون عادة مع لاعبي الكرة، حتى إذا انتهى السباق وتأكد من الخسارة انفجر بوابل من السباب، يسب كل شيء يسب الخيل والقمار ، يسب الزمان والمكان وفنجان القهوة والتلفاز، يسب الحظ المعاكس، يُلْقِي بما تشبث بين أصابعه من عقب السيجار... وللزبناء أيضا نصيب من وليمة الشتم لما جنته عيونهم عليهم لمٌـا ساهَمَتْ في الخسران بكثرة الإمعان ... ولِيبقَ الأمل؛ يقوم كعادته للشباك، يؤدي ثمن الرهان ويُحدد الحصان ... يعود مزهوا لاستئناف الكلام، يعرف عن الخيول ما لا يعرفه عن أبنائه، يعرف أسماءهم وتواريخ ميلادهم، يعرف أصلهم وفصلهم آباءهم وأولياءهم وكم يحملون من الأثقال؛ يعرف كم ربحوا وكم خسروا، وتلك حقائقه غير قابلة للجدال، تاريخ مكنون لا يمسه إلا هو ؛ هو التاريخ وهو الباطل، لكنه لا يضبط ميلاد أي من أبنائه ... عموما يعود للبيت فقط حين يتأكد تماما أن الكـــــــــــل قـــد نـــــــــــــــــــــــــــــــــــام.
استهلال حكي4
حين تتبدٌى لك أسماء الأبناء من مسلسلات "العشق الممنوع" فاعلم أن الأمر لا يتطلب مزيدا من التدقيق ... لا تنس وضع مصفاة الهواء ... خفف السير ! الشرطة؛ انتباه ! تساقط الأحجار ... تجنبوا أسباب الحريق ! ... يستأثر "التٌنين" بوابل من الألقاب والنعوت الرائجة على ألسنة ساكنة المدار؛ زيادة على ما ذكرناه من الألقاب، يُدعى "بوسكٌة" والعِرْبيد، و "بغلة القبور"؛ عند الأمازيغ "تاسردونت ن اسمضال" لما عُرف عنه من حِيٌلِ المباغثة العجائبية والاستيلاء على الأموال، وعموما كل واحد يختار له اسما ويسميه، أما عند أقاربه "بَعْرَوَى"؛ و"بعروى" دابة كانت تعيش في "خُراسان" وتسمن على التعب والشقاء، حسب ما ورد في "الإمتاع والمؤانسة"، في ما رواه التوحيدي، أما في مِلة "التنين" الرهان هو الإمتاع والرهان هو المؤانسة، والخيل "إخوان الصفاء" ... كيف يستوي له مساعدة الغير ولم يَكْفِ حصانه؟ كيف له بالإيثار وهو المسمار ؟ كيف له بحب الغير وحبه الرهان؟ ... لا حاجة له بألفاظ الجاحظ، فالربح من الأرقام والخسارة من الأرقام، من عطف الفرس و من معاكسة الحظ، من العيون التي تحرُس ... هو بشقاء الخيل يَقوى ويَصِحٌ، و في عذابات معاكستها يستنزف ما اتسع من العمر ... مدمن على الرهان يلعب كل الأرقام، إلا رقم تسعة، فهو لا يستبشر به خيرا وهو حمٌال شؤم كبير، هو رقم الشقة التي يسكنها على وجه الإيجار ، يُذكره بالمالك وتَخَلٌدِ الكراء وفصول الخصام والصراع مع الجيران والأكثر أنه اسم زوجته فهي التسعة حيث في السكن المشترك وعموما في كل العمارات يتناجون بالأرقام ولا مكان للأسماء فهي التسعة وهو زوج التسعة ولذلك كله فهو يكره التسعة على خلاف جمهور المقامرين في تحديد الثلاثة عشر لهذه المهمة ... كان يلعب دون كلل ... "لابد للبدن إذا كلٌ أن يستريح" ... "النفس صفاء البدن والبدن كدر النفس" ... لابد من الصعود إلى الوطن ... لابد من الصعود إلى الوطن ... تلك كلمات كان يرددها على امتداد أيام مرضه الذي قضى فيه ...
استهلال حكي6
مُرقٌشَةُ الحيٌ وكالةُ أنباءٍ كاملةُ الأوصافِ، تُوزٌعُ الأخبار ووصلات الإشهار على الأبواب كـل صباح ومساء؛ تُمعن في الوفاء لهوايتها المفضلة وخدماتها بالمجان؛ يتفاداها كل ذا مروءة وتتجنبها كل ذات عقل وهِمٌة، "لأن العقل مقرون بالحذر والاهتمام، ولأن الغباء مقرون بفراغ البال..."، ... نشراتها تنساب مثل بخور بين الجيران، "وقية تبخر دوار" ... مُرقٌشَةُ الحيٌ، "وزارة الحقيقة" بامتياز، أو ل المخبرين والمخبرات بمن سيتزوج من السكان، من تَمٌ التراجع عن خطبتها ومن هُم على طريق الطلاق من الأزواج، تحدثك عن من سقط ومن نجح من التلامبذ والطلاب، تنقل أخبار الولادات وحالات الوفاة، وتتكلف بِجَمْعِ المساهمات لدار الجنازة، تُرْشِدُهم لحفار القبور وتتوسط لهم لدى مُكري الكراسي والخيام ... يستفتونها في أمور العرافات وما يُشفي من الأسقام، من يبطل السحر من الفقهاء ويفك "الثقاف"، لتزويج العانسات، وإنجاب العاقر وإجهاض العازبات، لحل العكس وتيسير السفر البعيد وهجر الديار ... تُفتي وتنصح في الطرق الموصلة للتعدد دون حاجة لموافقة النساء ... عموما كل ما له علاقة بطريق الشيطان أو ما قرٌب إليه من بخور وثوب، كتان وقربان، تعرف مواقيت زيارة السادات وما فُرض من الليالي للشمع والحناء ... بُومة على الضبح مطبوعة، تلبس كل حين لباس رهط من التسعة رهطٍ: تَرْعىَ في قذارة "هرما"، تصح وتقوى بِشَرٌ "دعمي"، تسقي وترُش من سُم "دعيم" تجود وتُعطي من دناءة "هريم"، تضحك وتسلي بحماقة "صواب" ونذالة "داب" ببؤس "مسطح" وجهالة "رياب" ومكر "قدار بن سالف" أشقى المدينة [إذ انبعث أشقاها] ...
محمد زمراكي
كاتب من المغرب