31‏/01‏/2021

محمد زمراكي يكتب الحلقة 11 من استهلال حكي: من هذيان السيد مُبَعْثَر بن مستقيم


إذا رَأيتَهُ حَسِبْتَهُ وحيداً، وإذا رأيتَ ثم رأيتَ، وجَدتَه سُوقاً بالتمام والكمال، مَقْلَعاً كبيراً من مَقَالِعِ الكلام، يجلس وحيدا، يُكَلِّمُ الجميع، من يعرف ومن لا يعرف، حتى الغرباء من المارة يسألهم كم الساعة إذا لم يتوفر  له سؤال،  فَتَرى صوته يعلو ويزيد، يعلو كلما زادت مسافة الإرسال وكلما زاد بُعْدُ المقصودِ بالكلام ... يحب كثيرا ترديد الشعارات؛ تَعَوّدَ على ذلك في حياته المدرسية والجامعية، الشعارات دائما جميلة ورنانة وذات أوزان، حماسية، ورديةٌ، وحزينةُ ... حاليا يتعقب ويحفظ شعارات الرئيس الأمريكي الجديد : "اليمن" ؛ "إيران" و "حقوق الإنسان" ... تراه باستمرار  يَتَلَصَّصُ الأخبار من كُبْرَيَاتِ الصُّحُفِ العالمية ويتعقب مستجداتها وما وصل من أخبار دون اشتراك، يدعونه دائما للاشتراك عبر بريده الالكتروني، لِمَــا يُبديه من اهتمام، يشجعونه بامتيازات وتخفيضات، تصل إلى حدود الدولار الواحد سنويا، بل أنهم قدموا له امتيازا ومنحوه مبلغ عشر دولارات للاشتراك لكنه لا يملك للإجراء طاقة ولا هو مقيد ببنك ولا يتوفر على حساب ولا على بطاقة إلكترونية تَفِي بالغرض؛ هو فقط يسمع عن البطاقات المسماة ممغنطة ولا يجد لذلك تفسيراً سوى ما يقنع به نفسه، كل ما يعرفه أن علاقتها بالمغناطيس ثابتة، وأنك بواسطتها تقف وقفة المتبول على الحائط وتُمكِّنك من سحب النقود ... وعموما هو لا يفكر في تلك الإجراءات ويتفادها ما أمكن له تفاديها، أما تلصُّصُ الأخبار عادةٌ من عاداته القديمة؛ قبل الثورة السيبيرية، حيث كان يعتمد نفس الوسيلة مع صاحب الكشك بائع الجرائد، كان يقف غير بعيد يسرق النظرات حتى يَطَّلِع على كل الافتتاحيات اليومية والأسبوعية وكل الدوريات ويتمكن من جميع العناوين الكبيرة دون أداء فَلْسٍ واحد، أمرٌ كان يُقلق صاحب الكشك فتراه يُعامله مثل قط حين يحوم حول فراخ ولو أن أحمد بائع الجرائد رجل طيب وظريف، قصير القامة مرتفع الهامة، خفيف الطباع، كاريكاتوري الحديث ميال للضحك ... هو متأكد أن التلصص شيمة مذمومة، لكن حين يتعلق الأمر بالحروف فعلى الأقل في دينه الفريد و وفاءا لعقيدته الغريبة "إن لم تجد للكتاب طاقة أو طريقا فسرقته حلال" ... في الضاحية لا وجود للمكتبات على الإطلاق. الدفاتر والأقلام تباع عند البقال، بائع المواد الغذائية بالتقسيط، غالبا مدعمة بالدقيق ومُحلاة بما علق بها من المُربى مسمى "كونفتير"، أما أن تكون مهنة قائمة الذات فهي لا تفي بالغرض، أفضل منها سمعةً وأعلى شأنا التسولُ حين يتعلق الأمر بسمعة جمع المال. في الضاحية سمعةُ أهل التسولِ تَسْمُو وتعلو على كثير من الحرف، حرفةٌ مُدرَّةٌ للدخل لا يُمكن أن يتقنها المحتاج ولا يجرؤ عليها المعوز ولا الضعيف من الناس، وكنت مسكيناً يَحسبُ المتسولين فقراء ... البعض يعاملك كما لو أنك خرجت للتو من الجحر، أو أنك دابة لفظها البحر قبل قليل تزحف على اليابسة، يسهل استغفالها كما لو أن ذاكرتك لا تحمل شيئا مما يجمعون، وكأنك لا تعرف أنهم لم يفكروا في طحنه إلا بعدما أعيى أضراسهم "تغزازه" وكأنك بجمجمة خالية من "التفاليق" ... هم في الواقع يعبرون عن جهل منقطع النظير، الأمر يجب أن لا يقلق بتاتا، قد يكون وراء جهلهم حكمة أو مجموعة حكم، ومن يدري؟ يجب أن لا نحتقر أحدا ولو كان جاهلا مادامت الحكمة تؤخذ من أفواه المجانين ... أَسعفه في الكلام رويدا، رويدا، حتى يستيقظ على مهل فيجد نفسه قد حلم وبال، سَيَدَعُكَ ويُسرع لتغيير السروال  ...أحب المشي كثيرا، وحين مشيي، أعشق النظر في عشب الرصيف. أُقَدِّر فيه عناده وتحدي الأقدام، أرى في كل نبتة وجها من وجوه مولدي، ريحا من طيب ومن تراب بلدتي. أسافر في خضرة كل ورقة تمتد أمامي بما تنضج من شروط استحضارٍ لاستدراكٍ مَضَى

 ... يتبع...



محمد زمراكي


كاتب من المغرب/مكناس


مقالات سابقة للكاتب

استهلال حكي 1

 استهلال حكي2

استهلال حكي3

استهلال حكي4

استهلال حكي5

استهلال حكي6

استهلال حكي7

استهلال حكي8

استهلال حكي9

استهلال حكي10

استهلال حكي11




  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: محمد زمراكي يكتب الحلقة 11 من استهلال حكي: من هذيان السيد مُبَعْثَر بن مستقيم Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top