بمناسبة صعود روايته “رسائل زمن العاصفة” الى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية للرواية 2016، التقى فاصل ثقافي الكاتب المغربي عبد النور مزين وأجرى معه الحوار التالي:
فاصل ثقافي: كيف جاءت فكرة الرواية التي أدرجت في إطار القائمة الطويلة لجائزة البوكر؟
عبد النور مزين: كانت فكرة كتابة الرواية تراودني منذ كنت أقرأ تلك الروايات وأنا في سنوات الثانوي خاصة روايات نجيب محفوظ وروايات فرنسية مثل فلوبير وأندري جيد . لكن كتابة رواية ليست بالشيء الهين، فكان لزاما علي أن أتمكن من أدوات الكتابة وأتمرس عليها. وذلك ما تم بالفعل وأنا في الجامعة بالموازاة مع التكوين داخل كلية الطب والصيدلة بجامعة محمد الخامس بالرباط، حيث بدأت بكتابة القصة القصيرة والشعر ومتابعة الاطلاع على المزيد من الكتابات الروائية العربية والفرنسية وغيرها. وفي سنة 2011 بدأت الاشتغال على نص روائي يعالج مرحلة سياسية من المراحل المهمة في تاريخ المغرب المعاصر وهي مرحلة السبعينات والثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي. وعند الانتهاء من كتابة النص سنة 2013 عرضتها على بعض الكتاب والنقاد المختصين قبل نشرها وكان أن استحسنوا النص بل واثنوا عليه مما شجعني على نشره .
فاصل ثقافي: علمنا بانك لم تحصل بعد على عضوية اتحاد كتاب المغرب ، ما هي الحيثيات ؟
عبد النور مزين: صحيح لم أحصل بعد على العضوية في اتحاد كتاب المغرب وهو شيء عادي في نظري لأني لا زلت أعتبر نفسي جديدا على ميدان الكتابة عموما نظرا لأني قادم اليها من عالم آخر وهو عالم الطب وثانيا لا زلت لم أراكم أظن ما يكفي من العناوين كي يتكرس اسمي ككاتب مغربي ، لكن بالرغم من ذلك وفي نقاش مع الفرع المحلي لاتحاد كتاب المغرب بطنجة أكدوا لي أن لي الحق في طلب العضوية بعد نشر مجموعة قصصية وديوان شعري فكان أن تقدمت بطلب العضوية قبل نشر رواية رسائل زمن العاصفة. لا زلت الآن أنتظر وهذا شيء طبيعي أيضا خاصة أن أجواء التحضيرات للمؤتمر تؤثر عادة على السير الإداري المعتاد كالبث في التزكيات واعتماد العضويات. وبالتالي أعتقد أن وصول رسائل زمن العاصفة الى القائمة الطويلة لجائزة البوكر جاء في خضم هذه الأجواء. وفي كل الأحوال فاتحاد كتاب المغرب مؤسسة ثقافية وطنية ذات ثقل رمزي مهم وبهذا المعنى يكون الانتماء اليها إضافة معنوية ورمزية أكثر منها إضافة لقيمة ومحتوى مشروع الكتابة لدى الكاتب المغربي.
فاصل ثقافي: كيف تعامل النقد والإعلام مع أعمالك قبل الفوز بالقائمة الطويلة لجائزة البوكر؟
عبد النور مزين: حقيقة وبشكل موضوعي كان تعاملا لا باس به بالنسبة للمجموعة القصصية قبلة اللوست التي صدرت سنة 2010 حيث حظيت بمواكبة إعلامية وتغطية للقاءات التقديم والتوقيع لكنها لم تحظى بالدراسة التي ربما تستحقها باعتبارها كانت باكورة أعمالي السردية وجاء بعدها الديوان الشعري وصايا البحر سنة 2013 الذي حضي باهتمام أكبر حيث تداولته بالدراسة الدكتورة أسماء غريب في قراءة نقدية مطولة سنة 2014 بعنوان “خطاب الجسد في ديوان وصايا البحر للشاعر عبد النور مزين ” نشر في العديد من المجلات والمواقع الالكترونية المختصة . أما رواية رسائل زمن العاصفة فكان أكثر حظا في التداول النقدي من طرب الكتاب المختصين في الدراسات الروائية مثل الروائي والناقد د. مصطفى الورياغلي الذي نشر ورقة مهمة في جريدة القدس العربي بتاريخ 29 ماي 2015 بعنوان “تراجيديا الحب في الزمن الرديء في رواية رسائل زمن العاصفة ” ثم قراءة ثانية للناقد والقاص والشاعر د. محمد المسعودي تحت عنوان “الحب في زمن العاصفة بين حدي الشغف والانكسار” الذي نشر في جريدة راي اليوم في 19 ماي 2015 بالإضافة إلى ادراج رواية رسائل زمن العاصفة ضمن أشغال الندوة العلمية التي نظمت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة عبد الملك السعدي بتطوان من طرف فرقة البلاغة وتحليل الخطاب يومي 29 و30 دجنبر 2015 قدم فيها الناقد والأكاديمي وأستاذ البلاغة د. محمد مشبال في ندوة “السرد الروائي المغربي وتداخل الخطابات” دراسة بعنوان “بلاغة الخطاب الشاعري في رواية رسائل زمن العاصفة لعبد النور مزين” بالإضافة إلى العديد من التقارير الصحفية حول الأنشطة التي كانت تنظم بمناسبة تقديم الرواية في العديد من المدن المغربية.
فاصل ثقافي: كيف تقيم المشهد الثقافي اليوم في المغرب خصوصا العلاقة ما بين السياسي والثقافي في سياق ما بعد حراك 20 فبراير؟
عبد النور مزين: يعرف المشهد الثقافي المغربي فورة غير مسبوقة كانت في نظري نتيجة حتمية لانهيار كل السياجات التي كانت تحاصر بشكل أو بآخر العديد من التعبيرات الثقافية الجديدة، مع الثورة التكنولوجية والرقمية التي اتاحها عصر الانترنيت. هذه الثورة الرقمية اتاحت الانتشار الواسع لكل أنواع الكتابات خاصة الشعر والقصة وإلى حد ما الأعمال الروائية والمسرحية. فكان أن ظهرت حساسيات جديدة في الكتابة. وفي نظري هذا الانتشار الواسع لن يكون إلا في صالح الكتابة بشكل عام، إذ لا خوف من إغراق المجال الثقافي بأعمال قد تكون موضع تساؤل ارتباطا بموضوع الجودة الذي بدأ يطرح في الكثير من الأوساط الثقافية، لأن في النهاية لن يكتب البقاء إلا للأعمال الجيدة التي يتبناها القارئ في نهاية المطاف.
وطبيعي أيضا أن يكون الشأن السياسي حاضرا في التراكمات الثقافية كتعبير موضوعي عن المحيط وما يعرفه من متغيرات وارهاصات ذات المنحى التعبيري نحو الأحلام المشروعة للشباب المتعطش للحرية والديمقراطية والتغيير الاجتماعي. إنها تلك التعبيرات والحساسيات الجديدة في الكتابة التي بدأت تظهر وتؤسس لمشروع رؤيا جديدة وفق هذا التوق وهذه الرهانات المشروعة.
فاصل ثقافي: ما هو مشروع الكتابة عند عبد النور مزين وهل ستدخل بدورك زمن الرواية وتتوقف عن كتابة القصة والشعر؟ وما هو موقفك من الذي لا يزال يتحدث في العالم العربي عن زمن الرواية؟
عبد النور مزين: بالنسبة لي لا أفضل شكلا أدبيا على شكل أدبي آخر، ولكن المهم عندي هو أن الجنس الأدبي الذي أكتب فيه يلبي تلك الرغبة التي لدي في التعبير عما في داخلي. فللشعر إشراقات للروح للتعبير عن تلك الحالات النفسية التي لا يمكن أن يجود بها إلا الشعر وبالتالي سيبقى الشعر حاضرا لدي ما دامت تلك الحالات النفسية حاضرة. وللقصة ومضات وإلتماعات سردية لا يمكن أن تجود بها الرواية في اقتضابها وعمق دلالاتها الرمزية إذا ما أحسن استخدام سحرها وقوة جاذبيتها. فلي مع القصة القصيرة مسيرة عشرات السنين حيث أن أول قصة قصيرة نشرت لي كانت سنة 1992، فلا مجال لي للفكاك من سحرها وسطوة جاذبيتها أيضا. أما الرواية وهي ذلك الشكل المتكامل والمعقد للتعبيرات السردية فأجدني أميل إلى الكتابة فيه في ما يخص المواضيع التي تتطلب نفسا سرديا يتناسب والتناول الروائي.
فيما يخص القول بزمن الرواية فلا أظن أنه سيكون على حساب زمن الشعر. الشعر حالة نفسية لصيقة بالنفس البشرية وبالتالي فالشعر سيبقى، وأقصد الشعر بمعنى الشعر. والعالم العربي ، لا يزال ن بالرغم من التراكم الهائل على مستوى الرواية، يؤسس نوعا من الكتابة الروائية تكون انعكاسا لروحه وانشغالاته الإنسانية الخاصة به.
حاوره: إسماعيل طاهري لفائدة فاصل ثقافي