نَامَتْ سَعِيدَة، نَامَتْ على سَعْدَيْنِ كِلَاهُمَا سِرَّيْنِ، اِسْتَيْقَظَتْ على جُرْحَيْنِ، جُرْحٌ في الأرض وخَطِيئَةٌ في السماء، من يغسلُ الذُّنُوبَ؟ من يمسحُ عَارَ الدُّنيا ومن يَمْحُ ويغفرُ ذنوبا في السماء؟ ولا من سبيل سوى الصبر، ترجو صَبْرَ أيُّوب في زمنٍ لم يعد فيه للصَّبْرِ وُجُود، وما الصبر سوى قبول السيئ والرديء درءا للأسوأ، نفاقٌ لطيفٌ، ثورةٌ خضراء، رفضٌ مهذّبٌ، الصبرُ هو هجرُ الأنينِ سَاعَةَ الألم، لقد سمعت الروائي الكبير في قوله : "الأنينُ لَذَّةٌ" تُحَارِبُ الأَلَم، فكيف لِلذةٍ أن تُورِقَ أو تُزهِر تحت وطأة الألم؟ ... أبُوها مُنْشَغِلٌ بالانهيار التام وترتيب إعلان الإفلاسِ إذا هو لم يجد مصدرا لديون جديدة، فَكَّرَ في كُلّ الطُّرُقِ وهو على يقينٍ أنه استنفذَ كل الطرق المُؤَدِّيَةِ إلى الدّين. لا يترك مكانه نظيفاً لدى أغلب مدينيه، أفرادا كانوا أو مؤسسات، شبمتهُ التماطل والتقاعس عن الأداء، وكثرة المتأخرات. وبائع الحليب لا يمكن أن يبقى بلا أبقار ! ربما فكر في رهن بيت السكن ليعمر الإسطبل، ليعود من جديد يبيع الحليب كما كان، ويبيع الخرفان كلما حل العيد وكلما ولد في الضاحية ضحية جديدة. في الضاحية، كل الولادات تُسْتَقْبَلُ بالزغاريد، حلوى "فيلالية" من المدينة العتيقة تُقدَّمُ للمُبَارِكَاتِ من الجيران وللنفيسة حِنَّاءٌ، وخروفُ عقيقةٍ من إسطبل عبّاد، فغالبا ما تسمعه يردد لازمته: "الإسطبل يمكن أن يبني دارا، أما الدار لا يمكن أن تبني إسطبلا " ... يقول ذلك نقلا عما يقوله التجار من أهل سوس: "الدكان يشتري دارا والدار لا تشتري دكانا"، والواقع أن الفارق بينه وبين تجار سوس مثل ما بين أهل الجاهلية والنفط... يُحْكَى أنه كان كلما تفجرت عَيْنُ نفطٍ قالوا : ماءٌ ميِّتٌ، لا يُنْبِتُ عُشْباً، لا تشرب منه بهيمة ولا يتحمل رائحته إنسان، لا تقربه طير، ولا تنق فيه ضفادع، حتى إذا بلغته النار اشتعل، فقالوا : وادي النار؛نزعوا أوتاد الخيام، جمعوا رحلهم وساقوا بعيرهم وفرُّوا بعيداً، وصار الوادي محددا لاتجاهاتهم في سفرياتهم بين القبائل، فقالوا في تحديد مواقع الديار : شرق وادي النار، وقالوا : غرب وادي النار ، وقريبا من وادي النار ، أو على مشارف وادي النار، وهو عموما دليل شؤم وليس من حسن الطالع ولا الجَيِّدِ من الفَال، وإنما يُذكرُ لتبخيس قيمة المكان والحط من منزلته، حتى أنه لا يُذْكَرُ يوم خِطبةِ عروسٍ ولا في حَضْرَةِ سَيِّدٍ ولا أمام مُرْضِعَةٍ حديثة الوَضْعِ ولَا فَخْرَ فيه لِمَنْ يسكنُ بِالجِوارِ...
أمّا الطالبُ، أخوها فهو منشغل بما استجد من سلالات "كُوفيد"، في "المملكة المتحدة" وجنوب إفريقيا، في البرازيل واليابان، كما يتابع بانشغالٍ تامٍّ مراسيمَ تنصيبِ الرئيسِ الأمريكي الجديد، يستهويه كثيرا الحديث عن الشعب الأمريكي، وعن جماعاته المتطرفة. يزعم أن الشعب الأمريكي أغلبه رعاة، "كُووْ بُويْزْ" ، ولذلك بُعث "ذو القرنين" بينهم، إنهم جحافل عسكر، رئيسهم جندي برتبة قائد فيلق كبير، مهمته محاصرة الحياة المدنية أينما كانت وإقبارها متى ولدت، ويفضل إجهاضها جنيناً إن استوتْ لذلك وسيلةٌ وظهر لذلك طريقٌ. تتحدث الإذاعات عن نشر أكثر من 20 ألف جندي بمحيط مبنى "الكابيتول"، عددٌ يَفُوقُ بِكثيرٍ ما نُشِرَ في العراق وسوريا وأفغانستان ...، وأعدادٌ من الحَرَس الوطني بالداخل والخارج من المبنى لتأمين التنصيب، ولا حديث عن مدنيين. ويتساءل : كيف يؤمن خارجه من لم يؤمن داخله؟ ... يُحلل بإسهابٍ كبيرٍ صُعُود منصة الكونغرس لأداء القسم وإلقاء خطاب التنصيب. ومتابعة الاستعراض العسكري من المنصة الشرفية. يليها الحج المقدس لوضع إكليل الزهور على قبر الجندي المجهول، ثم العودة صوب البيت الأبيض مشياً على الأقدام، في موكبٍ عسكريٍ رَهيبٍ. ... ولا ينسى التعليق عن الرئيس الفلسطيني وتقديم تهانيه لــ"بايدن" بمناسبة اليوم العظيم، وكيف يؤكد له: "مُستعدُّونَ لِعَمَلِيَّةِ سَلاَمٍ شَامِلٍ تُحَقِّقُ للشعب الفلبيني ما يصبو إليه من تقدمِ وسُؤْدَدٍ" ... كما يروي عن "ترامب" مضامين خطاب الوداع وتقديم مرثية الرحيل وفق مراسيم العزاء الأخير، مُنْذِراً ومُبَشِّراً بنهايةِ أسطورةِ التَّفَوُّقِ الأبيضِ .
.. يتبع ...
محمد زمراكي
كاتب من المغرب/مكناس