استهلال حكي (تابع ) 6
في مَقَالٍ بالصيغة السّردِيةِ؛ يَزْعُمُ أنَّ السَّارِدَ المَحْمُودَ، مَنْ عَايَشَ السُّفُوحَ قَبْلَ صُعُودِ القِمَمِ، وخُصُوصاً إذا لم يَتَسَلَّقِ الأبْرَاجَ؛ وَلِأَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ في البُرْجِ تُؤَدَّى تَذَاكِرُ الدُّخُولِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ يُلَقَّنُ قَانُونُ السَّيْرِ في المِصعدِ ويُسْتَعْرَضُ قَبْلَ الصُّعودِ، يُوَزَّعُ دَلِيلُ الاشتراكِ، شُروطُ المُمَوِّلِ والمُحْتَضِنِ، وَمَا يَسْتَهْوِي الجَمْهُورَ من ألوانٍ على ربّاطةَ العُنُقِ، وعُمُوماً ما يُحَبِّذُهُ النُّقَّادُ ... واعلم أن بالإشارةِ يُمكنُكَ تحذيرُ مَنْ هُمْ على الشَّاطِئِ، لكن مَعَ الغَريقِ لنْ تَكْفِيكَ الإشَارَةُ ! ... و أن أخطرَ مكافأةِ المخطئِ في حقكَ التجاهُلُ، عدمُ إِشعارهِ بالخطأِ، هو أعظمُ انتقامٍ، يَجْعَلُهُ يتمادَى في غَيِّهِ، ويَزيدُ فيهِ، والغيُّ طريقٌ ظلامٌ، فيهِ يسيرُ للهلاكِ ... وحيثُ لا تَسْتَقِيمُ للانتقامِ عظمةٌ ولا يَسْتَقِيمُ للضَّغِينَةِ مَقَامٌ ... فإنَّنَا في الواقعِ نَلُومُ مَنْ نُحِبُّ ولا نشْكُوهُ لِلْغَيرِ، على رأي صاحب الطٌوقِ "ما أحبني إلا لما اشتركنا فيه من الأخلاق والخصال"، مع أن درء المطاب واجب، بل راسخٌ في الطباعِ، حتَّى أنَّ المرْءَ لَيُحرِّكُ رأسهُ هرباً ويَدَهُ دِفَاعاً حِصْناً وَ وِجَاءً كُلَّمَا طارت أمامه بعوضةٌ، ولمَنِ اللِّسَانِ الرَّدِيءِ يَرْضَعُ البُغْضُ ويُسْقَى الغَضَبُ ... فيما تَحْكِيهِ مُرَقِّشَةُ الحيٌ عن السيدة "عقيسة"، أمر عجيبٌ؛ عَقِيسَةُ، أمُّ وَارِثِ اسمِهَا قبلَ وفَاتِهَا، بَائِعُ الأعشابِ المُخدِّرَةِ "ولد عقيسة"، تَظَلُّ تُصلِّي وتُمْسِي؛ حَتىَّ يُشَاعَ في الحيِّ أنها تُصَلِّي، حتى تَتَردَّدَ على المسجِدِ فُضُولاً واكتشافاً وليس تَعَبُّداً، تُصَلِّي وتَدْعُو لابنها بالحِفْظِ من الشُّرطَةِ والأمنِ ومن طريق أولاد الحرام، وأن لا يَحْشُرَهُ إلاَّ مع أولادِ الحلالِ؛ أَوْلاَدُ الحلالِ هم من يشترون المخدرات؛ أولاد الحرام لا يشترونها، هم يبيعونها، وفي ذلك يقاتلون على الأسواق والنفوذ؛ وأنا أُردِّدُ اللّهُمَّ أبعِدْهُ عن أبْنَاءِ الحَلاَلِ، تُضيفُ، وتُرْدِفُ بِحُرْقَةِ مُؤَرِّخِ الهامش والضواحي، تحكي عمَّا آلت إليه أَحْوالُ أَعْيَانِ الحَيّ من مَسْخٍ وانحدارٍ، من دار الحاج فُلان ابن فُلان الفُلاني ودار السيدة فلانة الفلانية بنت فلان الفلاني إلى دار "عقيسة" والعرافة "خميسة"، النݣافة "نفيسة" و"عيادة" صاحبة "الطالوع" أو قُلْ كِرَاءَ الأموالِ، أعيانٌ من فَصِيلَةٍ جَدِيدَةٍ بِرُتْبَةِ إبليس ... أمَّا أعْيَانُ الأمسِ فقد أَنْهَكَهُمُ الدَّهْرُ ومُتَواليَّةُ الميراث، فالمُتَخَلٌفُ بيعَ أقساماً مقسمةً على ورثةِ الورثةِ ممن آلت إليهم التركةُ، وفي أَفْضَلِ الأَحْوالِ هو تحت الرَّهْنِ ومُعَاوَدَةُ الرَّهْنِ، رَاهِنٌ يُفَوِّتُ مَرْهُونَهُ لِرَاهِنٍ، وتتوالى السنواتُ تأكلُ بعضها البعض كما تتوالى جولاتُ لعبةِ الورقِ تبتلعُ الأَعْمَارَ والأرزاقَ على مائدة المقهى تحت سُحُبِ الدُّخانِ وروائحِ الأعشابِ، حتى أن بعض شيبهم أصابهم الخرف؛ فأما أَحَدُهُمْ فيحكي عن السيد عنتر بن شداد عليه السلام أنه كان من جند علي يدود عن حوزة الإسلام ويبلي في الغزوات ويجيد الحلب والصر، ولا علاقة له بالجاهليةِ، وهُو مُخَضْرَمٌ، حَارَبَ بِالسَّيْفِ وَأَدْرَكَ البُنْدُقِيَّةَ؛ وَهُوَ القَائِلُ : إِنَّ اخْتِرَاعَ البُنْدُقِيَّةِ هُوَ بِدَايَةُ نِهَايَةِ الرُّجُولَةِ، قَادَ الدّبّابَةَ، وعَمِلَ طَيَّاراً ماهراً تَخِرُّ لهُ الجَبَابِرَةُ؛ ولا تُجادل يا علي ... بل أنه على يَقِينٍ أن السيد "ترامب" من أصول عربية تشبع بالفكر الفرعوني و حاز رضا الحرمين وثالثهما، قاوم سخط "بلقيس"، وسيحتكم لِحُكْمِ المليونيات، سيدعو لمليونية من أجل حكم سرمدي، ولا تُجادل يا علي؛ فقد سَمِعَهُ يَقُولُ بِعَظْمَةِ لِسَانِهِ : أعْطُونِي مَلْيُونِيَّةً أُعْطِيكُمُ حُكْماً دائماً، أُعْطِيكُمُ إِكسِيرَ الحَيَاةِ، إِنَّهُ دُونَ شَكٍّ من هَذِهِ السُّلاَلَةِ ... لَكِنَّهُ، كُلما تَذَكَّرَ "صدّام حُسين"، يَهْجُو العرب، كلما تذكر "صدام" يَهْجُو، يَهْجُو كُلَّ الدُّولِ الثَّالِثِيَّةِ، النّائِمَةِ والسَّائِرَةِ في طَرِيقِ النَّوْمِ، يَلْعَنُ ويَسُبُّ حتى يَغْرَقَ في سُعَالٍ عَميقٍ وبُلغمٍ ثقيلٍ يَكَادُ يُزهقُ رُوحَهُ، يُقالُ أن تدخينَ العُشْبِ أَوْصَلَهُ لِهذِهِ الحال، كَمْ تَلْبَسُ يا عُشْبُ مِنَ التٌهمِ ... يَمْسَحُ عينيهِ، بأطراف جلبابه ويضحك، يضحك، يُخْرِجُ مِنْدِيلاً حقيراً من بين أضلاعه، يُجَفِّفُ دمعاً وسَيَلاَن أنْفٍ، وفي مزيج من الضحك والسُّعَالِ والدُّمُوعِ يقول : سَنَرُدٌ، سَنَرُدٌ ، كما تقول دائما إيران، سوف نَرُدٌ مثلما ترد دائما إيران، يُدَنْدِنُ ويُغَنِّي "سأردُّ إلى خالي روحه وأُعلقُ على كتفه مدفع" ... الله ينشر عليك الرحمات يا أحمد فؤاد، كنت النَّجْمَ وكُنْتَ الفُؤَادَ، ثُمَّ يَغْرَقُ في الضَّحِكِ والسُّعَالِ والبُلْغُمِ والدُّمُوعِ ...
يُتْبَعُ.
محمد زمراكي
مكناس. المغرب