المحطة الأخيرة
حينما اتصلت بي منذ أربعة أيام
وتحدثنا لثوان كنت عاجزا عن الحركة تماما وقلبي يركض بعنف.
مثل حصان جامح
وصلت قسم الإنعاش
ومن حينها لا جهد لي على الحركة
، وضعوني في السرير وبقيت كذلك
قالوا إن وضعك حرج
قلبك تمرد عليك
وأنت فقدت قدرة مسك اللجام
وقفز الحواجز
وضعية حرجة جدا
لأن القلب أمعن في تمرده
وتضامنت معه الكلمات
والخطوات والنظرات
وفر الهواء من صدرك
وجف الماء في سواقي جسدك
لا شيء على ماهو
والأطباء في حيرة من أمرهم
ينتظرون الأسوأ،
أما أنا فأحس أن ثقلا كبيرا يزول عني
،وأتقدم منتشيا نحو محطة الراحة الأبدية ففيها أيضا مايمكن أن يقتنصه المرء
من سديم الوجود المطلق
بلا حلبة سباق
أو خيول جامحة
حين اتصلتَ منذ أربعة أيام
صوتك تلاشى في ذاتي
كان قلبي يركض بعنف—
مثل حصان جامح بلا لجام.
وفي قسم الإنعاش،
لم يجد عشبا أخضر ولا جبال ثلج
نجنح ورفع ساقيه عاليا
فصار جسدي معلقا بين الريح
تربطه شبكة أسلاك،
“وضعك حرج”، قالوا.
تمرد القلب،
ورمى لجامه، و كفّ عن قفز الحواجز.
الهواء فرّ خائفا من رئتك،
وجفّت السواقي داخلك.
عيون تحدق في الصمت،
ينتظرون الأسوأ،
أما أنا فأنجرفُ ببطء
لا سقوط، لا صعود،
بل دوامة تتسعُ، تتسع،
وثقل غريب ينزاح عن صدري
أمامي باب رخامي
يفيض منه الفراغ لزجا
هناك انكشاف ما الوراء
، حيث لا سباق،
لا خيولٌ جامحة،
أخطو لا أرض لي
أغرق في السر الأخير
وتشف في فمي كلمات
قصيدة لم تكتمل
وتمد لي يدها الصامتة
لتقودني نحو الفراغ المطلق—
ذاك الكمال الغريب
الذي لا يخشى النهاية.
—————-
إلى سديم الغياب
حين خاطبتني، كان الزمنُ مشروخًا،
ثوانٍ تتهشّم كأجرانٍ جافّة،
وصوتي انطفأ في صدى غامض،
وقلبي—
رياحٌ تقودها جيادٌ بلا لجام.
في غرف الضوء البارد،
أُلقيتُ كريحٍ كسيرة،
جسدي وشاحٌ مصلوب،
والأطباء قرّاءُ طلاسم
يتنصّتون لصمتٍ أعمق من النبض.
قالوا: “وضعك حرج”،
لكنّ القلب طفق ينزف موسيقى متمرّدة.
آه، أيها القلب، أيُّ سرٍّ ناداكَ؟
أيُّ ليلٍ فاض فيك،
فأسلمتَ جسدي لريحٍ تمحو المدى؟
الهواء، ماء الحياة،
تلاشى،
والسواقي جفّت كما جفّ التوق.
كلماتُ الأرض خانتني،
وأنا أنجرفُ—
لا سقوط، لا صعود،
بل مدارٌ يتسعُ، يتسع،
كصلاةٍ تهيم بلا اتجاه.
لا شيء هنا سوى الفراغ،
يبتسم كشيخٍ صوفيٍّ غارقٍ في السرّ.
ثقلُ الحياة يذوب،
وثوبُ العدم يشفُّ كقصيدةٍ لم تكتمل.
هناك، خلف الستار الذي لا ينزاح،
لا سباق،
لا خيولٌ هوجاء.
هناك حيث تؤول الخطى إلى سكونٍ
يحتضن صراخ الأكوان،
أسيرُ نحو سديم الغياب،
حيث الجمال ينفلت من المعنى،
وحيث النور، عارياً، يُولد من العتمة.