![]() |
د. محمد الجناتي |
تشير التجربة التربوية في المغرب إلى أن المعرفة القانونية ما زالت تُعتبر من التخصصات التي لا تجد طريقها إلى المدارس، وكأنما محصورة فقط في التعليم الجامعي للطلاب المتخصصين في القانون. وقد ترسخت هذه الفكرة في أذهان عدد كبير من العاملين في مجال التعليم، وحتى بين الطلبة والباحثين القانونيين أنفسهم، الذين باتوا يعتقدون أن المدرسة المغربية ليست بيئة مناسبة للمعرفة القانونية، مما يعزز تجاهل هذا المجال المهم على الرغم من أن غيابه يشكل أحد أسباب مشكلاتنا الاجتماعية. ويظل السؤال هنا: هل يمكننا تصور مجتمع واعٍ بقوانين بلده دون إدماج هذه المعرفة منذ مراحل التعليم الأولى؟
الحاجة إلى التربية القانونية كوسيلة للحد من المشكلات الاجتماعية
إن غياب المعرفة القانونية عن المدرسة المغربية يحرم الطلاب من التعرف على حقوقهم وواجباتهم، الأمر الذي يؤثر سلباً على وعيهم ويدفع بعضهم أحياناً إلى ارتكاب سلوكيات غير قانونية. وقد أشارت الدراسات إلى أن هذا الجهل بالقانون ساهم في ارتفاع نسب الفساد وانتهاكات القانون، حيث يمكن أن نجد قضاة غير نزيهين، ومحامين يتلاعبون بالقوانين، وموظفين يعانون من ضعف المعرفة بواجباتهم القانونية، مما يؤدي إلى زيادة المشكلات على مستوى المجتمع ككل.
دور المدرسة في بناء الوعي القانوني: البداية من الطفولة
توصي الدراسات الحديثة بإدماج التربية القانونية في المدارس بدءًا من رياض الأطفال، ثم توسيعها تدريجياً خلال المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، حتى يتمكن الطالب من فهم أساسيات القانون. ففي المرحلة الابتدائية، يمكن تقديم مفاهيم بسيطة تساعد الطفل على التمييز بين السلوكيات الصحيحة والخاطئة. ومع تقدم المراحل، تزداد المفاهيم تعقيداً لتشمل مواضيع مثل القانون الجنائي، الحقوق المدنية، والمسؤوليات القانونية.
مبدأ "لا عذر بالجهل بالقانون": مسؤولية مشتركة بين التعليم والإعلام
يشير القانون الجنائي المغربي إلى أنه "لا عذر بجهل التشريع الجنائي"، أي أن كل مواطن ملزم بمعرفة القوانين بغض النظر عن تعليمه أو معرفته. لكن هذا المبدأ يثير تساؤلاً: كيف يُحاسب المواطن على جهل لم يُعلم به؟ فغياب المعرفة القانونية يعرض الناس للمساءلة دون توعية كافية، مما يجعل المسؤولية ملقاة على عاتق المؤسسات التعليمية والإعلامية لنشر الوعي القانوني. ومن المؤسف أن هذا الأمر لا يزال مغيباً إلى حد كبير في القنوات الإعلامية والتعليمية في المغرب.
دور الإعلام في نشر الثقافة القانونية: تجربة جمال معتوق نموذجاً
تجربة برامج القانون التي قدمها الدكتور جمال معتوق على القنوات التلفزيونية المغربية هي مثال ناجح على كيفية نشر الوعي القانوني. فقد تمكنت هذه البرامج من جذب شريحة واسعة من الجمهور الذي تفاعل بشكل إيجابي مع المحتوى القانوني المبسط. ومع ذلك، تبقى مثل هذه المبادرات محدودة وغير كافية، حيث يُنصح بتخصيص برامج يومية تثقيفية تشرح جوانب القانون وتساعد المجتمع على فهم حقوقهم وواجباتهم بشكل واضح.
إدماج المعرفة القانونية في المناهج الدراسية: خطوة نحو مجتمع واعٍ ومسؤول
لا يمكن تحقيق وعي قانوني متكامل دون أن تبدأ هذه المعرفة من المدرسة. فتدريس القانون في المدارس من شأنه أن يهيئ أجيالاً على دراية بحقوقها وواجباتها، ويفرز مجتمعاً أكثر انضباطاً واحتراماً للقوانين. كما يمكن أن يساعد ذلك في تقليل حالات العنف المدرسي والجرائم المنتشرة بين فئات الشباب. ولطالما عبر خريجو شعبة القانون عن أملهم في أن يصبح تدريس القانون جزءاً من المقررات الدراسية، حيث تتوفر لديهم الكفاءات العلمية اللازمة للمساهمة في رفع مستوى الوعي القانوني لدى الطلاب.
نحو رؤية إصلاحية لدمج المعرفة القانونية في النظام التعليمي
يعد إدراج المعرفة القانونية في المناهج الدراسية خطوة أساسية لتحقيق رؤية استراتيجية لإصلاح التعليم في المغرب. ويشمل ذلك تحسين مناهج التربية على المواطنة، وجعلها تغطي جوانب من الحقوق والواجبات القانونية بطرق عملية تتناسب مع كل مرحلة تعليمية، حتى يتمكن الطالب من إدراك أهمية القانون منذ صغره. كما أن هذا الوعي المبكر من شأنه أن يعزز ثقافة الالتزام بالقوانين، ويفتح آفاقًا جديدة لإعداد مواطنين صالحين وقادرين على احترام قوانينهم والعمل في خدمة مجتمعهم.
في الختام، يبقى السؤال الأهم: هل ستشهد المناهج التعليمية القادمة إدماج المعرفة القانونية كجزء أساسي من التعليم؟
د. محمد الجناتي