03‏/07‏/2021

الأستاذ محمد اليوسفي يكتب: اليساري!..



ربما على السوسيولوجيين في المغرب اليوم ان ينكبوا على فهم وسبر اغوار "اليسار المغربي" وأن تشكل الجامعات والمعاهد تخصصات جديدة لذلك. يمكن تسميتها مثلا:  "سوسولوجيا اليسار في الدار "!  وان توجه  ابحاث الدكتوراة والماستر نحو تشريح هذه الظاهرة العجيبة التي، وإن كانت تتقاطع فكريا مع اليسار في العالم، فإن لها من الخصوصيات ما يجعلها  متفردة بل و مستعصية كثيرا على الفهم والتحليل..

قد نحتاج في ذلك الى علم النفس الاجتماعي والسيميولوجيا وتخصصات أكاديمية اخرى.. وعلى العلوم الإنسانية كلها ان تتضافر بما فيها التاريخ والجغرافيا وعلم الأدب والخرافة.. وربما حتى جيولوجيا الزلازل والبراكين .. لما لا؟!..لنفهم هذا اليساري المغربي الذي يثبت كل يوم انه كائن ليس له نظير! و انه يختلف عن كل السياسيين الآخرين.. من اسلاميين ويمينيين مخزنيين وليبراليين...!

محير جدا أمر اليساري ! انه يمارس السياسة أولا على محيطه وضد محيطه! يرى رفيقه عدوا محتملا، منافسا.. لذلك يقرأ، ولذلك يجتهد، كي يتملك الأدوات المعرفية لاستعمالها في السجال والمقارعة، ليس لتحليل الواقع الموضوعي طبعا بل لإنزال الاذى بمن حوله.. له نزوع غير مفهوم نحو تضخيم الذات والزعامة.. يحب الأدب والأقوال المأثورة، العنيفة غالبا.. ويختار منها في الكتابة والكلام ما يستطيع به افحام رفاقه اولا و تدميرهم رمزيا..

لا يجتمع يساريان مغربيان ابدا في مركب واحدة! وان ركبوا سويا فإن المركب ستغرق.. سيغرق جميع الركاب!.. طز في الركاب! المهم ألا يخسر اليساري! وان يبقى دائما زعيما ولو على نفسه ومحيطه.. يحتاج اليساري ان يظل دائما في المركز.. في العائلة أو في الفصل أو في المقهى.. 

طبعا اليساري المغربي ابن بيئته.. لكن اليساري لم يتصالح مع نفسه ولا مع بيئته... ولا يبذل مجهودا فكريا ولا عمليا لذلك.. يرى مثلا ان الفقر والتهميش نتاج لسياسات طبقية واختيارات معينة للدولة.. لكن في انتظار انضاج شروط الثورة، لا يساهم اليساري في العمل التطوعي مثلا.. ذلك شأن الإسلاميين.. اليساري المغربي ينتظر الثورة... و الى حين أن تأتي الثورة ويستفيد الجميع من الثروة، يظل اليساري المغربي يراقب محيطه من المقهى.. ومن خلال سطور الجريدة .. وما بين السطور.. وما تحتها.. وما خلف الجريدة.. في الجهة الأخرى من الشارع.. وبمحاذاة الرصيف.. لا شيئ يجب أن يتخيل انه يمكن أن يستغفل اليساري.. انه ممسك بزمام كل شيئ.. في انتظار اول اجتماع للمكتب.. كي يستحوذ على النقاش ويفجر الإجتماع.. ويدع المركب تغرق.. ويغرق الركاب.. وينتشي اليساري... وتنتصر الثورة..!

***    ***

اليساري مراقب! طبعا مراقب.. مراقب في البيت، وفي المقهى وعند البقال.. مراقب عندما يستيقظ وعندما ينام.. هاتفه المحمول تحت التنصت وخطواته الثورية مرصودة.. حذر جدا في غرفة نومه و في الحمام.. ألا تلتقطه عدسات الاجهزة فيضطر لمقايضة المواقف بالصور. 

اليساري ناطق باسم التجربة! منذ أربعين سنة وهو الناطق ، ينافح عنها في المقاهي والصالات والحانات.. لقد كانت متميزة وكانت قاب كأسين من الثورة، ولولا تكالب القوى لعاشت ليتحدث عنها الثوار .. مات الرفاق وولد الرفاق وماتت التجربة..ولازال اليساري هو الزعيم!

اليساري يود لو أنه اعتقل! لتكتب عنه الصحف وتشكل لأجله اللجان، ويذيع اسمه ويرتفع سهمه وتنصفه الهيئة..!

اليساري قلق ويحب أن يرى قلق!..  قلق على مصير الثورة، قلق لأجل الجماهير، وعلى المرفق العام.. يشتم الرأسمال في الصباح ويرتاد المدارس الخاصة في المساء..

اليساري لا يعادي اللاهوت والدين! يتيه عند صلاة الجمعة ويضيع شهر الصيام.. يبارك العيد، يلبس الجلباب، يدعو للأموات بالمغفرة و يذبح شاته عند العقيقة والختان..

اليساري يقيم لكل موقف وفكرة تيار.. تيار في الصيف وتيار في الشتاء.. تيار في البرد وتيار في القيظ.. اليساري يداري على الثورة بالكولسة ويرتاب من رفاقه في اللجان.. وعندما يشتد النقاش ويحتد الصراع  ينسف الإجتماع.. فتغرق المركب ويغرق الركاب.. وينتشي اليساري.. وتنتصر الثورة..!


بقلم الأستاذ محمد اليوسفي


  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: الأستاذ محمد اليوسفي يكتب: اليساري!.. Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com