21‏/03‏/2023

⚫️رحيل الأديب العراقي الربيعي صاحب رواية "الوشم"...




توفي الاثنين الكاتب والفنان التشكيلي العراقي عبدالرحمن مجيد الربيعي(1939 – 2023) عن عمر ناهز الثالثة والثمانين عاما إثر معاناة مع المرض.
وُلد الراحل في الناصرية (345 جنوب بغداد)،ينتمي القاص والروائي إلى جيل الستينيات من كتّاب السرد، الذين عُرفوا باتجاهاتهم المتعدّدة في التجديد، خاصّة على مستوى القصة القصيرة.تخرج من أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد،وحمل إجازة جامعية في الفنون التشكيلية.
عمل رساما لوقت قليل حيث يقول “حين أرسم يرافقني ما يشبه الدوي البعيد والخافت، ويعيدني إلى إيقاعات الدرابك، وقدرة الأصابع المذهلة على إحداث تلك الإيقاعات”، لكنه فضل الكتابة ليظل الفن التشكيلي هواية أكثر من احتراف،فاتجه نحو العمل الصحفي والتأليف. كتب قصصا وروايات تقارب العشرين،وألف شعراً وأصدر دراسات،مارس التدريس والصحافة والعمل الدبلوماسي في لبنان وتونس،وأشرف على تحرير الصفحة الثقافية في جريدتي (الأنبار الجديدة والفجر الجديد)،ثم عمل مديراً للمركز الثقافي العراقي في كل من بيروت وتونس.وهو عضو في اتحاد الكتاب العراقيين، وفي نقابة الصحفيين في العراق، وجمعية الفنانين التشكيليين بالعراق. كانت أول زيارة له للمغرب سنة 1976، حيث تمكن من ربط علاقات مع أدباء مغاربة.
من خلال قراءته لهم، فقد كان يجمعهم قاسم مشترك وهموم واحدة تتجلى في التوحد واقتراب القصاصين والروائيين من بعضهم البعض، وسحق حدود التقوقع والقطرية، من أجل الانفتاح على الآخر، خدمة لتطوير الجنس القصصي المحبوب. لم يكن جيل الستينات قطريا، وإنما يكاد يكون عربيا، فكل الذين كتبوا في تلك الفترة كانوا متقاربين في أعمارهم وهمومهم، ومعاناتهم من أجل طرح تجاربهم، التي كانت تئن تحت ثقل الرقابة الاجتماعية من جهة، ورقابة النقد الماركسي من جهة ثانية..
بدأ بقصة “الخدر”، ثم مجموعة قصصية بعنوان “السيف والسفينة ” تلتها رواية “الوشم” التي تعتبر من الروايات العربية النادرة التي حظيت باستقبال هام نقداً وتحليلاً، صدرت سنة 1972 في سياق تاريخيّ هام مرّت به الرّواية العربيّة الحديثة من أبرز معالمه تحوّل في فهم الواقعيّة باعتبارها منهجاً في الكتابة الروائية.
تأثّر الكاتب بالفلسفة الوجودية في مجالَي النقد والكتابة، مثل العديد من مجايليه في أعمالهم التي ظهرت بعد هزيمة يونيو 1967، مركّزاً في رواياته وقصصه على القمع السياسي الذي عايشه مبكراً عندما اعتُقل سنة 1963، وتعامل معه كظاهرة عربية في مرحلة ما بعد الاستقلال حيث قامت أنظمة استبدادية هيمنت على الفرد وألغت حريته.

من بغداد إلى قرطاج رحلة طويلة قادت خطوات الروائي والقاص العراقي إلى تونس بعيدا عن الوطن الذي شهد تفتح الوردة في منتصف الستينيات، بعيداً عن بغداد الألم والدوائر المغلقة والملاحقات السياسية التي برع الربيعي في تصويرها في روايته الوشم ومن بعدها الوكر وما بينهما الأنهار والقمر والأسوار..
غادر الوطن، غير أن تلك البلاد لم تغادره، ظلت تقيم فيه وفي حروفه،وفي تونس حيث تزوج ويقيم، ظلت بغداد تتجول معه في الشوارع والليالي المعتمة وتقيم في صمته وكلامه، في تونس التي يحب يرى بغداد وقد أصبحت أقرب.. معتِمة ربما لكن مشعة في رواية ضخمة "كلام ليل" يسرد فيها الربيعي كلام الليل الطويل الذي لف بلاده ردحا طويلا من الزمن.

أما بالنسبة للسياسة وتأثيرها على الروائي فيقول:فنحن يعني من جيل بدأنا.. وجدنا أنفسنا في خضم السياسة حتى دون أن يكون لنا خيار سياسي،نحن بدأنا نعي هذه السياسة من حولنا ونجدها فينا حتى بدون أن نكون منتمين إلى أحزاب أو تكون لنا اهتمامات سياسية أصلا،لأن كل ما حولنا هو سياسي أو يمضي بنا نحو السياسة، ماذا يفعل مثلا طلبة هم في المدرسة الابتدائية يجدون البوليس يلاحقهم أينما ذهبوا حتى وهم يقرؤون في كتبهم المدرسية وأحيانا يفتش هذه الدفاتر لعل فيها منشورا سريا يندس بينها، هذا حصل كثيرا وذلك لأن هذا الشرطي هو مطالب بأن يلاحق هؤلاء الفتية لأن هناك منشورات توزع،وكانت فترة غليان سياسي عندما بدأنا نكتب وجدنا أنفسنا في السياسة ولسنا خارجها..


كان للغزو الهمجي الأمريكي للعراق الأثر البالغ على نفسية الراحل حيث يقول"دعنا من نهب الآثار العراقية وحرق المكتبات،هذا كله ليس عمليات من صنع غوغاء أو ناس عابرين وإنما هي عمليات مخطط لها والغاية منها هو تدمير هذا البلد الذي اسمه العراق....
أنا لا أرى ومضة أمل، أرى أننا ماضون نحو العتمة أكثر، الحكام الجدد ليس بيدهم القرار،هم الذين جاؤوا مع الاحتلال، جاؤوا بدباباته وهم الذين كانوا في مجلس الحكم وهم الذين وزعوا المناصب الوزارية وهم الذين انتُخبوا فيما سمي بالمجلس الوطني ثم هم الآن تم انتخابهم في هذا البرلمان الجديد...!
في مغتربه التونسي يرى العراق ويأسى، هل ابتعد كثيرا عن الوطن وأية كتابة تلك التي ستعكس المآلات التي وصلت إليها بلاده؟ يتساءل الربيعي وكله حنين إلى مسقط الرأس وبلاد الرافدين،هل سيعود إلى بلاده بعد كل ما حدث؟ "عندما أرى الصور وأحيانا أربط هذه الصور التي أراها،صور الخراب الذي لحق بالأماكن التي كنت أعرفها أُصاب بالذهول،ولا أدري كيف يمكن أن يبقى المرء متماسك وهو يرى ما حصل.. حتى الكتابة الآن أصبحت لا تستطيع مهما كانت عبقريتك الكتابية لا تستطيع أن تستوعب هذا الذي يجري في العراق الآن، شيء أكبر من التصور وأكبر من الكتابة ولكن مع هذا، لنا يعني أمل في العراق وفي العراقيين.. تونس هي بلدي.. يعني الآن أنا حياتي أصبحت في تونس وارتباطي في تونس، كل حياتي صارت في تونس ولكن أنا كنت أتمنى لو أن العراق على غير ما هو عليه الآن لذهبت لزيارته،يعني أنا بي حنين كبير للعراق،ولكن لأي عراق أعود؟هل أستطيع أنا أن أمشي في شارع الرشيني أو في شارع المتنبي أو أمشي في شوارع الناصرية أو في شارع الحبوبي..ثم ما هذه النغمة الكريهة المقيتة المستفزة التي أشعر بالتقيؤ كلما سمعتها عندما يظهر كل واحد ويتحدث أنا شيعي أو أنا سُنّي أو أنا كردي أو أنا مش عارف إيه على قد ما هذه النغمة.. صدقني بأننا لم نكن نتحدث بهذا الموضوع، كنا نخجل أن نطرح هذا الموضوع بيننا حتى بيننا وبين أنفسنا، كنا نحس بعراقيتنا وبانتمائنا لهذه الأمة العربية العظيمة التي تمتد من المحيط إلى الخليج،" تلك هي قناعته الوحدوية ثم يضيف "أنا على صعيدي الشخصي والإبداعي والإنساني وكل شيء..أنا أقول بأن تونس هي العراق، والعراق هو تونس وهما متوحدان في ضميري ومتوحدان في حياتي ولا أستطيع أن أقول هذا بلدي الأول وذاك بلدي الثاني."

في تونس أيضا الزوجة والولد، أسرة هي الوطن الصغير وهمُّ أدبيُّ مشترك فالزوجة رفيقة الأدب والحياة، كاتبة هي الأخرى وقارئته الأولى ومرآته قبل أن يدفع بنصوصه إلى النشر، مسافة العين الأخرى ربما ولقاء جميل للمشرق بالمغرب في تقاطيع الحياة والكتابة وثنايا القصص.
تناغم العادت والتقاليد بين تونس والعراق وحتى اللهجات أثرت به ككاتب..
رفيقة دربه رشيدة الشارني القاصة تونسية: يعني أن يكون هناك شيء يجمع بين الزوجين، ميولات تجمع بين الزوجين هذا شيء جميل وشيء مهم جدا يعني هذا يسمح لكلا الطرفين أن يتفهم الآخر، وتونس كانت كريمة معي قلبها كبير وواسع وأنا أحبها وأظن جدا أن تونس تحبني...
ربما يعد الراحل من الادباء القلائل الذين عاشوا بجنسيتين عربيتين فكان قريبا من الجميع...
البداية كانت مع القصة القصيرة في الستينيات، الجنون الإبداعي في العالم كله، آنذاك كان التجريب على أشده في الساحة الثقافية العربية،نشر الربيعي مجموعته القصصية الأولى بعنوان "السيف والسفينة" عام 1966،والتي كتبها تحت تأثير الفن التشكيلي وتقنياته،مجموعته الثانية، "الظلّ في الرأس"، والتي شكّلت مع مجموعته الثالثة، "وجوه من رحلة التعب" بداياته التي تقترب من الواقعية في تصوير هموم المجتمع وتمثيل الحياة في مواجهة الاستبداد والقهر وإدانة الاستغلال والظلم الذي يلحق بأفراده.
تتداخل الأجناس في كتاباته، الشعر ينهض في تجربته كلها، في الشعر والرواية والقصة القصيرة ما يجعل كتابته أقرب إلى المختبر الإبداعي منها إلى المنجز المطمئن إلى حدوده وتصنيفاته، الشعر كرؤية للكون بعيدا عن التجنيس في جدل متواصل بين الحقول الإبداعية كافة داخل نص واحد هو نص الربيعي بامتياز..
من اهم الروايات "الوشم"، و"الأنهار"  و"القمر والأسرار" و"خطوط الطول.. خطوط العرض"و"نحيب الرافدين" و"السومري" وترصد جميعها تحوّلات الواقع العراقي المعاصر.
وفي الإنتاج القصصي أساس تجربته الإبداعية، إذ ترك ضمنه العديد من المجموعات، مثل "المواسم الأخرى"  و"عيون في الحلم" ، و"ذاكرة المدينة"  و"الخيول"  و"الأفواه" ، و"سرّ الماء" ، و"صولة في ميدان قاحل" ، و"امرأة من هنا.. رجل من هناك ، وغيرها....
*لروحه الرحمة والسكينة..
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: ⚫️رحيل الأديب العراقي الربيعي صاحب رواية "الوشم"... Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top