الثلاثاء، 12 أغسطس 2025

فؤاد عبد المومني: "لماذا سكت الشعراء؟" ولماذا يصمت سياسيونا عن البوح؟


فؤاد عبد المومني

"لماذا سكت الشعراء؟" تساؤل استنكاري صدح به في قصيدة برتولت بريشت، يدين عبره صمت النخب الألمانية تجاه صعود النازية وجرائمها. وأصبحت عبارة تنطبق على كافة النخب التي تسكت عن الحق في وقت الشدة. ويحق لنا أن نحَوِّره في الحالة المغربية إلى "لماذا يصمت السياسيون عن السياسة؟". فعموم السياسيين المغاربة صموتون حول أهم الأحداث السياسية في البلد، لا يقدمون رواياتهم، وإن قدموها يطمسون الأهم فيها، ولا يحولونها إلى مادة للتفكير وللتثقيف وللصراع. 

لنأخذ بعض الأمثلة: هل خرج مسؤولون في الدولة شرحوا الحجم الحقيقي للقمع، وطرق تنفيذه وإفلاته من العقاب، ومبررات سكوتهم على جرائم المافيات التي كانت مكلفة به ؟ وهل شرح لنا أحد المعارضين لماذا سكتوا دهرا على احتجاز أقرباء أوفقير (وكان أصغرهم طفلا من ثلاث سنوات عندما اختطفوا) وعن ضحايا تازمامارت وأگدر وغيرها من معتقلات الموت، التي كانت تستقبل أساسا العسكريين والصحراويين ؟ وماذا كانت تبريرات قتل المقاومين أو الشوريين في فجر الاستقلال ومن أمر ومن نفَّذ ومن شهد ومن غطى، وما كان دور زعماء وفُتُوَّات التيار التقدمي فيها ؟ وهذا النوع من الحوادث التي تم التواطؤ على الصمت عليها لا حصر لها.


لنجرأ على بعض الفرضيات التي قد تكون لعبت دورا مهما أو عرضيا في تبرير الصمت:

1. ادعاء الطهرانية والاستمرار في استعمالها كرأسمال رمزي (سواء عند المدافعين عن الملكية المطلقة التي لا يمكن أن تخطأ أو تجرم، أو عند المعارضين الذين يدعون أنهم كانوا دائما مسالمين وديمقراطيين ومتشبعين بحقوق الإنسان)،

2. الخجل من شنيع الأعمال الذي طبع الحياة السياسية المغربية إلى الآن، سياسيا وأخلاقيا (عائليا وشخصيا)

3. الخوف من التعرض للعقاب على الأفعال الجرمية التي شارك فيها الفرد أو لم يُبَلِّغ عنها

4. الخوف من عقاب السلطة والإقصاء من الفرص المستقبلية، إذ لا بد أن يمس أي بوح صريح بصورة أصحاب السلطة

5. الخوف من أشخاص بعينهم، قد ينتقمون ممن يفضحهم عرضا بمناسبة تقديمه شهاداته (أوفقير ثم الدليمي ثم البصري الذين يمكن تسميتهم لأنهم ماتوا مغضوبا عليهم، أما الأحياء فلا مجال لاقتراح أسماءهم)

6. اعتبار السياسة شأنا يهم الخاصة حصرا، ولا يليق إطلاع الغوغاء على حقيقة سَيْره

7. الخوف من الفضح المتبادل، إذ أن أي تصريح قد يدفع أطراف أخرى للرد عليه بما يدين المصرح الأول

8.     الخوف من انقلاب القصر على المكاسب الجزئية والتوازن الهش إن وقع البوح بما يمس بإطلاقية المُلك وهيبة المخزن.

هذه لائحة غير حصرية لمبررات مؤامرة الصمت التي تحجز مجتمعنا، ولي أمل أن يلتقطها ويطورها ويمتحنها باحثون واستقصائيون ويفيدونا بما قد يصلون إليه. وكلفة مؤامرة الصمت باهظة، إذ لا تسمح باكتمال فعل الحداد على الفقد، ولا تسمح بتشريح وبالتالي معالجة البنيات والذهنيات والسلوكات التي سمحت بالجرائم، ولا تسمح بإنهاء الإفلات من العقاب الذي ينبني عليه الاستبداد، كما لا تسمح بالتصالح مع ذواتنا، باعتبارنا كلنا ورثة تاريخ لم يكن كله ورديا، فما بالك بالتصالح مع الآخر ونحن نربي أنفسنا وأجيالنا الصاعدة على أنه الشر كله، وأن التنكيل به ليس مسا بكرامتنا وأنسانيتنا قبل النيل من الآخر ومن هم في صَفِّه. يرى كل منا أنه ومن معه مُنَزَّهون عن الخطأ، في الماضي، والحاضر والآتي، ولنا في تعامل العلمانيين مع الإسلاميين خير مثال، حيث يكاد يغيب العمل على بناء العيش المشترك المُنْتِج، ويلصق الطرفان ببعضهما كل الآفات والمطبات.

أخص هنا بالذكر من بلغوا من العمر عتيا من أهل السياسة. فهؤلاء لم يعد لهم ما يخسرون أو ما يخشون، وسيكون من البئيس أن يرحلوا عن هذا العالم دون تدوين ونشر شهاداتهم (الحقيقية وليس المدعاة كتلك الموجودة اليوم في السوق) بكل ما يمكنهم من نزاهة وجرأة واستعداد لفقد بعض البريق الخادع، لفائدة قيمة تاريخية لا تتقادم.

كل القوى والتيارات لجأت للعنف لهذه الدرجة أو تلك، وكلها لا زالت تتهجى حروف السلمية والحضارة والاعتراف بالآخر وحقوق الإنسان. وليس من العيب الوقوف على الحقائق والاعتراف والاعتذار الجماعي (الحقيقي وليس اعتبار تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة اعتذارا من الدولة للمجتمع وللضحايا).

محمود درويش:

سنصيرُ شعباً , إن أَردنا , 

حين نعلم أَننا لسنا ملائكةً , 

وأَنَّ الشرَّ ليس من اختصاص الآخرينْ.

بقلم: فؤاد عبد المومني
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات
Item Reviewed: فؤاد عبد المومني: "لماذا سكت الشعراء؟" ولماذا يصمت سياسيونا عن البوح؟ Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top