02‏/04‏/2022

أشكال اللامساواة الوظيفية في المغرب..قطاع التعليم نموذجا .




رغم أن الدستور الجديد للمملكة الصادر في سنة 2011 ينص على مبدإ المساواة في تصديره :" إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة."و في فصله السادس :" القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له. تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم..." غير أن المسار المهني الوظيفي في المؤسسات العمومية (الوزارات) الموروث عن الأنظمة الأساسية الوظيفة منذ عقود يعرف عدة أشكال من اللامسواة والتمييز بين الموارد البشرية ،سواء بين القطاعات الوزارية او نفس القطاع؛وسواء تعلق الأمر بتركيبة الأجرة وقيمتها المالية ،أو بنظام الترقية وسنوات الإنتظار والكوطة وقيمة النقط الاستدلاية والتحفيزات،أوبالاستفادة من العلاوات والمنح والتعويضات سواء القارة كالتعويض عن التدرج الإداري، التعويض الإداري الخاص، التعويض عن التقنية، التعويض عن التعليم، التعويض عن الأخطار، التعويض عن الأعباء، التعويض عن التأطير، وغيرها من التعويضات الأخرى القارة،أو التعويضات العرضية كالتعويض عن التنقل والساعات الإضافية والتكوين المستمر والتعويض عن المهام والتعويض الجزافي عن استعمال السيارات الخاصة من اجل المصلحة،بل هناك أيضا التعويض عن الهندام وغيره.كما نجد لامساواة وتمييزا أيضا في مدى توفير ظروف العمل المريحة من فضاءات وتجهيزات وتهوية وتدفئة وتكنولوجيا الحديثة...ناهيك عن أشكال التمايزات الشاسعة بين القطاعات الوزارية العمومية وشبه العمومية في الخدمات الاجتماعية والطبية والترفيهية...مثلا إن أجرينا فقط مقارنة بين موظفي وزارة المالية ووزارة التربية الوطنية سنلمس بوضوح تلك الفروقات وأشكال اللامسواة والتمييز المذكورة سالفا(جزئيا أو كليا).

تعمدنا في هذا المقال الاكتفاء بالتعميم وعدم الدخول في تفاصيل أشكال اللامسواة بين موظفي الدولة في مختلف قطاعاتها العمومية وشبه العمومية والمقارنة بينها،الجميع يلمس ويعرف ذلك؛سنحاول فقط،هنا،رصد بعض أشكال اللامسواة (اللادستورية)في قطاع التعليم بين موظفي هذه الوزارة،من خلال بعض المظاهر،ومنها:

- الترقية إلى خارج السلم 11:حيث نجد أن بعض فئات موظفي الوزارة تستفيد من هذه الترقية ويتم إقصاء فئات أخرى كأساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي والملحقين التربويين وملحقي الاقتصاد،حيث كما هو معروف أسست هذه الفئات تنسيقية خاصة بها وتناضل من أجل حقها في المساواة في الاستفادة من الترقية خارج السلم كباقي موظفي القطاع والدولة.فبأي منطق قانوني ودستوري يتم إقصائها؟الأمر يتعلق فقط بحسابات مالية ضيقة تضرب عرض الحائط مبدأ المساواة والإنصاف.

- ساعات العمل:بأي منطق ومبررات علمية بيداغوجية يتم التمييز بين أساتذة الأسلاك الثلاث في عدد ساعات العمل،حيث أصبح الجميع يلج إليها بنفس الشهادة(الاجازة)،إذ نجد ،أسبوعيا،أساتذة الثانوي التأهيلي يعملون 21 ساعة،وأساتذة الثانوي الإعدادي 24 ساعة،وأساتذة الابتدائي 30 ساعة؟!مع العلم أن هناك عدة دراسات علمية بيداغوجية تحث على العمل ساعات وأياما أقل في الأسبوع (في المؤسسة)بالنسبة للتعليم المدرسي،نظرا لكون التعليم يدخل في تصنيف الأعمال الشاقة،وخاصة في التعليم الابتدائي نظرا للخصوصيات النمائية و الإيقاعات البيولوجية والعقلية الخاصة بمتعلمي هذه المرحلة التعليمية.

- التنقل: نجد أن بعض فئات الوزارة تستفيذ من التعويض عن التنقل أو استعمال السيارات الخاصة،ويتم اقصاء وحرمان المدرسين والمدرسات من ذلك، حيث يتنقلون يوميا إلى مقرات عملهم البعيدة عن سكنهم سواء باستعمال سياراتهم الخاصة أو النقل العمومي.

- السكن الوظيفي : حيث تستفيد بعض فئات الوزارة من سكن وظيفي ويتم حرمان أخرى، بل هناك فئات أخرى،وخاصة الإدارية في هرم الوزارة،تستفيد من سكن وظيفي صحي وجيد وراق ومجهز جيدا (فيلات...) في حين يستفيد البعض الآخر من "سكن وظيفي" رديء وغير صحي عبارة عن صناديق خصوصا فئة أساتذة التعليم الابتدائي خاصة العاملين في الوسط القروي.بأي حق مواطناتي ووظيفي هذا التمييز؟!

- التعويضات عن إجراء الامتحانات والتكوين المستمر: حيث نجد تمييزا بين أطر الوزارة في الاستفادة من تعويضات إجراء الامتحانات ،حيث يستفيد الجميع إلا بعض الإداريين والأساتذة(ماعدا التعويض الهزيل عن التصحيح بالنسبة للأساتذة)، مع العلم أنه بالنسبة للإداريين بمختلف تراتبيتهم إجراءات الامتحانات هو عمل إداري من صميم مهامهم.نفس الشيء بالنسبة للتكوين المستمر،حيث يستفيد البعض من تعويضات مالية ويقصى البعض الآخر(خاصة المدرسين)،رغم أن الاجراءات اللوجستيكية الإدارية والعمل التأطيري لا يقتضيان تعويضا.

- ظروف العمل: هذا مجال نلمس فيه فروقات شاعة وتمييزا واضحا بين موظفي الوزارة،حيث بالنسبة لموظفي الوزارة،وخاصة المسؤولين الإداريين،مركزيا وعلى مستوى الأكاديميات والمديريات الإقليمية،على موارد بشرية و ظروف العمل المريحة من أتات فاخر وفضاءات جيدة ومكيفية،وتجهيزات وتكنولوجيا حديثة...في حين مقرات عمل بعض الإداريين(وخاصة مديري الابتدائي) تشبه الصناديق وتفتقر للموارد البشرية المساعدة والتجهيزات ووسائل العمل الضرورية.أما ظروف عمل المعني الأول وأساس نجاح أو فشل المنظومة التعليمية ككل ،المهنية والاجتماعية،أي المدرس/ة،وخاصة في الابتدائي،فهي (ظروف العمل) جد مزرية ومتخلفة/تقليدية:أقسام بفضاءات غالبا ضيقة وغير صحية،وسائل عمل تقليدية (سبورة خشبية رديئة وطبشورة مغشوشة تتخللها الحجارة وغالبا غير متوفرة او قليلة،بل حتى بديلها السبورة البيضاء لم تقدر الوزارة ومصالحها على مواكبة توفير أقلامها ؟!) فبالاحرى توفير الوسائل الديداكتيكية الحديثة (تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة)،كل مانراه توفير هذه التكنولوجيا الحديثة للمؤولين المركزيين والجهويين والاقليمين و الإداريين،أما المدرسن الذين هم الأولى بها،للرفع من جودة وفعالية التعلمات والمنظومة ككل،محرومون منها،وهناك منهم من يعتمد على جيبه المثقوب أصلا لتوفير وسائل العمل.حين تصبح ظروف عمل المدير التربوي والمدرس/ة هي نفها ظروف عمل الوزير والمدير الأكاديمي والمدير الإقليمي حين ذاك قد نقول قد حقق الاصلاح التعليمي هدفه الأسمى والحقيقي.

- الترقية بالشهادات : كان الهدف من هذه الترقية حث أطر الوزارة على الرقي بتكوينهم المعرفي الأكاديمي مما لذلك من أثر إيجابي على تجويد وزيادة مردوديتهم المهنية،غير أن عبقري ما له غيرة كبيرة على القطاع وضد العقلية المحسباتية الضيقة أوقف هذا النوع من الترقية،حيث وجدنا وضعية مفارقة هناك من استفاد من الترقية بالشهادة وهناك من حرم منها،وهناك في قطاعات وزارية أخرى لازال العمل بهذه الترقية!إن كانت معلوماتي صحيحة؛الكل يعرف أن هناك تنسيقية أحدثت وتناضل من اجل الحق في الترقية بالشهادات،والمساواة مع من استفاد ويستفيد منها.
- الموظفون والمتعاقدون: لحسابات ما أصبح قطاع التربية يعرف نوعين من الأطر:الموظفين والمتعاقدين،رغم أنهم ينتمون لنفس القطاع وقد يقومون بنفس المهام التدريسية او الإدارية،غير أنه لكل منهما نظام خاص : فئة تنتمي للوظيفة العمومية ويؤطرها نظاما الوظيفة العمومية وموظفي وزارة التربية الوطنية ،وفئة يؤطرها ما سمي بنظام موظفي الأكاديمة !أليس هذا شكل من أشكال اللامسواة والتمييز ؟! خصوصا في قطاع حيوي واسترتيجي يحتاج أكثر من غيره للاستقرار الوظيفي في أبعاده المهنية والاجتماعية لما له من تأثير سلبي أو إيجابي على جودة ومردودية القطاع الداخلية والخارجية.

في الأخير،أظن وبعد تقديم بعضا من الأشكال والنماذج من اللامسواة واللاإنصاف التي تتنافي و منطوق وروح الدستور الجديد، في قطاع التربية الوطنية خاصة،الذي ركزنا عليه هنا، او سواء في الوظيفة العمومية بشكل عام ،وجب إعادة النظر في النظام الأساسي للوظيفة العمومية والأنظمة الخاصة لمختلف القطاعات الوزارية عامة،وبالأخص قطاع التعليم،وتكييفها وأجرأتها وفق منطق وروح الدستور الجديد،خاصة مايحقق جودة المرافق والخدمات العمومية،ووفق مبادئ المساواة والإنصاف بين موظفي الدولة،لأنهم كلهم خدام الدولة والوطن،لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات عامة .من اجل ذلك يجب في أسرع وقت فتح ورش دسترة القوانين الأساسية لقطاع الوظيفة العمومية وشبه العمومية،لأن عواصف الاحتقانات لا تحتمل الانتظار كثيرا.

محمد الصدوقي

  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: أشكال اللامساواة الوظيفية في المغرب..قطاع التعليم نموذجا . Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top