20‏/03‏/2022

صخر المهيف يكتب: عن المكانة الاعتبارية للكاتب المغربي


كتب زكرياء أحمد في أحد أعداد مجلة دبي الثقافية ما يلي:"إدنا أوبريان"،قاصة إيرلندية معاصرة وروائية، حازت على جائزة فرانك أوكونور العالمية للقصة القصيرة، وهي أهم الجوائز العالمية على الإطلاق في القصة القصيرة، وتمنح سنويا لمجموعة قصصية بشرط أن تكون لغتها الأصلية الإنجليزية أو مترجمة إليها".

ليس هذا ما استوقفني في هذا المقال، وليس هذا باب القصيد، ذلك أن "إدنا أوبريان" كانت قد وجدت لها عملا في إحدى دور النشر اللندنية في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث لفت نظر المسؤولين عن النشر أسلوب ودقة وعمق التقارير التي كانت تكتبها إدنا أوبريان عن النصوص التي كانت ترد على دار النشر، فطلبوا منها أن تتفرغ لكتابة رواية، وخصصوا لها خمسة وعشرين جنيها إسترلينيا أسبوعيا،وهو مبلغ كبير ساعتئذ، وتقول أوبريان إنها كتبت روايتها الأولى (فتيات الريف) في ثلاثة أسابيع، فقد كانت تكتب بسرعة وحماس وأثارت زوبعة في موطنها الأصلي إيرلندا فمنعت كتبها من دخول البلاد حيث أحرقت في كنيسة، بل إن ما استوقفني وأثارني في هذه السطور، المناخ الصحي الذي ينمو ويترعرع فيه الإبداع الأدبي في الغرب حيث تحظى مواهب الفرد بالرعاية والاهتمام اللازمين بالتحفيزات الضرورية التي تجعل من المبدع كيانا موفقا في ممارسة الكتابة بأريحية وانسيابية، متفرغا لها في وقت اللزوم بوصفها رهانا وجوديا ينبغي كسبه.

في هذا الصدد، حصلت الروائية الدانماركية كريستين توروب، المزدادة سنة 1942 على منحة التفرغ مدى الحياة للكتابة الإبداعية من الدولة الدانماركية، وهي التي أصدرت أولى رواياتها "بيبي" سنة 1973 إذ ترجمت أعمالها إلى العديد من لغات العالم وحازت على العديد من الجوائز التقديرية. 

أما الروائي الصيني "سوتونغ" المولود سنة 1963 بجنوب الصين، فقد التحق بقسم اللغة الصينية بجامعة المعلمين في بكين، وقد منحته الدولة الصينية (الشيوعية الاستبدادية) تفرغا كاملا للكتابة والتأليف تقديرا لموهبته الخلاقة ولطاقته الإبداعية التي أفرزت أعمالا نالت التقدير والاحترام في مختلف أرجاء العالم.

وكان الكاتب الأمريكي ذو الأصول الإفريقية "أليكس هايلي" الذي ولد عام 1921 وتوفي سنة 1992، قد توصل إلى أن لغة جده "كونتا كينتي" هي لغة "ماندينكا" المنتشرة في بعض أجزاء غامبيا التي تقع على المحيط الأطلسي محاطة في جهاتها الثلاث بدولة السنغال، وقد أخبره بأصول لغة جده عالم لسانيات لبلجيكي، ولكي يكتب أليكس روايته الشهيرة "جذور" كان مطالبا بالسفر إلى غامبيا فحصل من مجلة "ريدرز دانجست" على منحة قدرها 3000 دولار لتمويل مشروع البحث عن الجذور سنة 1966، حيث بلغ قرية "جوردي" الغامبية لإجراء البحث واللقاءات والتوثيق والكتابة، حيث أخبره شيخ طاعن في السن أن جده خرج ذات يوم إلى الغابة ولم يظهر له أثر بعد ذلك، فقد اقتاده تجار العبيد إلى السفينة المرابطة على الشاطئ ونقلوه إلى أمريكا ليعمل في حقول النفط، وفي أواخر سنة 1976 صدرت روايته "جذور" لتروي حكاية كونتا كونتي، وهي الرواية التي طبع منها ثمانية ملايين نسخة وترجمت إلى ست وعشرين لغة عالمية كما تحولت إلى مسلسل تلفزيوني عرض على كل الشاشات الصغيرة في العالم في ثمانينيات القرن الماضي، ومعلوم أن جمع المادة السردية لهذه الرواية استغرق عشر سنوات كاملة، وقد توج هذا البحث بلقاء "أليكس هالي" بالراوي العجوز الذي ولد في أواخر القرن التاسع عشر "كيبا كاني فوخانا" بقرية جوردي بغامبيا كما سبق الذكر، ومنه استقى جزءا من المادة الحكائية لروايته.

ولنتعرف أكثر إلى مكانة الكاتب في عدد من بلدان العالم، علينا أن نعرج قليلا على كولومبيا الغارقة في حربها مع إنتاج المخدرات وتهريبها، لنعرف أن حكومة هذا البلد قررت وضع صورة أحد مفاخرها الأدبية على أحد عملاتها، أقصد الروائي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز.

لقد حكى الباحث الأمريكي "توبي إي هيف" صاحب كتاب "فجر العلم الحديث: الإسلام-الصين–الغرب"، المترجم من طرف الدكتور محمد عصفور ضمن سلسلة عالم المعرفة سنة 2000، أن جامعة ماساشوستس منحته سنة 1980 إجازة دراسية قضاها بصفة باحث زائر في قسم تاريخ العلم في جامعة هارفرد، كما مكنته الجامعة التي ينتمي إليها من إجازة بحث أخرى سنة 1987، جعلته يتفرغ لبحث قضايا متعددة في التاريخ المقارن للقانون، وقبل ذلك منحته منظمة الوقف الوطني للعلوم الإنسانية منحة قضى بموجبها سنة دراسية في جامعة كاليفورنيا ببيركلي سنة 1976 و1977، حيث حضر حلقة بحث أدارها "روبرت بله" تحت عنوان: "التراث والتفسير"، كل هذا مكنه من وضع أفكاره حول مشكلة العلم العربي في العصور الوسطى.

كما مول معهد الدراسات المتقدمة برنستن في الموسم الدراسي 1978-1979 للباحث توبي إي هيف سنة دراسية قضاها في العمل على دراسة تهتم بمشكلة العلم العربي عامة، كل هذه المنح جعلته ينجز عملا هاما على مدار عشرين سنة في حقل معرفي شائك وهو تاريخ العلم المقارن، وقد استفاد من مكتبات تمتد من ولاية مين في أقصى الشمال الشرقي للولايات المتحدة إلى ولاية كاليفورنيا، كما مكنته شبكة الحاسوب التي تنتظم في ائتلاف المكتبات الجامعية في أوهايو من خلال مكتبة جامعة ماساتشوستس دارتمث، وهو ما أثمر كتابا هاما حول مسألة ظلت قائمة منذ أمد بعيد: لماذا نشأ العلم الحديث في الغرب فقط وليس في حضارتي الإسلام والصين؟ علما أن العالم الإسلامي كان هو المؤهل أكثر من غيره لنشأة العلم الحديث حسب استنتاجات هذا الباحث الأمريكي.

يطرح هذا الأمر مسألة بالغة الأهمية في رهاننا الثقافي المغربي، حيث الكاتب / المثقف/ الباحث لا يحظى إلا بالحد الأدنى من الاعتبار، سواء من طرف المؤسسات الرسمية أو المؤسسات غير الحكومية، وكلنا يعرف المآل الذي آل إليه الشاعر المغربي الراحل محمد الحلوي بعد تقاعده، وهو أحد الأسماء الرائدة في كتابة القصيدة العمودية المغربية الحديثة. وفي هذا الصدد لابد من الإشارة إلى العراقيل البيروقراطية التي تعترض مشاركة الكتاب المغاربة العاملين في القطاعات العمومية وشبه العمومية في التظاهرات الثقافية داخل الوطن وخارجه، بحجج مضحكة كضمان سير المرفق العمومي ومراعاة مصلحة المتعلمين وهلم جرا،في ظل وجود آلاف الموظفين الأشباح في هذه القطاعات العمومية يلتهمون بشراهة ملايير السنتيمات سنويا دون أن يقدموا أي خدمة للوطن، إذ تمنح كافة التسهيلات للكتاب المقربين من السلطة بدون مشاكل تذكر.

بالمقابل حظي بعض الكتاب المغاربة بمكانة اعتبارية مرموقة: تفرغ مقنع خارج المسلكيات القانونية في إطار استشراء ثقافة الريع والفساد، تسهيلات في السفر، ظهور متكرر في وسائل الإعلام... غير أن هذه المكانة الاعتبارية لا تستمد شرعيتها من قوة المنجز الإبداعي للكتاب المستفيدين، بقدر ما تستمدها من شبكة العلاقات الشخصية سواء في الميدان الأدبي أو في الميدان السياسي الذي هو حقل تقاطبات وتجاذبات لا يعترف بالإبداعية بل بالولاء وتصريف المواقف المؤيدة لهذ الفاعل السياسي أو ذاك.

صخر المهيف- طنجة


  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: صخر المهيف يكتب: عن المكانة الاعتبارية للكاتب المغربي Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top