05‏/11‏/2021

في ذكرى استشهاد الرفيق عبد السلام المودن


عبد السلام المودن

الرفيق الشهيد عبد السلام المودن، من المؤسسين الأوائل للحركة الماركسيةـ اللينينية وأحد قيادييها البارزين.. ابن مدينة قلعة السراغنة، حيث تلقى تعليمه الإبتدائى والاعدادي، ثم أكمل السلك الثانوي بمراكش والتعليم العالي بكلية العلوم بجامعة محمد الخامس بالرباط، في الوسط الطلابي الذي كان يغلي بالفكر الثوري انداك.. وجد نفسه وسط تيارات ونقاشات يؤطرها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب،وكان لنكسة يونيو 1967 و إنتفاضة 8 ماي بفرنسا.الاثر البالغ في فكره ووجدانه مما جعله يخصص جزءا من وقته للتثقيف الذاتي ومن تم سهل عليه الاندماج في النضالات والنقاشات الفكرية والسياسية الخصبة التي كانت تموج الحركة الطلابية. فبدأ يغوص في الفكر الماركسي.. من خلال كتب ماركس، أنجلز، لينين، ماو تسي تونغ، روزا لوكسامبورغ، غرامشي..  ومؤلفات الفلاسفة الألمان.معرجا على تاريخ حركة مقاومة الشعب المغربي للاستعمارين الفرنسي والاسباني،ومن تم  الحركات الثورية في العالم.مما سهل عليه المزاوجة بين النظري والعملي،في هدا الجو انخرط في العمل السياسي السري.وسط الجبهة الطلابية اليسارية التي أنشأت منظمة 23 مارس التي كان المودن احد مؤسسيها، ومنظمة الى الأمام، وبعد أمد من الزمن من توسيع وجدب الانخراط، وكتابة المنشورات وتوزيعها، والتخفي والتنقل بحذر، والعيش في السرية.بدأت الآلة القمعية للنظام تحصد مند ابريل 1972وما أعقب هذه الاعتقالات من حملة شرسة ضد اليسار الجديد لاجل اجتثاته،كان المرحوم المؤذن، من بين رفاق آخرين، الذين تحملوا جمع شتات تنظيم 23 مارس الذي تأثر جراء إعتقال عدد من قيادييه وأطره، واضطرار البعض الآخر للتواري عن الأنظار، أو الهجرة للخارج،

الرفيق بومارس.هو الإسم المستعار الذي كان يعرف به الرفيق عبد السلام المودن في منظمة 23 مارس السرية،احتفظ به، ثم استعمله فيما بعد للتوقيع على بعض مقالاته

.وحضر بهدا الاسم المستعار في ندوة ربيع 1974، التي انعقدت في الدار البيضاء، شهورا قليلة قبل حملة الإعتقالات الواسعة التي كان المودن من بين ضحاياها،ظل يعيش في السرية، إلى أن تمكنت الأجهزة الأمنية من اكتشافه،ومداهمة مقر قيادة 23 مارس في الدارالبيضاء في نونبر 1974 حيث جرى اعتقاله ورميه في غياهب معتقلات سرية، وعاش مع رفاقه المعتقلين مختلف أشكال التعذيب والتنكيل في المعتقل السري درب مولاي الشريف، قبل تقديمهم للمحاكمة الشهيرة سنة 1977،

حيث كان نصيبه، حكم بالسجن لمدة 32 سنة نافذة، قضى منها حوالي النصف خلف القضبان، قبل أن يفرج عنه، ضمن مجموعة تتكون من الأغلبية الساحقة من معتقلي اليسار السبعيني سنة 1989 وكان قد انتمى قبل دلك كاستمرار ل 23 مارس لمنظمة العمل اليمقراطي الشعبي.

في السجن، وبحكم انشغاله بمجموعة من التساؤلات والإشكالات التي طرحتها تجربة اليسار الجديد ومنظماته الماركسية في سبعينيات القرن 20،انكب عبد السلام المودن على دراسة المؤلفات الماركسية الأساسية،وحاول فهمها في أصولها.وقادته هذه التجربة إلى تعلم اللغة الألمانية في السجن،حيث شرع في قراءة كتب وكتابات كارل ماركس وفريديرك انجلز بالألمانية، 

وخاصة كتاب الرأسمال الذي تحولت قراءته إلى محنة،تطلبت منه مزيدا من الصبر 

والمثابرة ، وهو العناء الذي لم يكن يخفيه عبد السلام كلما فاتحه احد الرفاق في موضوع قراءاته وتعلمه للغات في السجن .

شعر الكثير من الرفاق الذين عايشوا الرفيق عبد السلام المودن في السجن، أن الحياة ظلمته مرتين. ظلمته حين عرضته لاقتطاع جزء من حياته وشبابه،وتقديمه هو ورفاقه من المعتقلين السياسيين اليساريين قربانا وضحايا لقمع شرس، واعتقال ظالم غاشم، تخلله كثير من التعذيب والمعاملات المخلة والقاسية، في المعتقل السري الرهيب درب مولاي الشريف،وفي غياهب السجون.خاصة

السجن المركزي بالقنيطرة، كانت معاناته مع التعذيب النفسي أشد وطأة ومرارة. لايخفف

منها إلا شغفه المعرفي،كان أكثر حساسية ورفضا للتعذيب النفسي، فقد كان أسهل عليه أن يتحمل النقص في الطعام والملبس، ولكنه لا يطيق الحرمان الذي يتحول عنده إلى تماس مزعج لكيانه وشخصيته، الشيء الذي كثيرا ما اضجره وعبر عنه بطرق مختلفة،وزاد من وتيرة معاناته،ثم تعرض لظلم أفظع أدى إلى إنهاء حياته في ظروف وملابسات زادت من حدة الإحساس بالفاجعة ومأساة الغياب...

ضيق الزنزانة منح لعقل الراحل فسحة للتأمل والنقد الداتي، وفي هدا الصدد،قال المودن:إن السبب الجوهري لتعطل حركتنا السياسية من وجهة نظري على الصعيد الذاتي يكمن في كون مواقفنا وبرامجنا السياسية توجد بدون أساس فلسفي،وفي غياب الأساس الفلسفي يصبح البرنامج السياسي مجرد ركام من الأفكار المجردة الذاتية والموضوعية،ومن هنا طرحت على نفسي مهمة تكوين نفسي تكوينا صلبا وذلك بدراسة علم المنطق الجدلي...." 

إن الهدف من هدا النقد حتى لا نقول جلد الذات، هو محاولة الوصول الى اعماق الفكر كي تتمكن من استيعاب وقت الفعل والتصرف بذكاء ورزانة كي تحصل على ساعة الحسم بدقة،وفق فهم عملي وواقعي للاوضاع.وشساعة هدا التأمل أدت به للقول:

"صديقتي الألمانية تشبه والدتي من ناحية الوفاء والالتزام،فمنذ أن تعرفت عليها ، أو بالأحرى تعرفت علي عن طريق منظمة العفو الدولية، منذ سنوات خلت حينما كانت لا تزال تلميذة بالثانوي ، راسلتني بانتظام صارم لم تخرقه قط خلال السنوات السبع من صداقتنا .إنها تقول بلغة ألمانية أنيقة : يا للسرعة التي يمر بها الزمن!" 

قد تكون هده الرفيقة والصديقة المخلصة سبب من بين اسباب اخرى فكرية لتعلم اللغة الالمانية،لقد فتح له النقد الذاتي الدخول للواقعية السياسية فكان الانتماء لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي،سليلة تنظيم 23 مارس،وهو أسير وراء قضبان السجن حيث قال في شأن هده الاخيرة متسائلا في خاتمة مقالته الرائعة (الزنزانة 28) متى سأخرج من السجن؟ إن علم ذلك عند أصحاب الأمر والنهي.أما ما أعلمه شخصيا، هو أن في قلبي وعقلي وجسدي من الطاقة ما يجعلني أتحمل ضعف هذه المدة إذا لزم الأمر."

يعد فقيد الحركة التقدمية المغربية الشهيد عبد السلام المودن، نموذج فريد في الفكر والسلوك ، ليس فقط داخل منظمة 23 مارس و بعدها منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، بل حتى داخل وسط الحركة التقدمية المغربية والعربية ، فهو الذي حول سجنه،إلى قلعة التأمل و التفكير ، وهو القائل في مقالة رائعة ، تنضح بكل المشاعر الإنسانية الجياشة، الهادفة إلى الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية"أن أخطر ما اكتشفه الإنسان هو السجن كأداة و وسيلة لتدمير قيمة الإنسان" ويواصل في مقالته ” الزنزانة 28 ” و هو يستحضر مرور 15 سنة على اعتقاله ، أن التناقض التناحري المدمر داخل السجن هو صراع الإنسان واللاإنسان والشرط الحاسم لانتصار الإنسان على نقيضه الداخلي هو الفكر و امتلاء العقل و ربيع القلب"،تلك كانت خلاصة فترة الاعتقال،كما خلص إلى أنه "لا يمكن تغيير المجتمع بدون فهم المجتمع" ، و"لا يمكن فهم المجتمع بدون الانتقال بالفكر، من دائرة الفكر السطحي، الانطباعي إلى دائرة الفكر النظري العلمي".لذلك استنتج الفقيد،أن إشكالية الشعب المغربي في الظرف الراهن النابعة من واقعه المادي المعيش هي: الديمقراطية.

كانت" الزنزانة28" من ابدع نصوص أدب السجون،وفيها فجر الشهيد الجزء الخاص الكبير مما يخالجه ويقطن بأعماقه...

لم يكن الشهيد عبد السلام المؤذن وهو يدافع عن الوحدة الترابية للمغرب من موقع المنظر المتعالي اوالمفكر والمتمكن من أدوات التحليل فقط بل أضاف الى دلك الحجج التاريخية الغير القابلة للجدل،وقال بهدا الصدد"المناضل الثوري الحقيقي هو ذاك الذي يناضل من أجل وحدة الاوطان، والوطن المغربي وطن بحدوده التاريخية وليس بحدود الموقف من النظام".

بعد اطلاق سراحه التحق مباشرة بقيادة منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ولسان حالها جريدة أنوال،حيث فرغ عصارة افكاره وتحليلاته،وكانت لغته عميقة وبسيطة وواضحة وموجعة مما جعله في مرمى اعداء الشعب،أزلام النظام،حيث تم اختطافه من الشارع العام بالدار البيضاء وهو في طريقة الى مقر عمله في الجريد بالرباط في مارس1992 دام الاختطاف 3 ايام، وكادت الجهة الامنية التي اختطفته ان تقوم 

بتصفيته الا ان الاوامر ربما صدرت في اخر لحظة بتركه الى ما بعد،ورمي به معصب العينين قرب جبل كليز بمراكش،واللافت أن عملية الاختطاف،التي اقترنت بالتهديد بالتصفية الجسدية، جاءت عقب أيام فقط على مقال رأي كتبه الراحل عن سطوة وجبروث وزير الداخلية آنذاك إدريس البصري، ولم تكد تمضي سوى شهور معدودات، وبالضبط يوم 5 نوفمبر 1992، حتى جاء خبر وفاة عبد السلام الموذن في حادثة سير غامضة بمنطقة بوقنادل، بين سلا والقنيطرة.لم اعلم بالخبر الا في نشرة الزوال بالقناة الثانية، كانت صدمة وفاجعة لكل من تعرف على الشهيد مباشرة او عبر كتاباته،في الغد انتقلت الى بيت والدته لتقديم واجب العزاء والمواساة،والحقيقة انني كنت اقدم العزاء لنفسي،لقد تعرفت على الشهيد عبر مقالاته وهو وراء القضبان

،وبعد اطلاق سراحه تعرفت عليه مباشرة عبر الراحل حسين كوار الذي فتح لي باب الجريدة لانشر بعض المقالات في السياسة الدولية بحكم تخصصي،جلساتنا لم تتعدى عدد اصابع اليد بزمن متفرق،لكن تيار الحس الانساني والنضالي والفكري دب بيننا....

كانت والدته "امي حليمة تبكي بحرقة وتردد"ولدي قتلو لي ادريس البصري"...

في دلك اليوم 6 نونبر شيعت الشهيد الى مثواه الاخير جماهير غفيرة من كل التيارات السياسية وخصوصا اليسارية في موكب جنائزي حزين الى مقبرة الشهداء حيث وري الثرى، رافعين شعارات الادانة على الاغتيال،وللتاريخ فقد تكونت لجنة من المنظمة للتحقيق في ملابسات الاغتيال،ولم نرى او نسمع عن نتائجها،اضافة الى ان ملفه لم يوضع على طاولة ما سمي بهيئة الانصاف والمصالحة من طرف "رفاق الدرب"....!

ورغم المدة القصيرة بين خروجه من السجن واستشهاده لم تتعدى 3 سنوات فقد ترك ثراث فكري غزير وعميق هو ثمرة عصارة لنضاله الفكري وصموده السياسي تمثلا في ثلاث كتب وهي:

مقالات من بعيد 1986

الدولة المغربية 1990.

النظرية الماركسية و الطبقة العاملة 1991.

إضافة للأطروحة النظرية التي قدمها للمؤتمر الثاني لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وعدد كبير من المقالات التحليلية في الفكر والفلسفة والسياسة نشرت كلها بجريدة أنوال الموؤودة.... 

*في ذكرى رحيلك سلام على روحك الطاهر ،

 عن صفحة  Majid Mosadak

  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: في ذكرى استشهاد الرفيق عبد السلام المودن Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top