محمد اليوسفي:. متى تتوقف الدولة المغربية عن استعداء الإعلام الدولي؟!
هل يتنازل النظام المغربي عن الدعوى القضائية التي رفعها ضد جريدة "l'Humanite"؟ وغيرها من الصحف والمواقع الاعلامية ويتصالح مع الصحافة الدولية بعد أزمة بيغاسوس Pegasus؟
الحس السياسي والاستراتيجي السليم يدعو إلى ذلك ،ففي ظل المنعطف الهام الذي وصل إليه ملف القضية الوطنية ورغبة المغرب في البروز كقوة اقليمية هل من الضروري الاستمرار في استعداء الصحافة الأجنبية خصوصا جريدة الحزب الشيوعي الفرنسي الذي يتبنى الأطروحة القديمة حول حق الشعوب في تقرير المصير؟ هل يجب ان تمتد العلاقة المتوترة مع الإعلام لتشمل صحفا خارج المغرب؟!
علاقة الدولة المغربية بالإعلام عموما والاعلام الفرنسي بشكل خاص علاقة معقدة تميزت دائما بمد وجزر لا ينتهي وهي في النهاية مرتبطة بسؤال حرية التعبير و قضية حقوق الإنسان وقد مرت منذ عهد الملك الراحل والى حدود اليوم بازمات استطاع النظام المغربي ان يتجاوزها في الغالب باستعمال لغة المصالح الاقتصادية والثقافية خصوصا مع فرنسا .
غير أن الأمر يختلف اليوم، فإذا كان المغرب قد ارغم في سياق دولي معقد على الانخراط في مسلسل الأمم المتحدة لتسوية نزاع الصحراء لتفويت الفرصة على مناورات خصومه داخل منظمة الوحدة الإفريقية فقد كان قد اختار وضع الملف بين يدي هيئة تخضع في قراراتها لتوازنات دولية وإقليمية متشابكة. ولما بادر المغرب بعد ذلك بتقديم مقترح الحكم الذاتي لإيجاد حل سياسي نهائي للنزاع على اساس الاحتفاظ بمقومات السيادة في "إطار مجتمع ديموقراطي حداثي يرتكز على دولة القانون والحرية الفردية و الجماعية.." صار مطلوبا حشد الدعم والتأييد لمبادرة المغرب في المحافل الإقليمية والدولية و تأكدت اهمية تطوير آليات للتواصل السياسي والإعلامي ترمي إلى الإقناع والتأثير في مناخ دولي أصبح فيه للهيئات والمجموعات السياسية والحقوفية الفاعلة حكومية أو مستقلة دورا محوريا في التأثير وصناعة القرار.
لقد انتهى بضمور الأيديولوجيا ذلك الزمن الذي كان فيه التواصل السياسي والإعلامي مرادفا لنزوع نحو الخداع والتمويه في الوقت الذي يحضى فيه الفعل السياسي بالتقدير والاعتبار إذ اكتسب التواصل السياسي والإعلامي اهمية اكبر لا من حيث الخطاب السياسي المتبادل فحسب بل ايضا من حيث نوعية وسائط الاتصال وقوة تأثير الرأي العام.
ولقد أثبتت الوقائع بشكل يومي ان ديموقراطية الواجهة ومعاداة الاعلام لا يمكن أن تساعد في الطي النهائي لملف القضية الوطنية، فكلما تقدمت الدبلوماسية المغرببة خطوة الى الامام في كسب الدعم و الإعتراف الدولي بمغربية الصحراء تتراجع خطوات الى الخلف تحت تأثير سجل حقوق الإنسان وحرية الصحافة و التعبير. وفي كل مرة يتم فيها الاشارة الى هذه الملفات يكون الرد هو النفي والتحدي والاتهام بالاستهداف.
نحن أمام دولة ترغب في الدفاع عن القضية الوطنية عبر الترويج الإعلامي والعمل الدبلوماسي لكسب الدعم لمقترح الحكم الذاتي وفي نفس الوقت تعامل هيئات إعلامية ذات وزن دولي بمنطق سلطوي مخزني مرفوض حتى داخل المغرب.
بالأمس القريب رأينا كيف ان تدفق آلاف المهاجرين المغاربة على مدينة سبتة المحتلة في واضحة النهار قد شكل مادة دسمة للصحافة والاعلام الدولي ثم ما تلا ذلك من اتهام للمغرب بالتجسس على صحفيين واعلاميين من منابر دولية مرموقة في الوقت الذي تحارب فيه الصحافة المغربية الجادة والاقلام الحرة ويزج بها في السجون رغم مواقفها الوطنية المعروفة.
يحتاج المغرب اليوم الى اعلام قوي وفعال للدفاع عن مصالحه الحيوية على المستوى الإقليمي والدولي، وأول خطوة في هذا الاتجاه تبدأ باطلاق سراح الصحفيين المعتقلين وبوقف المتابعات القضائية داخل وخارج المغرب ثم تطوير الاعلام العمومي الرسمي والمستقل في اطار ديموقراطي يحترم حرية الرأي والتعبير.