انبرى الإنتهازيون والمعارضون لفكر وقيم عبد الرحمان اليوسفي، للدفاع عن فداحة موته الحزين. ولطخوا صفحات الفيسبوك ببكائيات بحثا عن بطولة زائفة واحتساب عدد نقرات الإعجاب والتعليقات.
اليوسفي له ما له وعليه ما عليه.
كان مناضلا كبيرا ولكن ليس وحده.
كان مجاهدا، ولكن ليس وحده،
كان عاشقا وفيا لعقود، لكن ليس وحده.
هو جزء من حركة وطنية ديمقراطية كانت مليئة بالزعماء والمناضلين الناكرين للذات، القنوعين الذين تفرض عليهم الحركة شغل مناصب القيادة دون طمع فيها.
***
خلال ثلاثين سنة مند اهتمامي بالشأن العام عرفت عبد الرحمان مناضلا صلبا مرنا، يكتب مداخلاته وخطاباته بيده، وكنت حريصا على قراءة خطاباته إبان حكومة التناوب، وأعتبرها مرجعا مهما في الثقافة التوافقية الجديدة التي سنها اليوسفي.
اليوسفي كان رجلا قاسيا في بعض قراراته منها توقيف جريدة النشرة . وقولته الشهيرة"أرض الله واسعة" كانت صدمة قوية ضربت مناضلي الإتحاد الإشتراكي في مقتل، وعجلت بانشقاق جماعة الأموي وبوزبع ثم جماعة الساسي وحفيظ وأقصبي...وانشطرت نقابة ك.د.ش..
من أخطر القرارات التي اتخذها اليوسفي هي الإستعاضة عن الكتلة الديمقراطية بالأغلبية الحكومية، مما ساهم في شل الكتلة الديمقراطية الى الأبد .
لقد كان يقول أنه عمل على تليين مفاصل الدولة التي تعاني من التصلب، ولكن ذلك كان على حساب الكتلة الديمقراطية والحركة الوطنية الديمقراطية التي لم تمر الا سنوات قليلة حتى جاء السيد فؤاد عالي الهمة ليشيع جثمانها ويهيكل الحقل السياسي على أنقاضها بدعوى محاربة المد الجارف لحزب العدالة والتنمية. واستعمل أصحاب هيئة الإنصاف والمصالحة لتطبيق المشروع.
ورأينا كيف تحول حزب الإتحاد الإشتراكي لعبة في يد حزب الأصالة والمعاصرة.
نحن لا نقدس أحدا، ولن نبخس العمل النضالي الذي قام به اليوسفي.
فرغم كل ما قدمه اليوسفي من تضحيات على حساب حزبه والكتلة الديمقراطية لم يقابله اعتراف من طرف الدولة التي خذلته في2002 بعد إبعاده من رئاسة الحكومة رغم احتلال الإتحاد للرتبة الأولى في الإنتخابات التشريعية. وكان رد الفعل هو بيان المكتب السياسي الذي اعتبر الأمر خروجا على المنهجية الديمقراطية، لكن لم يخرج الإتحاد الى المعارضة واستمر يحتضر سياسيا وتنظيميا في حكومتي جطو وعباس الفاسي. واكتفى بمحاضرة بروكسيل التي كانت شبه اعتراف بمحدودية تجربة حكومة التناوب في تحقيق الإنتقال الديمقراطي. وظل اليوسفي صامتا الى حدود السنة الماضية عند الإحتفال بذاكرة المهدي بنبركة لكنه لم يقل جديدا، بل ساهمت هذه الندوة ، على أهميتها، في كسر الإتحاد من الداخل، وتعميق جراحه،بعد غياب وتغييب محمد اليازغي والكاتب الأول إدريس لشكر.
المصير المؤلم الذي دخلت فيه الحركة الديمقراطية بعد انهيار تجربة الإنتقال الديمقراطي أدت عمليا الى ضعف الإتحاد الإشتراكي وضعف اليسار الديمقراطي بعد الإحتراب الداخلي، واختلاف التقدير للمشهد السياسي.
اسماعيل طاهري