على ضوء حرب إسرائيل على غزة والضفة ولبنان، كنت أنتظر أن تحدث تغييرات في مواقف النظامين المصري والأردني خصوصا من حرب الإبادة في غزة، لكن الذي فاجأني هو سقوط نظام حزب البعث العربي الإشتراكي في سوريا، ولست الوحيد الذي تملكه هذا الإحساس بالقرف وعدم حسن تقدير الموقف.
ما يجري في غزة يمارس ضغطا رهيبا على حكومتي مصر والأردن ولازال هذا الضغط يتنامى يوما بعد يوم.، بالنظر الى عمق الروابط التاريخية والدموية بين شعوب المنطقة. ونظرا لضعف تبلور هامش ديمقراطي، في الأردن ومصر، فإن ضغط الشارع والقوى الديمقراطية قد يساهم في تململ الموقف الرسمي للبلدين خصوصا اذا أحسا النظامين أن الحريق بدأ يقترب من بيتيهما الداخليين مما قد يهدد وجودهما من أصله.
…
ولفهم ما يجري سنحاول رصد العوامل المحيطة بحرب إسرائيل على غزة ودول المنطقة لعلها تسعفنا على الإحاطة بالمأساة الحقيقية التي تعيشها القضية الفلسطينية اليوم وسنركز على دول الطوق وإيران:
سوريا اليوم في طريق محتوم الى الهاوية وما يرتبط بها من مخططات التقسيم والحرب الأهلية الطائفية. وقد تم تحييدها عمليا من المواجهة مع إسرائيل بعد وصول القاعدة( النصرة/ هيئة الشام ) الى الحكم بدعم تركي واضح ورضى أمريكي وإسرائيلي. وإسرائيل ماضية في تقاسم النفوذ مع تركيا تحت رعاية أمريكية.
...
إيران تم إضعافها وكسر برنامجها النووي. ولكن الحرب الأخيرة ستجعلها أكثر براغماتية في التعةمل مع أحداث المنطقة وستنكمش مستقبلا على نفسها بعد ضعف حلفائها في لبنان وسوريا. ولا يخفى أن حليفها حزب الله تلقى ضربة عسكرية موجعة أهمها اغتيال أمينه العام حسن نصر الله وقيادات كثيرة من الصف الأول، وأصبحت موازين القوة في غير صالحه، لذلك أصبحت أصوات رسمية وحزبية وطائفية من لبنان تتجرأ على المطالبة بنزع سلاحه، وتحويله الى حزب سياسي كباقي الأحزاب.
...
السلطة الفلسطينية فقدت مصداقيتها أمام الشعب الفلسطيني وإسرائيل ماضية في إضعافها في أفق حلها بعد قرار ضم القدس والضفة الغربية وغور الأردن. ويبدو أنها لن تستفيد من هزيمة حماس أمام جيوش إسرائيل وأمريكا والغرب.
...
دول الخليج غير قادرة على الخروج من دائرة التحليل الأمريكي للأوضاع في الشرق الأوسط. و رغم تعاطف شعوبها مع القضية الفلسطينية، فإن غياب الديمقراطية سيجعل مواقفها لا تتغير ويستبعد أن تحدث تغييرات إصلاحية أو جذرية في حكوماتها في الأمد المنظور وهي دول ميؤوس في إمكانية تحولها الى دول ديمقراطية ولو سياسيا. لذلك فهي لن تستطيع حتى تجاوز سقف انسحابها من مشروع صفقة القرن: التطبيع.
....
الجامعة العربية لم تعد قادرة على استيعاب وفهم ما يحدث والفرقة بين حكام النظام الإقليمي العربي جعلت منها كيانا ميتا اكلينيكيا، فمهما ما يحدث فهي غير قادرة حتى على عقد قمة واحدة ناجحة. ولاحظنا ان أول اجتماع قمة لها بعد انطلاق طوفان الأقصى في 7أكتوبر 2023 تم في قمة مشتركة مع قادة منظمة التعاون الإسلامي بالسعودية بهدف تعويم الموقف مما يجري في غزة، بل واتخاذ موقف ضعيفة لا تتجاوز التنديد والإدانة ومناشدة أمريكا والمجتمع الدولي للتدخل لدى إسرائيل لفتح المعابر وإدخال عربات المساعدات الإنسانية الى غزة في أفق وقف إطلاق الذي قد يأتي ولا يأتي.
....
اليمن منقسم على نفسه ويعيش في حالة حرب أهلية. والدولة منهارة به. وما تقوم به جماعة الحوثي عمل شجاع في إسناد غزة بالصواريخ والمسيرات ومنع الملاحة البحرية من والى إسرائيل في البحر الأحمر، ولكن هذا لا يخفي عدم شرعية سيطرة جماعة الحوثي على مفاصل الدولة. وهي تخدم أجندتها الداخلية بامتياز لاحكام السيطرة على صنعاء ومخلفات الجيش اليمني الذي ورثته بعد إخراج الرئيس عبد ربه منصور هادي من العاصمة صنعاء والهروب الى السعودية لقيادة حكومة مقاومة مدعومة من السعودية.
ويبدو ان جماعة الحوثي ضربت فعلا عصفورين بحجر واحد. بحيث كسبت تعاطفا شعبيا كبيرا دخليا وخارجيا في العالمين العربي والإسلامي. وفي نفس الوقت استطاعت إحكام السيطرة على مقدرات الدولة اليمنية ولا تقدم أية مبادرات جادة لإعادة الشرعية الى البلاد عبر حوار وطني جاد والدعوة الى كتابة دستور ديمقراطي جديد وتنظيم انتخابات نزيهة. لسبب هو أنها أضحت سلطة أمر واقع لا يرتفع.
...
خلاصة ما أفكر فيه هو أن هذه العوامل الموضوعية للأسف تعاكس الإختيار الثوري الذي سنته حماس من خلال طوفان الأقصى. ومع ذلك فأنا لا يمكن أن أعاكس اختيارات الفلسطينيين في الدفاع عن وجودهم واستقلال بلادهم بالطريقة التي يرتضون سواء بالنضال السياسي أو بالمواجهة المسلحة مع الإحتلال لإن المقاومة حق للشعوب، تكفلها مواثيق وصكوك هيئة الأمم المتحدة، ولا يمكن مصادرتها منها بدواعي مراعاة موازين القوة والوحدة الوطنية وعدم السقوط في الإنقسام والإحتراب الداخلي أواتهامها بتنفيذ أجندة خارجية..
وما تعيبه منظمة التحرير على حماس المتمثل في حمل السلاح ضد الإحتلال اليوم، سبق لكافة فصائلها أن جربته لعقود.
كما أن المقاومة ضد أي استعمار في أي بلد محتل لم تكن موازين القوة لصالحها في البداية ولكن في النهاية تنتصر المقاومة مهما كان حجم التضحيات ومثال الجزائر والفيتنام وغيرها خير دليل على ذلك. فميزان القوة يشبه الكثبان الرملية المتحركة باستمرار تبعا لحركة الرياح..
وأمام الإبادة الجماعية التي تطال سكان غزة وتدمير كل مقومات الحياة بها وتجويع سكانها وقتلهم ميدانيا وهو ما يرقى الى جرائم ضد الإنسانية.وأمام استمرار المقاومة في تحدي جيش الإحتلال في غزة من خلال عمليات فدائية أسطورية..فلا يمكن أن يستمر هذا الوضع الى ما لا نهاية، واليوم هناك بوادر أمل كبير في تعميق عزلة إسرائيل وفضح مشروعها العنصري والإستيطاني. ولا حظنا كيف بدأ الضغط يزداد عليها من طرف الرأي العام الدولي، ومن طرف بعض الدول الغربية كاسبانيا وارلندا وأخيرا الموقف الفرنسي القاضي بالإعتراف بالدولة الفلسطينية شتنبر القادم..كما نسجل ارتفاع أصوات عدد من قادة دول اوربية أخرى كبلجيكا وبريطانيا واستراليا…