سال كثير من المداد حول الخلاف بين ناجي العلي ومحمود درويش بعد ان مال الاخير الى صف او جناح عرفات واصبح عضوا في اللجنة التنفيدية لمنظمة التحرير الفلسطينية في ثمانينيات القرن الماضي،
ويمكن وصف عتاب ناجي او عندما أرجع ناجي محمود درويش الى جادة الصواب اي الطريق سوي كي لا ينزلق او يتيه بين خوارزميات الحلول الاستسلامية التي دشنها الراحل ياسر عرفات تحت ضغط وبدعم الرجعية العربية،وبالفعل فقد تراجع محمود خطوة الى الوراء،وفي اعقاب اتفاقية أسلو،ووقع القطيعة مع جناح عرفات وانسحب كليا من كل المسؤوليات في المنظمة بما في دلك المجلس الوطني واللجنة التنفيدية،حيث إلتقى في الخط مع صديقه المفكر الراحل إدوارد سعيد،في رفض اتفاقية أسلو واعتبارها استسلاما.
وفي مقالٍ نادرٍ لَهُ، نَشَرَهُ في مجلة "اليوم السابع"، نهاية شتنبر 1987، تحت عنوان "كان يرسم .. كنت أكتب"، تحدَّثَ الشاعر الكبير محمود درويش بوضوحٍ وشفافيةٍ عن تلك المكالمة التي جَمَعَتْهُ بأيقونة الكاريكاتير الشهيد ناجي العلي، وهي المكالمة التي وُصِفَتْ بالمثيرة للجدل، ما بين اتهام البعض لدرويش بتهديده للعلي، في حين تحدث آخرون عن أن الأمر لا يعدو كونَهُ عتاباً.
وشدَّدَ درويش: أذكُرُ تلك المكالمة، لأن صناعة الشائعات السامة قد طوّرتها من عتابٍ إلى تهديدٍ، طوَّرتها ونشرتها إلى حدٍّ ألزَمَني الصمت. فلقد ذهب الشاهد الوحيد دون أن يشهدَ أحدٌ أنه قال ذلك. على الرغم من أن إحدى المجلات العربية قد نشرت على لسانه أنني عاتَبْتُهُ، وعلى الرغم من أنه أبلغ رئيس تحرير جريدة القبس الكويتية بأنه ينوي كتابة رسالةٍ مفتوحةٍ إليَّ يشرح فيها عواطِفَهُ الإيجابية. على الرغم من كل ذلك فإن صناعة الشائعات ما زالت تُعيدُ إنتاجَ الفِريَة، التي لا أملك ردّاً إزاءها غير التعبير عن الاشمئزاز مما وصل إليه المستوى الأخلاقي العام من قدرةٍ على إبداع الحضيض تلو الحضيض.بشائعات سامة...
ورفع درويش صوته صارخاً في مقال بعنوان"كان يرسم .. كنت أكتب" بأنه:
"من الطبيعي أن يتكاثر الذباب حول الدم؟ فهل أخذ الذباب وقتاً كافياً ليعتاشَ من دمنا المسفوك في كل ناحية؟.. كفى، كفي..."، مشدِّداً على أن "تعميم إبداع ناجي العلي على جيل اليوم وعلى جيل الغد هو مهمتنا،
وتكريم هذا المبدع المتميز هو واجبنا.ومن كان منا بلا خطأٍ أو خطيئةٍ، فليطبق بصوابه المطلق على عمرنا كله"، مقترِحاً في نهاية مقاله بـ"تشكيل لجنة وطنية لتخليد ذكرى ناجي العلي، الذي أمضى عمرَهُ حاملاً ريشَتَهُ الفذة، حافراً في كل صخرٍ اسم وطنه، الذي يستعصي على النسيان، الاسم المنذور للنصر".
وكان درويش بدأ مقالَهُ بالإقرار: لا أعرف متى تعرَّفْتُ على ناجي العلي، ولا متى أصبَحَتْ رسومُهُ ملازمةً لقهوتي الصباحية الأولى. ولكنني أعرف أنه جعلني أبدأ قراءة الجريدة من صفحتها الأخيرة. كان آخرَ من رأيتُ في بيروت بعد الرحيل الأخير إلى البحر.. كانت بيروتُهُ الأخيرة وردةً تبكي، وكان يسخرُ من نفسه لأن الغزاة في صيدا ظنّوه شيخاً طاعناً في السن بسبب بياض شعره، سألَني إلى أين سأرحل، قلتُ: سأنتظر إلى أن أعرف.. وسألتُهُ إن كان سيبقى، قال إنه سينتظر إلى أن يعرِف،"لدلك يعد ناجي آخر اقلام المقاومة التي رحلت قسريا من بيروت بقرار أمريكي صهيوني وبتواطئ الرجعية العربية.
ويُعتبر الشهيد ناجي العلي(1937- 1987) أهم وأبرز رسّام كاريكاتير فلسطيني، وُلِدَ في قرية الشجرة في الداخل الفلسطيني المحتل العام 1948، وعاش لاجئاً في مخيم عين الحلوة في الجنوب اللبناني.واكبَ العلي صعود الحركة الوطنية الفلسطينية،
وعبَّرَ عنها،وخاض صراعاتها ومعاركها كفنّان وراء قناع "حنظلة".. الشخصية التي ابتكرها بموهبةٍ نادرةٍ، وروحٍ متقدةٍ، وكفاءةٍ مِهَنيةٍ عاليةٍ. وانحاز إلى الفقراء والمقاتلين على طريق الحرية والكرامة والتحرير، لا في فلسطين فحسب، بل في كل مكانٍ آخر أيضاً.
انتقد القيادة الفلسطينية، وسياسة منظمة التحرير بعد الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982،وكان قد اشتغل في الصحافة اللبنانية والكويتية، واغتيلَ في لندن.. وقد حاولت أطرافٌ معارضةٌ لمنظمة التحرير الربط بين نقد ناجي العلي اللاذع للمنظمة وبين عملية الاغتيال، وهو ما عبَّر عنه درويش في المقال بالقول "كان الأعداء يسترقون السمعَ إلى هذا الخلاف.. كانوا يضعون الرصاصةَ في المسدس.. كانوا يصطادون الفرصة".
وتبقى رسومات الشهيد ناجي العلي شاهدة على العصر،وخالدة في الذاكرة الجماعية،
وذاكرة التاريخ الذي لا يرحم احد،وستظل رصاصة الغدر في جبين العرابين والمنفدين والمستفدين من الجريمة النكراء،وسيظل ناجي رمز من رموزنا الخالدة،وأصدق تعبير عن إرادة الشعب الفلسطيني،واحد الشهداء الذين أناروا طريق المقاومة والكفاح المسلح......