03‏/06‏/2023

🔥في ذكرى ميلاده...ناظم حكمت.. مات سجانوه وعاشت أشعاره


بقلم مجيد مصدق

"وُلدتُ في 1902

لم أعد أبدًا إلى مسقط رأسي..

أنا لا أحب الرجوع إلى الوراء..

كتاباتي منشورة في ثلاثين أو أربعين لغة..

لكنها ممنوعة في بلدي تركيا، بلغتي التركية..

السرطان لم يقترب مني بعد..

وليس شرطًا أن يقترب..

لن أكون رئيس وزراء أو شيئًا من هذا القبيل، أبدًا،..

ولا أهتم أصلاً بهذه الأشياء..

لم أدخل حربًا..

ولم أنزل إلى المخابئ في منتصف الليل..

ولم أمش في طريق تحت طائرات منقضّة..

لكنني وقعت في الحب في الستين تقريبًا..

باختصار يا رفاق..

حتى إذا كنتُ اليوم أئنّ في برلين من الحزن

يمكنني أن أقول إنني عشتُ كإنسان..

ومَنْ يدري..

كم سأعيش أكثر..

وماذا سيحدث لي أيضًا!"

بهذه الكلمات، يُعرِّفنا بنفسه الشاعر التركي ناظم حكمت التي تمر اليوم ذكرى ميلاده 121، تعد حياة حكمت رحلة شعرية نضالية طويلة بدأت مبكرًا، فرغم أنه ابن العائلة الأرستقراطية ذات النفوذ حيث كان أبوه قنصلاً في وزارة الخارجية، وجده كان أحد الولاة الأتراك، فإنه عارض الاستغلال والاضطهاد الذي كان يمارسه النظام الإقطاعي في تركيا آنذاك، ودعم بأشعاره الفلاحين المضطهدين، وما لبث أن التحق بالمدرسة البحرية العسكرية، حتى فُصِل منها بسبب نشاطه السياسي قبل تخرجه بثلاثة أشهر.ثم ذهب إلى الأناضول وعمل في التدريس.كان صاحب مواقف فكرية وسياسية، أيد أتاتورك ودعم حركته ضد الإمبراطورية العثمانية، ثم أصبح من أشد معارضيه. فاعتقل عام 1938 وحكم عليه بالسجن 28 عاما لنشاطاته المناهضة للنازية والفرنكفونية،ونظّر للشيوعية فسجن وقضى في السجن 12عاما،ولم يفرج عنه إلا بعد 

إضراب عن الطعام في سجن إسطنبول عام 1950، ففر إلى الاتحاد السوفياتي.


كان السجن عقابا له على أشعاره الإنسانية التي تمجد القيم الجمالية وتدعو إلى الحرية والعدالة الاجتماعية، إذ رأت فيها السلطة الحاكمة محاولة لترويج الأيدولوجية الشيوعية، ودعوة صريحة للثورة على النظام.فأسقطت عنه الحكومة التركية الجنسية، فمنحته بولندا جنسيتها، وظل يتنقل بين صوفيا ووارسو حتى استقر به المقام في موسكو.أكسبت تجربة الاعتقال وحياة المنفى أدب ناظم السهولة والبساطة، فكتب لأطفاله وعشيقاته بينما كان في السجن.

يعتبر من الأسماء اللامعة والعريقة في تاريخ الشعر التركي،فأشعاره شكلت قفزة كبيرة في الموروث الأدبي التركي في مرحلة ما بعد نشأة الجمهورية التركية.





لكن مع احتلال إسطنبول في 13 نوفمبر من نفس العام،من طرف الحلفاء، تركت قصائد الحب لدى ناظم حكمت مكانها للقصائد الوطنية. 

لاحقا توجه إلى موسكو مرتين على فترات قصيرة، ومكث في الأولى لمدة عامين، وشهد فيها ثورة أكتوبر 1917في روسيا، ثم درس الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة العمال الشرقية.وفي المرة الثانية توجه مضطرا بعد الحكم عليه بعقوبة التجديف أي الإساءة إلى الأديان...

عاد حكمت إلى البلاد في عام 1928 بسبب التغيير الذي طرأ على قانون العقوبات، اعتقل مرة اخرى وأُطلق سراحه بعد أن أمضى فترة قصيرة في السجن.فبدأ بنشر مقالاته وقصائده في العديد من الصحف والمجلات، وطبعت كتبه، إذ بات شاعرا مشهورا معروفا شارك بشكل فاعل في الحياة السياسية والفكرية.أيضا أدرجت قصائده في الكتب المدرسية، وعرضت مسرحياته في مسارح الدولة، لكن ذلك لم يشفع له في الهروب من الملاحقات القضائية،الأمر الذي أدى إلى احتجازه عدة مرات وتقديمه للمحاكمة.

إذ أن قوة شعره وكلماته المثيرة للإعجاب كانت تخيف نظام الحكم، ولذلك قضي 17 عاما من حياته في السجون بقضايا وهمية.في عام 1950، أطلق سراحه بقانون العفو العام الذي صدر نتيجة حملات وطنية ودولية، ومع ذلك، سافر ناظم حكمت إلى الخارج مرة أخرى بسبب المؤامرات والتهديدات على حياته.سنوات الهجرة جعلته يبدأ في كتابة قصائد شوق لوطنه وشعبه وأحبائه حتى وفاته، وخلال هذه الفترة، لعب دورا نشطا في حركة السلام كفنان، وفاز بجائزة السلام الدولية، ثم انتخب لرئاسة مجلس السلام العالمي.

وقد ترأس ناظم حكمت لجنة التحكيم التي منحت جائزة السلام الدولية لعدد من الشخصيات الشهيرة مثل الموسيقار السوفيتي دميتري شوستوكوفيتش، الممثل الكوميدي الإنجليزي تشارلي شابلن، السياسي الفرنسي إدوارد هيريوت.

يعد أعظم شعراء تركيا وأحد أهم شعراء العالم في القرن العشرين ورائد الشعر الحر في الأدب التركي.

حياة ناظم حكمت اختزلتها ثلاثة مسارات. الأول حياته الشخصية الصاخبة حيث كان للمرأة دور مركزي فيها سواء كأم أو كزوجة، أو كعشيقة،والثاني حياته السياسية، كأن ناظم ولد ليكون مناضلاً من أجل العدالة في بلاده وفي العالم،فأفنى نصف عمره الواعي، رغم أوجاع قلبه، في سجون تركيا. والثالث حياته الإبداعية التي جعلته الرائد بلا منازع للشعر التركي الحديث بمجموعته «835 سطراً» عام 1929. كان شعره حياة بكاملها ومرآة لتاريخ تركيا الحديثة.

تكريما لذكراه وثروته الأدبية، جرى إطلاق مؤسسة ناظم حكمت للثقافة والفنون في 22 ماي1991 على يد أخته التي توفيت لاحقا "سامية يالتريم"، لتصبح المؤسسة راعية لكل أعمال الشاعر لاحقا وحتى يومنا هذا.كما أطلقت المؤسسة العديد من الأنشطة الثقافية والأدبية التي تخلد ذكرى الشاعر، ومن ضمنها مسابقة ناظم حكمت الشعرية الدولية عام 1995.

في 31 أكتوبر عام 2003، فاز أحد أشهر شعراء العرب وشاعر فلسطين الراحل محمود درويش بالجائزة عن قصيدته "ماذا بعد الموت؟".

ترك بصمته الواضحة في الأدب بقصائده وكلمات الحب والغزل والثورة.يعد أحد الثوار المدافعين عن مذهب الرومانسية، وقد ترجمت قصائده الشعرية إلى أكثر من 50 لغة،من أشهر قصائده:

835 سطر، (835 Satır)،المدينة التي فقدت صوتها،برقية في الليل،أنت مثل الجميع ،الحياة شيء جميل ،أريد أن أموت قبلك ،التفكير فيك ،الميناء الأزرق ،لأجل بيرايا "زوجته" ،شجرة الجوز ،إلى كتاب آسيا وأفريقيا،رسالة "لا تحيا على الأرض"، "لعلها آخر رسالة إلى ولدي محمد"، وله من الدواوين رسائل إلى ترانتا – بابو، وملحمة الشيخ بدر الدين، ومناظر طبيعية وإنسانية من بلدي ، وملحمة حرب الاستقلال .

وكتب مسرحيات:الجمجمة، بيت ميت، الرجل المنسي،وفرهاد وشيرين.

 كما ألف رواية "إنه لشيء عظيم أن تكون على قيد الحياة، يا أخي".

حصل على جائزة الاتحاد السوفياتي الدولية للسلام بالتشارك مع بابلو نارودا عام 1950.

كما أثرى منتديات الأدب وصالونات الشعر بمشاركاته الكثيرة في تجواله بين مدن العالم حيث زار عدداً من الدول كبلغاريا وبولندا والصين وكوبا وتشيكوسلوفاكيا وأقام في دول أوروبية منها فرنسا وإيطاليا مشاركاً في عشرات المؤتمرات والفعاليات الأدبية.

تحت عنوان "ثلاث سنوات ونصف مع ناظم حكمت" (ترجمة أحمد زكريا وملاك أوزدمير) هو الأبرز بين عدة كتب،الذي يقدّم صورة أقرب إلى الشاعر الإنسان من صورة الشاعر "الأسطوري" التي اعتاد الكتّاب على رسمها للشاعر، وخاصة الكتّاب والشعراء الذين لم يعرفوه عن قرب، كما هو حال غالبية من تناول سيرته أو ترجم أشعاره إلى العربية، فقدّم للقراء العرب صورة متخيلة لا تمتُّ بصلة إلى الواقعية أو "الواقعية الفعالة" التي كان الشاعر يؤمن بها، وظلّت خيطه الهادي في السجون التي أرهقته والمنفى الذي اضطر إليه بعيداً عن وطنه على حد سواء.

صاحب هذا الكتاب المترجم عن التركية هو رفيقه الروائي والمسرحي والسينمائي التركي أورهان كمال (1914- 1970)، ومادته هي ذكرياته عن تلك الأيام التي قضاها محكوماً عليه لمدة خمس سنوات في "سجن بورصة" ما بين سَنَتيْ 1938 و1943، بسبب آرائه السياسية، وبتهم إضافية مثل قراءة أعمال الروائي السوفياتي مكسيم غوركي، وأشعار ناظم حكمت، وتحريضه على الثورة. 

ترسم اليوميات ملامح سجناء آخرين إلى جانب الشاعر التركي،ويصف في هذه الذكريات لقاءه بالشاعر حين جاؤوا به إلى هذا السجن، وكيف أن هذا اللقاء كان بالنسبة له "أشبه بإضاءة نور ذهبيّ في داخله"، إلى درجة أنه دُهش حين أخبر أحد معارفه في السجن بحضور ناظم فلم يأبه هذا بالأمر، لأنه لم يكن يتصوّر أن حضور شاعر على هذا القدر من الشهرة يمكن ألا يبهج أحداً.ويبدو أن أورهان كمال المندهش، والذي سيتحوّل إلى تلميذ يتعلم الفرنسية على يد الشاعر، ويتعلم مفاهيم جديدة عن الشعر والكتابة بشكل عام، كان يمتلك صورة مغرقة في الخيال عن الشاعر قبل أن يلتقي به. ولكن المعايشة عن قرب جعلته يقول، وهو ينظر إلى أغراضه التي تركها أمام المدخل الخرساني لإدارة السجن: إلى فرشة ملفوفة بالخيش، وحقيبتين من الجلد المدبوغ القديم، ونعلين "إنه إنسان مثلنا، يفكّر في أشياء أخرى غير الشعر، أشياء زائلة، ومن الممكن أن يمتلك فرشة وحقيبة ونعلا..."

قصائده التي قال عنها "كتاباتي المنشورة بثلاثين أو أربعين لغة، والتي كانت ممنوعة من النشر في تركيا بالتركية"، نشرت بعد وفاته في بلده تركيا.

يعرف باسم العملاق ذي العيون الزرقاء، وهو من بين أكثر الكتاب غزارة في الأدب التركي من خلال اقتباساته وقصائده المحببة.ورغم مرور سنوات طويلة على وفاته،لاتزال مكانة ناظم حكمت حاضرة في قلوب الشعب التركي،ومثالا لكل الشعراء ومحبي الثقافة والأدب.

كان سبب نهاية رحلة العبور فوق هده الأرض،الأمراض التي أصيب بها خلال سنوات سجنه لم تتركه وشأنه، ليتوقف قلبه الموجوع وليغادر الحياة قرب منزله في موسكو بعد رحلات اللجوء السياسي صباح 3 يونيو 1963عندما خرج من بيته لإحضار الصحف من صندوق البريد فسقط مفارقاً الحياة، ودفن في مقبرة المدينة وبني صرح حجري على قبره.

وبعد نحو نصف قرن من وفاته، قررت الحكومة التركية في عام 2002، إعادة الجنسية التركية إلى الشاعر ناظم حكمت، الذي يعتبر من ضمن قائمة أفضل 10 شعراء في العالم في القرن العشرين.

  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: 🔥في ذكرى ميلاده...ناظم حكمت.. مات سجانوه وعاشت أشعاره Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top