09‏/04‏/2022

محمد الصدوقي:. هل يمكن تقييم أداء المدرسين حسب نتائج المتعلمين؟

حسب بعض المؤشرات الخطابية الرسمية لوزارة التربية والتعليم المغربية المتداولة بكثافة مؤخرا،غالبا سيقرر مستقبلا تقييم أداء المدرسين حسب نتائج المتعلمين؛ وكأن هذا القرار هو تنفيذ حرفي لتوصية صندوق النقد الدولي الواردة في تقريره المعنون : "المغرب في أفق 2040..الإستثمار في الرأسمال اللامادي لتسريع الإقلاع الإقتصادي"الصادر سنة 2017.حيث يقول في إحدى فقراته التي تتحدث عن إصلاح الوظيفة العمومية :

"‘إن ملاءمة وضع الوظيفة العمومية مسألة حساسة بطبيعتها،لكن يمكن للمغرب في مرحلة أولى توحيد الإجراءات الإصلاحية الجارية عبر إدخال مفاهيم الأداء والنتائج في تدبير الموارد البشرية..."

لكن يجب ان نطرح بعض التساؤلات المعرفية والمنهجية
، بغض النظر عن الطبيعة البرغماتية المالية للصندوق في علاقته بالدول الدائنة له وعقيدته الرأسمالية المقاولاتية،هل هذا الإجراء التقييمي يلائم منظومة التعليم كمنظومة إنسانية ومعرفية وقيمية؟وما مدى حدوده العلمية الموضوعية والمنهجية في علاقته بواقع المدرسة والمجتمع المغربيين؟هل تمت او سيتم إجراء دراسات علمية للتقييم الأولي لإمكانيات وكيفيات وإشكاليات التطبيق؟ وما هو الهدف الحقيقي من تقييم أداء المدرسين حسب نتائج المتعلمين؟

كجواب أولي عن هذه الأسئلة يمكن ان نستأنس بدراسة (مقارنة)تحت عنوان " هل يمكن تقييم أداء المدرسين حسب نتائج المتعلمين؟"

كان قد قام بها المعهد الدولي للتخطيط التربوي،وهو معهد تابع لمنظمة اليونسكو، الذي تنحصر مهمته في تطوير السياسات التعليمية وتخطيط وإدارة التعليم.

يقول المعهد في دراسته للجواب على هذا التساؤل الأساسي:" هناك إجماع على حقيقة أن تقييم المعلمين هو رافعة أساسية لتحسين جودة التدريس فيما يتعلق بالتعليم المستمر. من ناحية أخرى ، يتم مناقشة مسألة الأساليب والأدوات المستخدمة في هذا التقييم. هناك العديد من الأساليب الممكنة: ملاحظات الدرس ، والمقابلات مع المعلم ، واستطلاعات الرأي للآباء والطلاب ، وما إلى ذلك. لا يتم استخدام نتائج الطلاب بشكل شائع كمصادر للأدلة لتقييم المعلم ، ولكن تتم مناقشة هذا الاحتمال حاليًا. في الواقع ، في منطق التقييم بالنتائج ، قد يبدو الاعتماد على أداء التلاميذ أمرًا جذابًا لصانعي القرار. على مدى العقدين الماضيين ، تم تطوير عدد كبير من المبادرات في جميع أنحاء العالم (كما هو الحال في تشيلي واليابان والمملكة المتحدة وبعض الولايات في الولايات المتحدة) بهدف ربط أجور المعلمين بالنتائج التي تم الحصول عليها عن طريق الطلاب. ومع ذلك ، تنقسم الآراء حول هذا النوع من تقنيات التقييم. "
حيث إن هناك دراسة أمريكية (2010) حول ربط أجور المعلمين بنتائج الطلاب أظهرت ان "هذا النوع من التقييم كان له تأثير ضعيف على نتائج الطلاب". في المقابل اظهرت دراسة أخرى(إسرائيل 2010) حول برنامج مكا


فأة المعلمين "ان الطلاب الذين تابع أساتذتهم البرنامج كان أداؤهم أفضل من أولائك الذين لم يتبعوا البرنامج" وقد تم الحصول على نتائج مماثلة في الهند.كما يلاحظ هناك تضارب في هذه النتائج،حيث فسرها المعهد كونها راجعة إلى"صعوبة قياس أداء المعلم من خلال نتائج تلاميذته.في الواقع من الصعب عزله عن العديد من العوامل الخارجية التي تؤثر على نتائج الطلاب.ويمكن ان يتأثر اداء الطالب في مادة واحدة بالمدرس في مادة اخرى،ويمكن ان يؤثر المعلمون السابقون،وأخيرا وليس اخبرا،تتأثر نتائج الطالب بخصائصه وبيئته،الاجتماعية وعائلته؛تلعب عوامل مثل الفقر او نقص الدعم الأسري دورا هاما، بالإضافة إلى الصعوبات المتعلقة بصحة هذا المقياس.".
كما رأت دراسة المعهد ان هذا النوع من التقييم له عدة آثار سلبية على سلوك المعلمين،حيث "يمكن ان يؤدي إلى تثبيط روح الموظفين عندما يشعرون انهم لا يعاملون بشكل عادل"؛كما قد تثنيهم عن الاهتمام والعمل مع المتعلمين المتعثرين،حيث لاحظ "زيادة عدد المتعلمين الذين يتركون المدارس او يتجنبونها الموجودة في المناطق المحرومة؛ كما ان"لهذا النوع من التقييم أيضا تأثيرا سلبيا على سلوك المعلمين خارج حجرة الدراسة، ويشجع المواقف الفردية ويدخل المنافسة بين الزملاء،ويؤثر سلبا على معنويات المعلمين ويقلل من العمل الجماعي"؛وهي الأسباب التي أدت إلى التخلي عن هذا النظام التقييمي في بعض الدول(منغوليا).
وفي الأخير خلصت دراسة المعهد إلى أن هذا النوع من التقييم للمعلمين يشجع على "التركيز على الموضوعات المرتبطة مباشرة بالاختبارات المستخدمة في التقييم،والتركيز على التعلم قصير المدى، وبالتالي فإن التحسن في نتائج التلاميذ يتم تفسيره أحيانا من خلال الإعداد المكثف للاختبارات والتعليم الذي يقتصر على مواضيع الاختبارات، في حين ان أهداف التدريس أوسع واحيانا لا يمكن قياسها،مثل تعلم العلاقات الاجتماعية او السلوك او الأخلاق. ويمكن ان تشجع هذه التقييمات المعلمين على الغش".(لاطلاع بتفصيل على الدراسة: http://www.iiep.unesco.org).

كملاحظة اولية على نتائج دراسة المعهد الدولي للتخطيط التربوي،انه هناك صعوبات وسلبيات كثيرة في تطبيق تقييم أداء المدرسين حسب نتائج المتعلمين، ورغم ذلك ،وبدون القيام بأي دراسة علمية موضوعية أولية حول إمكانية تطبيق هذا النوع من التقييم على أداء المدرسين المغاربة،للوقوف على إمكانيات التطبيق البيداغوجي العلمي والعادل،فإننا نلاحظ فقط الدعوة الرسمية لاعتماد هذا النوع من التقييم بشكل عام وفضفاض وماقبل-علمي وخاصة في أهم وثيقتين رسميتين المؤطرة لمنظومة التربية والتعليم والتكوين؛حيث نجد في القانون الإطار،في الباب المخصص للموارد البشرية،المادة 37 :"تحدد مهام وكفايات الاطر التربوية والإدارية والتقنية المنتمية لمختلف الفئات المهنية العاملة في مجالات التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي في دلائل مرجعية للوظائف والكفاءات،تعتمد لإسناد المسؤوليات التربوية والعلمية والإدارية،وتقييم الأداء والترقي المهني..."وفي هذه المادة تم تحديد فقط بعض المبادئ التي يجب مراعاتها في هذه الدلائل كالمرونة والقابلية للتكيف وخصوصية كل مهنة،والأخذ بعين الاعتبار حاجيات المنظومة.
اما في تقرير النموذج التنموي الجديد(الذي أتى بوصفاته الخاصة والتي غالبا رئيس لجنتها الذي هو وزير قطاع التربية حاليا،يذكرها ويستحضرها أكثر من القانون الإطار)،نجد في الاختيار الاستراتيجي الأول المخصص ل"تعليم ذو جودة"،الذي اعتمد فيه أربع رافعات منها رافعة"الاستثمار في تكوين وتحفيز المدرسين قصد جعلهم الضامنين لنجاح التعلمات"،حيث يدعو إلى"تصور مسار مهني جديد للمدرس يهدف إلى تقوية جاذبية هذه المهنة لدى الطلبة المتفوقين، مع حث المدرسين الممارسين على تحسين أدائهم عن طريق توفير المزيد من إمكانيات الترقي والتطور في الاجرة المشروطة حصريا بالنتائج.ويتعين كشرط اولي لهذا الإجراء،وضع نظام جديد لتقييم المدرسين،ياخذ بعين الاعتبار أثرهم الملحوظ على تعلم التلاميذ وتطورهم المهني..."(القانون الإطار يدعو إلى اعتماد دلائل مرجعية للوظائف والكفاءات والتي تتضمن تقييم الأداء والترقي).

نلاحظ ان وثيقة النموذج التنموي الجديد،كانت اكثر وضوحا في تنزيل توصيات صندوق النقد الدولي في مجال الوظيفة العمومية(كما اشرنا على ذلك سابقا) ومنها التعليم،والكل يعرف ان كل توجيهات ووصفات وتعليمات الصندوق هي فقط من اجل ضمان أموال دينه على الدول الأكثر دائنية(ومنها المغرب)،عبر التقليص من النفقات العمومية،وخاصة في مجال الوظيفة والخدمات العمومية؛مما يجعلنا ننهي بطرح بعض الأسئلة المشروعة:هل تقييم أداء المدرسين حسب نتائج المتعلمين يستهدف فعلا الرفع من جودة ومردودية التعلمات والتعليم عامة ام فقط استهداف التقليص من نفقات الترقية(خاصة عبر حذف وإلغاء الترقي بالاختيار(الاقدمية) وبالامتحان والشواهد؟وربما قد تربط الأجرة ككل بأداء المدرسين حسب نتائج المتعلمين؟خاصة هل يجد المدرسون أنفسهم في منظومة تعليمية وتكوينية جيدة؟ سياسات تعليمية جيدة؟مؤسسات تدبيرية جيدة؟مناهج وبرامج جيدة؟منظومة تفتيش وتكوين جيدة؟بنيات وتجهيزات وخدمات تربوية حديثة جيدة؟شروط وظروف عمل تربوية واجتماعية جيدة؟ شروط اجتماعية وثقافية واقتصادية وأسرية وذاتية جيدة لمتعلمي المدرسة العمومية(مدرسة الفقراء بامتياز)...في إحدى لحظات الموضوعية الناذرةمن طرف مسؤول تربوي رسمي(مدير الموارد البشرية في الوزارة) صرح في لقاء صحفي بما معناه:"لا يمكن ان نحاسب المدرس ما لم يكن في وضعية مهنية واجتماعية جيدة وفي منظومة تعليمة جيدة".
الدراسة العلمية المقارنة التي قام بها المعهد الدولي للتخطيط التربوي والسياسات التعليمة التابع لليونسكو أقر بصعوبات وسلبيات تطبيق تقييم اداء المدرسين حسب نتائج المتعلمين،واظن ان كان الهدف الحقيقي هو تجويد التعلمات واداء المدرسين لتجويد التعليم وجعله مهنة جذابة مجتمعية،على الوزارة الاحتفاظ بنظام الترقي المعتمد حاليا(الترقي بالأقدمية وبالامتحان وإضافة الترقي بالشواهد العلمية ذات التخصصات التربوية،وإضافة نظام للتحفيزات والعلاوات والمنح كما هو جار في بعض القطاعات الوظيفية العمومية وهي مغربية(أليس هذا تمييزا؟)،وتجويد التكوينات الأساسية والمستمرة وتوفير شروط عمل جيدة وحديثة،وتجويد المنظومة ككل...

محمد الصدوقي



























.

.

.

.

.











.

.


















.




..
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: محمد الصدوقي:. هل يمكن تقييم أداء المدرسين حسب نتائج المتعلمين؟ Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top