22‏/04‏/2022

منطق اللادولة و مشاريع دمقرطة الحياة العامة (تاملات استشرافية للعشرية الثالثة من العهد الجديد )



 من أجل إصلاح عميق لابد من نقاش عميق  ، فلا أحد يدعي أن النظام تغيرت طبيعته ، ولا حتى جوهر سلوكه ،  فهو يتكيف  تفاديا لأن يتحول ،  وكيف له أن يتغير  ، إيجابيا ، خارج العملية الدمقراطية  ، والتي تقودها الجغرافية السياسية بأفق فكري  محين ومستقل عن توابث  القدرية التاريخانية   ، المسماة  تجاوزا  بحتمية  قانون الصراع ، وكأن  الأمر مثل لدى  للبعض  بما يشبه  بالجبرية القضائية التي لا تسأل  السموات عنها سوى لطفا  على طريقة كم من حاجة قضيناها بتركها .

قبل خمس سنوات بسطنا  على الارض  توجسنا  كحقوقيين  في صيغة تساؤل  عن  مصير  " الدولة "  الفكرة  والعقل  ؛ المفترضة  كدولة لحظة ما بعد  الصدمة  ؟  خاصة بعد عقد ونصف من التجريب   ، تجريب  المفهوم  الجديد للسلطة  ، هذا التوجس الذي  أكده  " تحليلا  "  مؤرخ المملكة السابق  السيد   حسن أوريد ، والذي أفاد "  أننا لا نتوفر على دولة  وإنما مجرد إدارات تابعة للمخزن "  .

وبعده  قال  المصطفى بوعزيز " انتقادا "   أننا لم نعد نتوفر على  «  الوطنية » ،  

وفي هذا الصدد  قررنا ( آنذاك ) انتظار أن تتبلور لدى مهندسي العهد الجديد  و" المعارضين "   بعض الأفكار  للتفاعل مع ما  قيل لأنه مثير  للسؤال و الرغبة في الحجاج  قبل السجال ، نتساءل  في ظل  نمط حكم  يسير  شؤونه بشؤوننا  ، هل نتوفر على  حيوية  حقوقية وثقافية  لتساعدنا على تشكيل محصنات  في أفق بناء ممانعة  لدى هذه الأجهزة الإدارية  / السياسية المعقدة  ، كشخصيات اعتبارية  ، لمواجهة تحديات  العولمة  السياسية والثقافية  ، وكذا تداعياتها على  مستوى تطبيق مشروع الشرق الأوسط  العريض ؟ 

وقد راودتني ( حينئذ )  فكرة افتراض أن حسن أوريد على حق  ، ولربما يقصد أننا لا نتوفر على دولة قوية  ، أي إنها  غير ضعيفة تجاه مواطنيها ، بمقارباتها الأمنية والمخيفة  ، لكنها غير قوية بالشكل المتطلب لمواجهة   تدفق  وديان  الإملاءات والقرارات الدولية  . وبنفس الحس  الوطني أستشعر  موقف  المصطفى بوعزيز  ، فلربما هو يروم رد الاعتبار ، من خلال استفهامه الإنكاري  ، للسيادة الوطنية  ، وهو توجس يلتقي فيه  ، المؤرخان  معا ربما ، فالمخزن  لديهم  ، اهتزت  قدراته التدبيرية  الوطنية  ، بل إن قسطا كبيرا من هذه القدرات  يمتح  من معين  القرار الأمني المعولم .  

كما انتابني ( منذ  خمس سنوات )  إحساس عميق  بأن  التاريخ قد يعيد نفسه في شكل  « تظلم  حمائي » أو  « مطلب  مظلومية » ، أم نغامر بإبراز  كل ما تم تخزينه من قوة   للانخراط في المواجهة  المباشرة ، ضمن قواعد لعب  مؤطرة بمناورات تدليسية  ، حيث تهزم  الحيلة  القوة  وفق  مقتضيات وتعاليم قانون  « أمير » ميكيافيلي  .  هو نقاش  ينبغي أن يكون تشاركيا  مع  الجميع  ، بمن فيهم  الفاعلين السياسيين  الذين  لا يؤمنون  بوصايا  « أمير » غرامشي  ، والذين يتصيدون كل الفرص  لإعادة  تحقيق سيناريو   خطايا  الخيانات  التي  يجبها  الغفران  ، فيتحول الضحية جلادا  والوطني خائنا .

هل لحظتنا  ( العمومية ) لحظة تأمل لصدمة ما بعد الدولة  ؟ 

نعيد  ونحين السؤال  ، ونحن على  مشارف  استكمال  عقدين  من  الولاية  المحمدية  ، والتي  أفضى تحليلنا  بصددها  أن العملية  السياسية  التي صاحبتها استنفذت  ، واقترحنا  على حلفائنا   التفكير في  بلورة جيل جديد من الإصلاحات  ! 

و إذ نذكر  أننا  عشنا لحظة صدمة  مع المؤرخ  الذي نفى وجود دولة  مغربية  ، فهي في نظره مجرد جهاز لتسيير وتوجيه إدارات تقوم بوظائف محددة . قد نتفق  ، وتساءلنا :  أليست تلك الإدارة العليا هي الدولة  ، مادام الرئيس  المدير العام  لهذه  الإدارة العليا  ( المسماة  مخزنا منذ السعديين  ) هو  السلطان  ، الذي اجتهدت  الحركة الوطنية  لتكييف  شخصيته مع  مطلب  « عودة الشرعية »  قبل  « نيل الاستقلال »  ،  وبالتالي  فضلوا لقب « ملك » لينسجم ، في آخر التحليل ، مع  الدور التاريخي الذي لعبه الماريشال ليوطي  ، كمهندس مفترض لمؤسس إرهاصات الدولة  الحديثة  ؟ لذلك فالدولة  هي جهاز تدبيري  للشأن العمومي  ، بتملك  القوة العمومية  مفوضة من قبل المجتمع  ، يؤطرها العرف أو القانون  ،  توج  خضوعها  للدستور  الذي  صيغ  ، بعد إلغاء الحماية ، وكان مقتضيات حمالة أوجه ، عند التطبيق والتأويل ، وهما سلطتان مستمدتان من  « الوضعي »  اقترانا مع  « الشرعي / الديني »  ، رغم أنه ، حسب  علماء الاجتماع السياسي  و خبراء  القانون الدستوري ، ليس بدستور  ، ما دام لا يدقق في فصل السلطات  ، فتماهي المسؤوليات  وتماهي السلطات والصلاحيات  ،  كان ولا زال يشكل   قلقا  فكريا  ، ويطرح سؤال المخاطب  من حيث إثارة المسؤليات  . فنحن نقر افتراضا بوجود الدولة ومع ذلك  تتيه  الرقابة  والمحاسبة  وبالتالي المساءلة السياسية  ، فهل يكفي القول بأن « المخزن » هو المسؤول عن كل ماجرى من تخلف وتقهقر وانتهاكات  ، وهو  شيء  يثير  سؤال  اللا دولة  .

إن وجه الغرابة  والمصادفة هو  أن السياقات ، كما تمت الإشارة سابقا ،  تذكي  الشعور  والتوجس  ، بأن مؤشرات  موت الدولة / الأمة  قد وشكت على استنفاذ دورتها  ، فالحقوقين مهووسون  بسؤال  الدور والمهام لمرحلة ما بعد الدولة  .  ،  ، فقد سبق أن  لمحوا في عديد من  الندوات  الحقوقية ،  إلى  أن  بعض الدول ، ومنها المغرب نفسه ،  قد  تصير ضحية  لحلفاء الأمس  ، فهل سيحل الحقوقيون محلها  ، وما هي إمكانية التعاون  لاستكمال تنفيذ التعاقدات والالتزامات الدولتية  ، ذات الصلة بحقوق الإنسان  ؟  أليس  مثال «  داعش » صارخا  في هذا الصدد  ، ويبرز مدى  خطورة حلول اللادولة  والفوضى محل  الدولة  والقانون  . ولهذا يطرح سؤال  الشرعية والمشروعية  ، الذي حان الوقت  لتمثل أهميتهما  ، في مرحلة  يفترض فيها  انتقاء  مسار الشرعية ، حيث جدوى انسجام تحصين المكتسبات  الحقوقية « الوضعية »  مع الحرص على تطبيق القوانين  في تطابق مع  التعليمات والإجراءات التنظيمية . في حين يمكن التريث في استكمال  «  إبداع » حقوق جديدة  ، لا يمكن  لمجتمع  التمثلات التقليدانية  أن يتجاوب معها ، في ظلال  مد محافظ متصاعد  ؟؟

قد  نكون  متخلفين  اذا  لم  نستحضر   " هدنة  " مفترضة هذه  الأيام   ،  ولم  نستغل  رغبة  بعض النخب في  إدخال  تعديلات  على  الدستور   ، من اجل  الإجابة على التوجس  من  فزاعة  " اللادولة "  والفوضى  المرافقة  ، فالخصاص الاجتماعي  لن تفيده   السياسات التنموية  الاحسانية  في شيء  ، بل لا مناص من رد الاعتبار   للطابع  الالزامي  للبعد الاجتماعي  في  الهويات الحزبية  ، باعتبار أن  الاحزاب من يصنع  السياسات العمومية  ، مما يستدعي  ضرورة تأهيل  العمل الحزبي  وكذا  مأسسة الوساطة الدستورية والمدنية  ودمقرطة المشاركة السياسية  ، وتطهير  تدبير   الشأن العام   من  الأبوية  والوصاية  ، بتكريس  المشروعية  وسيادة  القانون   ، بدلا عن  تنازع  الشرعيات  الدينية او التاريخية  أو الديماغوجية  الشعبوية  ، وهي مطالب  ينبغي أن يؤطرها  الحق في  الاختلاف   ، مما يقتضي معه دسترة  حرية  المعتقد   والضمير  .

وفي آخر  التحليل  وجب التأكيد على  أنه علينا أن  نواصل حروبنا العادلة  عموديا   ، ولكن النصر التام  يشترط علينا عدم الاستهانة بالصراع  الأفقي  الذي دونه  لن  نفلح في تحييد  التمثلات الثقافية   المناهضة للتقدم  والحداثة ، صراع  لن  نخوضه  بالوكالة  عن  المظلومين  ولا عن الظالمين  ، بنفس القدر  الذي  لن  نراهن فيه   على  " علاقات  مباشرة  مع  الدولة  " دون  وساطة  وتأطير   ل" الدكاكين " السياسية   على  علتها  ، مادامت  النتيجة  ستكون  افضع  من   توجساتنا   من سياق وتداعيات   " اللادولة " الوخيمة  .

مصطفى المنوزي

  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: منطق اللادولة و مشاريع دمقرطة الحياة العامة (تاملات استشرافية للعشرية الثالثة من العهد الجديد ) Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top