الأربعاء، 27 أبريل 2022

مصطفى المنوزي: أسئلة الأمن القومي امام تحدياتالحرب الروسية الأوكرانية



إرتاينا استعمال "اصطلاح الأمن القومي للمغرب "بدلا من الأمن الوطني السائد في اللغة السياسية والأمنية عندنا لاعتبارين اثنين على الأقل:

الأول يتعلق باستئثار مؤسسة المديرية العامة للأمن الوطني بهذا الإسم" علما أن انشطة هذه المؤسسة الأمنية الوطنية لا تغطي كل مجالات الأمن الخاص ببلادنا  ولا كل مجالها الجغرافي..الأمن العام بالبوادي مثلا هو من اختصاص الدرك الملكي كما أن القضايا العسكرية هي من اختصاص القوات المسلحة الملكية....إلخ

الثاني ويهم طبيعة المهام الأمنية الوطنية التي تتجاوز الشأن الحكومي وبالتالي  الشق   من السياسة العمومية الذي يعود من حيث الاختصاص للحكومة...ولقد سبق لنا  في هذه القاعة ان تناولنا  بالدرس والتحليل مكانة السياسات الأمنية ضمن السياسات العمومية للحكومة مع أصدقائنا هنا في الكلية ومع الإخوة في مختبر الانتقال الديمقراطي المقارن..والذين نتوجه  إليهم بالمناسبة بالشكر الكبير..ويعود هذا التجاوز إلى طبيعة النظام السياسي ببلادنا الذي يجعل من المهام الأمنية شأنا فوق حكومي ..وذلك موضوع آخر...

من الأكيد عند نهاية الحرب الروسية الأوكرانية والحروب تنتهي دائما بعد انقضاء أطوارها ..أن العالم سيكون غير العالم...عالم الأحادية القطبية الذي تكرس بعد انهيار جدار برلين ونهاية الحرب الباردة سيعوضه عالم جديد...معالمه انطلقت قبل الحرب والأشكال التي يتخذها يمكن تبينها من خلال مطالب مختلف الأطراف المتحاربة...مختلف الأطراف لأن الحرب وإن كانت روسية أوكرانية فهي حرب شبه عالمية أطرافها الرئيسيون هم الروس والأمريكان ثم  الصين فأوروبا فباقي مكونات المعسكر "الغربي" ثم باقي دول العالم التي خلقها الله..

  الحرب مستعرة من أجل الريادة على العالم واقتسام هذه الريادة ...ففي حين تصارع الولايات المتحدة الأمريكية  من أجل الانفراد بهذه الريادة تقاوم روسيا المستعيدة لجزء من قوتها ،العسكرية بالخصوص..والصين التي تمكنت على مدى حوالي قرن من توسيع ممكنات القوة الاقتصادية  على الاخص ..ثم الدول الصاعدة الأخرى كالهند ، من أجل تقليص مدى الهيمنة الأمريكية وفرض نظام عالمي جديد يكون على الأقل متعدد الأقطاب الرائدة والمتنافسة/المتصارعة. نظام دولي يسمح للقوى المذكورة باقتسام الريادة وما يتبعها من اقتسام الهيمنة والمصالح..نظام عالمي يترجم ميزان القوى المستجد بين الدول الكبرى...

في كل الأحوال وأيا كانت النتيجة فالكبار سيخرج جميعهم رابحين...يكفي النظر إلى ما جنته أمريكا  وستجنيه من أرباح مباشرة من الحرب في مجال بيع الأسلحة والقمح والغاز والنفط...لأوروبا وحدها ، وتمكنها من استرجاع الحمل الأوروبي إلى حظيرة العم سام بعد أن بدأ يفكر في الاستقلال من خلال الدعوات التي تواترت بين الاوروبيين حول انشاء قوة أوروبية خاصة قادرة على حماية المجال والمصالح الأوروبية..الصين في نظر عدد من الخبراء ستكون الرابح الأكبر بالنظر إلى ما ستمنحه الحرب من نقط لصالحها دون جهد تقريبا..الروس  مستندين إلى قوتهم العسكرية وسلاحهم النووي  وإلى مخزوناته الطاقية والغذائية  علاوة على رغبة كل القوى الصاعدة في نظام عالمي مختلف يكون اكثر تعبير ا عن تطور القوى الطارئ لدى العديد منها ..  لن يقبلوا بأقل من تراجع الناتو من على أبوابهم  ومن القبول بدور اكبر لهم على الصعيد العالمي..

ساعة النظام العالمي ستتغير وسيكون على بلادنا أن تستعد لضبط ساعة المصالح الوطنية ، والمصالح الوطنية عندما تكون ذات طابع خارجي تكون جميعها أمنية ،أجزاء من كل يشكل الأمن القومي للبلد.

مصفوفة الأمن المغربي الحالية يمكن حصر أغلب أركانها في ملف الصحراء والإرهاب والهجرة والجوار الرخو أو المتشنج  والاختيار الإفريقي والوضع المتفجر في الساحل والصحراء وأخيرا ملف العلاقة مع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ...بالإضافة إلى ملف الخصاص الاجتماعي المتراكم والذي من شأن التراخي في مواجهته بالتنمية أن يشكل وقودا لإضطرابات داخلية قد تهدد الاستقرار  وتهدد المكتسبات المتحصلة في مجال الحريات والديمقراطية بدلا من توسيعها...

وواضح أن المغرب من خلال أدائه في العلاقة مع مصالحه خلال السنوات الأخيرة قد أعاد تعريف هذه المصالح بجعل القضية الوطنية قاطرة لباقي أركان  المصفوفة الأمنية.. الكركرات والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وملفات العلاقة مع المانيا واسبانيا ، هي عناوين بارزة لهدا المجهود التعريفي للمصالح من طرف المغرب..مجهود يمكن القول أنه أعاد الاعتبار لمعنى السيادة بما هي ،في صورتها الخارجية: القدرة على الدفاع عن التراب وعن  المصالح  والقدرة على توفير الحاجيات الاستراتيجية للبلاد والخروج من عباءات الهيمنات الخارجية ..ما أمكن...

 


الكوفيد أعطى لبعض المكونات التفصيلية لمصفوفة المصالح الأمنية أهمية أكثر من غيرها..الأمن الصحي الدي تبينت هشاشته والذي احتاج إلى مجهود استثنائي من أجل الحماية من ارتداداته خلال أوج فترة الوباء ،الأمن السيبراني للدولة وللمواطنين تقدم في جدول أعمال الشأن الأمني الوطني واقتضى الإقدام على جملة من الإجراءات القانونية والمؤسستية ...متطلبات اليقظة العسكرية في الصحراء بينت أهمية تجديد القدرات العسكرية وتحيين هذه القدرات حماية للثغور في الصحراء وتحصينا للمكانة الجيوسياسة للمغرب في محيطه الإقليمي والجهوي..

ومن جهة اخرى فعدم تجديد الاتفافية الجزائرية المغربية المتعلقة  بانبوب الغاز المغرب العربي في حلقة من حلقات التراجيديا الجزائرية المغربية ..وضعت الأصبع على ملف الأمن الطاقي للمغرب ...لآثاره المباشرة على كل مكونات باقي أركان مصفوفة المصالح الوطنية..


كيف يمكن ضبط  ساعة الأمن القومي لبلادنا مع متغيرات النظام العالمي الجارية والمنتظرة..

الحرص على عدم الانحياز في الحرب الأوكرانية الروسية  والتأكيد على الثوابت  المبدئية في طريقة تدبير النزاعات الدولية وضرورة احترام سيادة واستقلال الدول ...هو أحد مقدمات هدا الضبط..(شارك المغرب أمس في المؤتمر الدولي "المجموعة التشاورية من أجل الدفاع عن اوكرانيا" الذي نظمته وزارة الدفاع الأمريكية بقاعدة رامشتاين الجوية بألمانيا)....فهل سيحافظ المغرب على هذا النهج وخاصة إذا ما طال أمد الحرب..؟  ماهي التحالفات التي يجب على البلاد الحفاظ عليها أو إنشاءها ..؟  كيف يمكن الحفاظ على مصالح المغرب إفريقيا وإقليميا  أمام التقلبات المنتظرة والجارية ...؟  وكيف يمكن الحفاظ على علاقات  توازن علاقاته الدولية في النظام الدولي الجديد مع الحفاظ على الشركاء /الحلفاء التقليديين ،  خاصة وقد بنت الحرب أن التحالف مع الغرب لا يقي من امكانية التعرض للاعتداء بل وقد لا يحمي من هذا الاعتداء ...؟    ما أثر ذلك على ضمان التزود بالحاجات الإستراتيجية للبلد وفي نفس الوقت ضمان سيادة وطنية أقل خضوعا وتبعية....؟

أي جديد بشأن العقيدة الأمنية و الدفاعية يتوجب استدماجه ؟

كيف يمكن للتطور الصعب للديمقراطية في المغرب أن يتواصل أمام  تراجع خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان على المستوى الدولي والذي سيتقوى جراء الحرب الأوكرانية الروسية..؟ ( نموذج نزعة  التمييز  والوصم تجاه  المهاجرين والفارين من الحرب  ) 

وعلى أية حال ومهما كانت التعديلات (  (Ajustements الواجب إدخالها على  الأمن القومي لبلادنا وعلى أشكال تدبير أركان مصفوفة الأمن القومي... فإن تقوية عناصر وأسس وأسباب الانتماء الجمعي المغربي وتقوية الاعتداد بهذا الانتماء وحمايتة عبر توفير شروط نمائه وازدهاره.. بتقوية لحمة الديمقراطية والحريات للجبهة الداخلي في ظل أهمية  وضرورة  استحضار  معطى  اشتراطي  حيوي و مستجد بالنسبة  لوطننا  وهو  أن للقوة  أشكال أخرى  غير  الاقتدار العسكري وهي الثروة وبقية المزايا الجيوستراتيجية  ،  فرغم أن القوة العسكرية هي  الأكثر  أمنا من الناحية الواقعية  ولكن الأكبر كلفة عندما تنعدم  المقاربة التشاركية  أثناء  التفكير   والتعبئة والتدبير  .

  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات
Item Reviewed: مصطفى المنوزي: أسئلة الأمن القومي امام تحدياتالحرب الروسية الأوكرانية Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top