(1)
عندما أتأمل واقع الحال، وما يعيشه المجتمع المغربي من تردٍ ونكوص وارتكاس على كافّة الصُّعُد، والشللية التي يوجد عليها الفاعل السياسي تجاوزا -لكون السياسة في المغرب لاوجود لها إلا في أذهان المنتفعين منها- والفاعل المدني والفاعل الثقافي، مما يطرح الكثير من الأسئلة جول دورنا كطبقة اجتماعية أولا تنتمي لهذه الجغرافيا الممتدة من الماء إلى الصحراء شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، وطبقة مثقفة تحمل وعيا ما تجاه قضايا المجتمع وإشكالاته، إن الناظر إلى حالنا يتأذّى أسفا وحرقة ومكابدة، ويندب حظ مجتمع يوجد على سرير الانهيار اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا ووجوديا، خصوصا في ظل هذه الحال المؤلمة والغائرة نزيفا ظاهرا أو باطنا، فالأوضاع في كل مناحي الحياة تنذر بمآلات مبهمة ملتبسة ومعقدة في آن وبكوارث حقيقية ستأتي على كل شيء، وتحوّل البلاد والعباد إلى حطب حريق سيلتهم الجميع. مما يدفع الجميع إلى دق ناقوس الخطر من مجهول في انتظارنا كأمة لا تعرف ما الطريق الأنجع للخروج من عنق الزجاجة التي وضعنا فيها ساسة ومؤسسات دولة ، لا تنتمي لانشغالات المجتمع بعيدة كل البعد عن انتظارات أفراده، غارقة في التّيه التدبيري وهو في جوهره تبذيري، فهي خارج التغطية، همّها الأساس تكريس الظلم والاستبداد، والسعي إلى تحويل الشعب المغربي إلى فرن يغلي ويشتعل لتتمدد النيران إلى خارجه وتحرق الوطن.
في ظل هذه الظرفية المزرية والكارثية، والتي كانت بوادرها منذ عقدين من زمن المغاربة في هذه الألفية الثالثة، فالحكومات المتعاقبة لم تعمل في برامجها الحكومية سوى نهج مخطط سياسي جهنمي غايته الأولى والأخيرة تفقير الفقير وإغناء الغني، بل والتراجع على المكتسبات التي ناضل من أجلها المغاربة منذ ستين سنة من الاستقلال، فالوضعية الحقوقية في محنة لم يشهدها تاريخ المغرب، القيم الإنسانية تتعرض لأبشع حرب من لدن طغمة من الانتهازيين والسماسرة والفاسدين، بسبب إعلام موجّه أفضى إلى تخريب قيم المجتمع المغربي من حيث لا يدر هؤلاء المجرمون في حق المغاربة، منظومة تعليمية معطوبة واختلالاتها فاقت الخيال، نكسة تربوية يعترف بها المجتمع برمّته، بسبب مخططات لم تزد الوضع إلا تفاقما وتردّيّا، فضاعت المدرسة وضاع المتعلمون في التحصيل واكتساب المعارف والمهارات، الجميع في موت سريري.
(2)
إن ما تمّ الوقوف عنده يبرز معضلة المجتمع المغربي ويعري حقيقة السياسات المتّبعة الموسومة بالارتجالية والعبثية وانعدام رؤية استراتيجية ما لوضع قطار التنمية والتقدم وبناء المستقبل على السّكّة الحقيقية، يدعو المثقفين المغاربة الكثير والكثير لكي يتحملوا مسؤولية الوطن، ومستقبل المجتمع، لأنهم طليعته وفئته التي يجب عليها الاضطلاع بمهامها الموكولة إليها عبْر التاريخ، فلايعقل أن ينسحب المثقف من معركة القيم والحقوق والسياسة، ويركن إلى الظلّ؛ بعيدا عن نبض الواقع وإبدالاته ومنعطفاته الجديدة التي يمرّ منها الوطن، وهذه أمانة من المفروض على جميع من بقيت في نفسه ذرة كرامة وأنفة ونخوة أن يكون من أول المتصدّين والرافضين لما يقع، من تقتيل روح الانتماء وتشويه لهوية المغاربة، وابتذال لقيم الإنسان في بعدها الكوني، إن صمت المثقف، في هذه اللحظة المفصل، إدانة له وتكريس النظرة الدونية التي عملت الدولة على ترويجها في الأوساط الاجتماعية. بل جريمة في حق المغاربة وأجيالهم ومستقبلهم.
لهذا على المثقفين المغاربة أن يتحرروا من ترددهم وحيرتهم بالانخراط الفعلي في المجتمع، مدافعين عن الحقوق، جاهرين بمواقفهم، والكشف عما يحاك ضد أحلام وأماني كل المغاربة من لدن جهات همها الوحيد والأوحد تحقير المغاربة والنيل من كرامتهم وشرفهم. وفرض سياسة الأمر الواقع. إن الشعوب إرادتها أقوى من مخططات الساسة، ويستحيل على أيّ كان الوقوف أمامها، لأنها إرادة جارفة وكاسحة لن يوقفها أحد. بل إن الشعوب لاتكون حيّة وذات وجود إلا بالمثقفين المنتمين إلى المجتمع.
إن الساسة الحاكمين يتفننون كل يوم في استغباء المواطنين بسنّ سياسة التدليس والافتراء، لكن حبل الكذب قصير، ذلك أن حكومة أخنوش لم تأل جهدا منذ تحملها مسؤولية تسيير المرفق العمومي، وقبلها الحكومات السابقة، في جعل حياة المغاربة جحيما من حيث غلاء المعيشة، فالزيادات الصاروخية المهولة في المواد قاطبة، تبيّن عداوة هذه الحكومة لإرادة المواطنين، وهي عداوة فيها الكثير من الانتقامية والكراهية، وأمام هذا كلّه على المثقفين المغاربة أن يرصوا الصفوف لمواجهة وحش هذه الحكومة عن طريق الفضح والنقد ورفع صوت الحق فوق كلّ اعتبار.
إن وجود المثقف في الصفوف الأمامية كفيل بإعطاء زخم جديد للمغاربة كي يخرجوا للتعبير عن هذا الإجحاف الحكومي والظلم السياسي الممارس عليهم ، مندّدين بهذا القبح الذي غدا مستشريا في جسد كثرت أعطابه حتى تحوّل إلى جثة هامدة.
أيها المثقف احمل قلمك في وجه هذا الشر
اصرخ عاليا أمام هذا الاستبداد والحيف
قل كلمتك واذهب
لا تركن إلى برجك العاجي، فبرجك اليوم داخل المجتمع.
فلا صوت يعلو على صوت الحق والإرادة والحياة الكريمة.
بني ملال 20/02/2022