06‏/11‏/2021

الطراقي: قراءة في كتاب "الدولة المغربية – قضايا نظرية" للرفيق الراحل عبد السلام المودن

المناضل الحسين الطراقي



في إطار أنشطة فرع تولال لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، قمنا بتخليد الذكرى الأولى لاستشهاد الرفيق الراحل عبد السلام المودن لروحه الرحمة والسلام من خلال عرض لرفيقنا الراحل عبد السلام حيمر لروحه الرحمة والسلام وعرض للرفيق طراقي الحسين تناولا فيهما بعض الجوانب من إنتاجات الرفيق الراحل ومؤلفاته ... 

وهذه هي مساهمتي (الحسين طراقي) بمناسبة هذه الذكرى : 




"أيتها الأخوات أيها الإخوة

 أشكر الحضور الكريم وأشكر الرفيق سي عبد السلام حيمر على عرضه القيم ...

 إننا إذ نخلد الذكرى الأولى لاستشهاد رفيقنا الراحل عبد السلام المودن، فقيد منظمة العمل الديمقراطي الشعبي والحركة الوطنية والتقدمية المغربية، فإنما نفعل ذلك لإبراز الخصال النبيلة لرفيقنا الفذ والجريء والشجاع والمفكر والممارس للعمل السياسي من موقع الربط بين النظرية والتطبيق. لقد كان رفيقنا الراحل عبد السلام المودن مثالا للمناضل العاشق لمنظمته والمخلص لقضايا شعبه ووطنه. وكان بمثابة تجسيد لقيم النضال والتضحية ونكران الذات إذ قدم ما يقارب نصف عمره سجنا في سبيل الديمقراطية ووحدة وتقدم الوطن. وسواء داخل السجن أو منذ خروجه منه في شهر ماي 1989 ، لم يتوقف الرفيق عن المثابرة من أجل ترسيخ أسس م ع د ش وإنارة آفاق كفاحها. كما لم يدخر أي جهد في مجال الاجتهاد النظري في القضايا التي تشغل بال الحركة الوطنية المغربية وكذا حركة التحرر العربية بالإضافة إلى المتابعة اليومية للحياة السياسية بالتحليل على صفحات جريدة "أنوال". لقد كان رحمه الله نمودجا للوطنية والقومية والأممية والديمقراطية.

 وقد ترك لنا ثراتا غزيرا يتناول بالدرس أسس تحديث المجتمع المغربي والطبقة العاملة والدولة المغربية، علاوة على إسهاماته العديدة في مجالات فكرية مختلفة ...

 فوفاء منا لتراث رفيقنا الراحل عبد السلام المودن، فإننا سنحاول القيام بتلخيص أهم الأفكار الواردة في كتابه "الدولة المغربية – قضايا نظرية"، وذلك اعتبارا لكون الدولة المغربية كانت تمثل إحدى الانشغالات الأساسية في تفكيره.

 وبصدد دراسة الدولة المغربية، ينطلق رفيقنا الراحل من انتقاد الفكرة التي يعلنها بعض الكتاب القوميين العرب من أن "أزمة العرب هي في عمقها أزمة الدولة القطرية العربية". ويعتبر أن هذا الرأي خاطئ من الناحية المنهجية لأنه يخلط بين مبدأ الدولة وبين شكلها التبعي الحالي. وبالتالي، فإن تجاوز الأزمة العربية يكمن في الانتقال من الشكل التبعي للدولة القطرية إلى شكلها الوطني، وليس في ضرورة الانتقال من الدولة القطرية إلى الدولة القومية، وذلك لأن "الدولة القطرية هي في جوهرها دولة قومية". إن الدولة القطرية لن تصبح معيقة للتطور إلا حينما ستكون في أوج تألقها. وإذاك – فقط – تكون مسألة الانتقال إلى الدولة القومية ضرورة تاريخية.

 إن الدولة المغربية تندرج في إطار الدولة القطرية العربية. ولكي تتاح إمكانية مناقشة جوانبها التاريخية والاقتصادية والسياسية والثقافية، من الضروري التساؤل حول إمكانية بلورة مفهوم علمي دقيق للدولة المغربية الحديثة. وعليه، ومن الناحية المنهجية، لا يمكن تحديد مفهوم الدولة المغربية إلا عبر مستويين اثنين :

 1 – "في علاقتها بغيرها" أي "إلا إذا وضعت نفسها في تعارض تام مع كل أشكال الدول الأخرى". وبهذه الطريقة، تتحقق "الهوية الوطنية أي الكيان – الفرد أو وحدة الكيان مقابل كيانات وطنية أخرى". والهوية هي التي تمثل "الصفة الجوهرية الملازمة لوجود كيان الدولة"، وهي التي تضفي الطابع الوطني على الدولة (مغربية لأنها ليست فرنسية ولا ألمانية ...) ...

 2 – ويتعلق المستوى الثاني بالطابع الطبقي للدولة المغربية باعتبارها كيان متعدد في حقيقته وليس بكيان مفرد إلا في علاقته مع الآخر. إن التعدد هو أساس الهوية الوطنية المغربية، ويتجلى في كل مظاهر حياة الشعب المغربي. هذه المظاهر الحياتية هي التي تمثل مختلف عناصر الهوية الوطنية. إلا أنه لا يبرز من تلك العناصر إلا عنصر واحد على الواجهة الأمامية، وهذا العنصر هو الذي يمثل نقطة الصدام التي تتكثف فيها العناصر الأخرى (الظهير البربري، الكفاح ضد الغزو البرتغالي، الوحدة الترابية للوطن ...)

 ومن الممكن ترتيب عناصر الهوية الوطنية في عنصرين رئيسيين : الدولة السياسية والمجتمع الوطني. ويتمثل أساس المجتمع المدني في البورجوازية المغربية باعتبارها الطبقة الاجتماعية التي تملك السلطة الاقتصادية والسياسية.

 انطلاقا مما سبق، يمكن استنتاج الخلاصة التالية : إن "جوهر الدولة الوطنية المغربية هي العلاقة بين الطابع الوطني والطابع الطبقي لتلك الدولة". غير أن هذا الجوهر ليس ثابتا، إنه متحرك طبقا للصيرورة التاريخية التي من خلالها تتطور الدولة المغربية من شكلها الجنيني إلى شكلها النهائي المتكامل. وهذه الصيرورة هي ما يسميها الرفيق الراحل ب"صيرورة تشكل الدولة الوطنية المغربية" 

 1 – الشكل الجنيني للدولة المغربية الحديثة 

 إن تحكم المغرب ومراقبته للطرق التجارية الكبرى نظرا لموقعه الاستراتيجي بين افريقيا السوداء والشرق العربي وأوروبا عبر الصحراء المغربية، إن هذه العوامل هي التي مكنت من قيام "العصر الإمبراطوري المغربي" منذ القرن التاسع إلى القرن الرابع عشر.

 وابتداء من سنة 1316 ، ستتحول تجارة طرق الذهب إلى الصحراء الشرقية عبر التشاد. الأمر الذي كان حاسما بالنسبة لتطور المجتمع المغربي. إن هذا "الانقلاب التاريخي"، حسب تعبير الرفيق الراحل، قد تولد عنه اضطرار السلطة الحاكمة على الاعتماد على الفائض الاقتصادي للفلاحين وعلى أسلوب منح الاقتطاعات لكبار الموظفين ورؤساء الجيش الذين تعاظم دورهم واستقلالهم على السلطة المركزية. وبهذا الشكل، مثلت نهاية الدولة المرينية، بما شهدته من اقتتال بين رموز السلطة، فترة السعي الحثيث إلى تثبيت "المواقع الطبقية الإقطاعية الجديدة".

 كما يمكن اعتبار الحكم الوطاسي بمثابة "مرحلة انتقالية من عصر الدولة الإمبراطورية المغربية إلى عصر المماليك الإقطاعية المغربية".

 ومن أجل توسيع القاعدة الاجتماعية للنظام الإقطاعي الصاعد، فقد شن الحروب ضد جماهير الفلاحين وأخضع جل المناطق السهلية الخصبة.

 وقد جاء انتشار "ظاهرة الزوايا الشعبوية" في المناطق الطرفية نتيجة ردود أفعال الأوساط الجماهيرية البئيسة ضد الحرب التي خاضها الحكم ضد الفلاحين والرعاة. وسرعان ما تحولت الزوايا إلى "إقطاع محلي" في مواجهة "الإقطاع المركزي" الذي تجسده الدولة المركزية. وأصبح هم الزوايا هو الانتقال إلى مواقع الإقطاع المركزي عبر الاستيلاء على جهاز الدولة. وهذه الخاصية هي التي حكمت المغرب خلال قرون طويلة إذ يقول الرفيق الراحل عبد السلام المودن : "إن تاريخ المغرب منذ الوطاسيين إلى دخول الاستعمار الفرنسي في مطلع هذا القرن لم يكن شيئا آخر سوى ذلك الجدل بين الإقطاع المحلي والإقطاع المركزي" (انطلاق الزاوية الجزولية من سوس ودرعة وإسقاط الوطاسيين وتأسست الدولة السعدية، زاوية تازة أسقطت السعديين وتأسست الدولة العلوية).

 والخلاصة، من خلال هذا السرد التاريخي، كما يقول الرفيق الراحل هي : "أن الدولة الوطنية ظهرت إذن في مرحلة الانتقال من الدولة الإمبراطورية التجارية المجردة إلى الدولة الإقطاعية المغربية المحددة. ولذلك، فإن الطبقة الإقطاعية المغربية هي مؤسسة وصانعة الدولة الوطنية المغربية، وإن الدولة الإقطاعية المغربية هي الشكل الجنيني للدولة الوطنية المغربية"(ص : 23 ).

 لم تكن الدولة الوطنية الإقطاعية قادرة على القضاء على التجزئة الوطنية. ولم يتم الانتقال إلى واقع الوحدة الوطنية على أصعدة التراب الوطني والسلطة المركزية والإدارة العمومية والاقتصاد والتعليم والجيش ... لم يتم ذلك إلا في ظل "الدولة الوطنية البورجوازية" باعتبارها الشكل المتطور للدولة المغربية الحديثة. إن إنجازها الجوهري يكمن في تحقيق الوحدة الوطنية والمجتمع المدني.

 2 – الشكل المتطور للدولة المغربية الحديثة

 ظهرت الرأسمالية في المغرب في شكلها الأول في صيغة الرأسمالية الكولونيالية نتيجة انتقال الرأسمالية الأوروبية من نظام التنافس الحر إلى نظام الرأسمالية الاحتكارية الذي أحدث ظاهرة الرأسمال التمويلي الناجمة عن التمركز المالي – الصناعي. وهذا الرأسمال التمويلي يجب استثماره في البلدان الزراعية الما قبل رأسمالية. وفي هذا الإطار، أخضع المغرب عن طريق الرأسمال التمويلي سنة 1912 . 

 وهكذا دخل المغرب في صيرورة تاريخية جديدة مناقضة لخاصيته الزراعية المتميزة بالركود خلال قرون عديدة، وهي صيرورة تشكل الرأسمالية الكولونيالية التي مرت من مرحلتين : 

 أ – من سنة 1912 إلى سنة 1932 : وخلالها تم بناء البنية التحتية لتلك الرأسمالية. في حين أن الرأسمال كان رأسمالا عموميا بالأساس وهو مجسد في الدولة الكولونيالية (المناجم، الموانئ، الطرق، السجون، الثكنات، البنايات الإدارية والحكومية ...، الاستحواذ على 800000 هكتار وتحويلها إلى ضيعات رأسمالية ...).

 ب – من سنة 1932 إلى سنة 1956 : وخلال هذه المرحلة، تطورت الرأسمالية الكولونيالية على أساس الرأسمال الخاص الذي انتقل هو نفسه من الشكل العقاري – الخدماتي (الزراعة، العقار، التجارة والمال) إلى الشكل الصناعي من خلال بناء صناعة تحويلية في مجالات : المواد الغذائية، المصبرات، الجلود، النسيج، البناء، الكيمياء، الحديد والميكانيكا ...

 إذا كان الرأسمال كولونياليا في بداية المرحلة الاستعمارية، فإن الاقتصاد أصبح وطنيا في نهايتها إذ أصبح العمال يشكلون طبقة عمالية وطنية في تلك الفترة  في حين أن الطبقة البورجوازية الفرنسية لها طابع كولونيالي. وبالتالي، فإن التناقض الجوهري في نهاية المرحلة الاستعمارية يكمن "بين الطابع الوطني للاقتصاد الرأسمالي المغربي وبين الطابع الكولونيالي الأجنبي للملكية الحقوقية لذلك الاقتصاد".

 وإن الرأسمالية التبعية المغربية هي التي تمكنت من حل ذلك التناقض حيث أنها "وضعت الأسس الضرورية لتوحيد طابع الاقتصاد بطابع الملكية السياسي"، وذلك عبر إلغاء الدولة الكولونيالية وإقامة الدولة الوطنية ابتداء من سنة 1956 .

 إن تبعية تلك الرأسمالية ناتجة عن كونها تمثل التواصل والاستمرار بالنسبة للرأسمالية الكولونيالية من خلال قسمة العمل على الصعيد الدولي (التخصص في تصدير المواد الأولية المعدنية والزراعية) والتي هي طبعا غير متكافئة سيتولد عنها تبادل لا متكافئ (الفرق بين تصدير الفوسفاط والتكنولوجيا). لكن الرأسمالية التبعية مع الرأسمالية الكولونيالية لكونها تمثل وحدة العمل المغربي والرأسمال المغربي.

 وقد قامت الدولة الوطنية المغربية بتأميم السياسة (إلغاء الدولة الكولونيالية وتحويل السيادة السياسية للدولة الوطنية) وتأميم الاقتصاد عبر القطاع العام نظرا لغياب طبقة بورجوازية مكتملة النمو. لذلك، "كان الشكل الأول الذي ظهرت به الرأسمالية التبعية المغربية هو رأسمالية الدولة التبعية" (الدولة أول مستثمر، أول مشغل، أول زبون، أول مصدر، 600 مؤسسة في القطاع العمومي سنة 1983 ). 

 وعن طريق تفكيك القطاع العام وتفويت مؤسساته للقطاع الخاص، دخل التطور الاقتصادي – الاجتماعي المغربي منعطفا تاريخيا تمثل في الانتقال من شكل رأسمالية الدولة إلى ظهور الطبقة البورجوازية المغربية القائمة الذات. وهذا الانتقال هو أيضا قفزة سياسية وإيديولوجية متمثلة في الحاجة إلى التعبير السياسي الحزبي المستقل وفي تشكيل منظور إيديولوجي منسجم (الانحياز للعالم الحر، الوحدة مع أوروبا).

 وقد تشكلت البورجوازية من خلال أربعة مراحل : سياسة إحلال الواردات، المغربة منذ سنة 1973 ، الانتقال إلى السوق الخارجية في منتصف السبعينات، تفكيك القطاع العام منذ سنة 1983 .

 ويتبين أن اتجاه تطور الطبقة البورجوازية المغربية قد تم حسمه في اتجاه الاندماج في الرأسمال الاحتكاري العالمي. وهذا ما يعبر عنه تبني برنامج التقويم الهيكلي لصندوق النقد الدولي. 

 وفي مرحلة معينة من تطورها، ستكمن تناقضات البورجوازية المغربية بين الطابع الديمقراطي للمجتمع المغربي (تنامي الطبقات الديمقراطية بما فيها الطبقة العاملة) وبين الطابع الهيمني للبورجوازية السائدة. وهذه التناقضات لن تجد حلها إلا في "الانتقال من دولة الهيمنة للطبقة الواحدة إلى دولة كل طبقات المجتمع". وهذا ما سيؤدي إلى ترسيخ الحياة الديمقراطية بالمغرب.

 وآنذاك، سيبرز التناقض بين "الطابع الاجتماعي للإنتاج والطابع الخاص لملكية وسائل الإنتاج". ولن يحل هذا التناقض من الناحية التاريخية إلا عبر "الانتقال من الملكية الرأسمالية إلى الملكية الاشتراكية لوسائل الإنتاج". 

 3 – الشكل النهائي المتكامل للدولة المغربية الحديثة

 نظرا لتناقضات الطبقة العاملة المغربية، ولأجل تحقيق مهام التحرر الوطني بشكل كامل، فإن الضرورة تفرض الانتقال من الطابع الوطني إلى الطابع القومي للدولة المغربية.

 وشكرا.

الحسين طراقي

مكناس 1993

  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: الطراقي: قراءة في كتاب "الدولة المغربية – قضايا نظرية" للرفيق الراحل عبد السلام المودن Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top