الجمعة، 9 يوليو 2021

اسماعيل طاهري: اليسار الموحد... 20 سنة من الضياع



بعد انشقاق جماعة محمد الساسي ومحمد مجاهد تخلص الحزب الاشتراكي الموحد من ورم ظل ينخر جسمه منذ 20 سنة.
20 سنة من الضياع التنظيمي والفقر الفكري والتصحر الإعلامي. 
لقد بنيت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بدماء مناضليها وتم بناء تنظيم قوي يوازيه فكر سياسي خلاق أساسه التكوين الثقافي والفلسفي. فمعظم أعضاء المنظمة مثقفين عضويين ومفكرين وأدباء ومحللين استراتيجيين من الطراز الرفيع. كما أن الكثير من منتسبيها راكموا تكوينا ميدانيا خارقا في مجال الصحافة، فمعظمهم كانوا يراسلون ويكتبون في صحف المنظمة: الشباب الديمقراطي، 8 مارس، أنوال والأنوار والمنظمة والعمل الديمقراطي.
لقد نذر رفاق المنظمة عقودا من الزمن، في مرحلة السرية وفي فترة الشرعية، لخدمة الشعب والنضال الشعبي وسهروا على تأطير المجتمع من داخل المؤسسات وخارجها.  ومثلوا طاقات خلاقة داخل المجتمع المدني. وظلوا يقبضون على الحلقة المركزية للتغيير وهي توحيد القوى الديمقراطية بهدف تغيير موازين القوى، واعتبار المدخل السياسي مهم في عملية الاصلاح. ورفع شعار "الحوار الديمقراطي" مع تيارات الإسلام السياسي للحيلولة دون انحرافها نحو العنف الذي سمي فيما بعد بالإرهاب. والمساعدة في تجديد الفكر الديني.
ولم تصل سنة 2000 حتى بلغ التنظيم أعلى درجات الهيكلة والدمقرطة الداخلية، وتم سن نظام داخلي لكل مؤسسة من مؤسسات المنظمة، من مكتب الفرع حتى المؤتمر الوطني. بما يعني التعافي من جراح انشقاق 1996 بعد خلاف حول الدستور وما نتج عن تصويت المنظمة ضده من انشقاق ما بات يعرف ب"جماعة أوطيل حسان" التي نتج عنها ميلاد الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي اندمج فيما بعد في حزب الإتحاد الاشتراكي القوات الشعبية.
 واستعادت المنظمة زخمها السياسي والاعلامي وفتحت نقاشات موسعة مع جماعات اليسار الجديد المشكلة أساسا من السجناء السياسيين الذين استفادوا من العفو العام الصادر في 1994.
وفي 2002 سلمت المنظمة على طبق من ذهب لجماعة أحمد  حرزني وكمال الحبيب والمجاهد وعمر الزيدي،  وانطلقت عملية تدمير ثرات المنظمة من الداخل وأول الخطوات هي التنصل من تحالف الكتلة الديمقراطية، والشروع في تدمير إعلام الحزب الجديد وتوقيف جريدته اليسار الديمقراطي مباشرة بعد المؤتمر الأول. وأصبحت الشبيبة الديمقراطية مرتعا لحرب استنزاف داخلية أضعفتها وحولت مسارها نحو المجهول.
 وفي هذا الخضم تم إغلاق العشرات من المقرات، وأصبح مناضلوا المنظمة في حيرة من امرهم . وصار همهم هو حماية الوحدة وإرضاء الحلفاء في المركز وفي الفروع المحلية.
ومن هؤلاء الحلفاء من احتج على عملية تأخير الحل القانوني للمنظمة وظل متلهفا لذلك. وعندما تم الحل بعد شهور من اعلان الإندماج شرعت الآلة الفوضوية في عملية قتل الأب والتنكر لكل ما يتعلق بالمنظمة ورموزها وتراثها. وتم الإعتراض حتى على ترشح محمد بنسعيد أيت إيدر  لعضوية المجلس الوطني، وخلال أول اجتماع للمجلس الوطني نفسه منعه تيار المجاهد من أخذ الكلمة في بداية الإجتماع. وتم التضييق على كوادر المنظمة في مجالس الفروع وحملهم على الإحالة القسرية على المعاش السياسي.
 انسحبت جماعة حرزني في سياق التحضير  لتأسيس هيئة الانصاف والمصالحة والإعدادات السرية للجنة إعداد تقرير الخمسينية.. وكان الطلاق عندما صاح حرزني في جلسات الاستماع بأن اليسار المغربي مسؤول أيضا عن سنوات الرصاص. وكانت الصدمة وكان الطلاق. وما قام به حرزني هو النطفة الفكرية التي خرجت منها حركة لكل الديمقراطيين وحزب الأصالة والمعاصرة فيما بعد. بعد أن التقط النظام الإشارة التي قدمها حرزني.

وفي مؤتمر 2005 دخلت جماعة الساسي الموسومة بجمعية"الوفاء للديمقراطية" في هياكل الاشتراكي الموحد، واشترطت حذف كلمة اليسار من عنوان الحزب. وتم ذلك.
 وظلت الحلقية تنخر الحزب من الداخل ودخل الحزب في اضطراب وفوضى ولم تصل مظاهرات حركة 20 فبراير. والربيع العربي في 2011 حتى صار الحزب ضعيفا بعد هزيمة انتخابية نكراء في انتخابات 2007. بعد انشقاق حركة عمر الزايدي وتحالفها مع فؤاد عالي الهمه في إطار ما سمي بG8 الذي ضد "الوافد الجديد" الأصالة والمعاصرة والحزب العمالي وأحزاب إدارية أخرى.
 وكان الحزب الاشتراكي الموحد ضمن الطبقة السياسية التي عاقبتها الكتلة الناخبة بمقاطعة الانتخابات. مما استدعى تدخل النظام لتأسيس حزب دولة جديد شكل قاعدته الفكرية والأيديولوجية من رموز  منشقة عن الاشتراكي الموحد  خصوصا من تيار أحمد حرزني ومحمد مجاهد( الديمقراطيين المستقلين). كما استند مشروع الأصالة والمعاصرة نفسه على الأعيان ورموز اقتصاد الريع بمختلف الجهات المغربية.
***.  ***
ولذلك، وبسببه، يمكن فهم حجم الإنهاك الذي تعرضت له تجربة الوحدة الإندماجية طيلة نحو عشرين سنة، كلها هزائم انتخابية وضمور في التنظيم وقصور في الإعلام الحزبي. ولولا القوة التنظيمية التي ورثها الحزب عن منظمة العمل لتم تدميره بالكامل.
ويكفي أن نذكر بأن قياديين من التيار المنشق البوم كان طالب في 2011 بحل الحزب لاستنفاذ مهامه وأن القيادة آنذاك لحركة 20 فبراير،  وبالتالي فالكلمة للشارع والحزب صار عائقا أمام الثورة الموعودة.
وما عملية الإنشقاق الجديدة الا تخلص طبيعي للحزب الاشتراكي الموحد من ورم الحلقية القاتل وعقلية اللاتنظيم البئيسة، ونزعة الزعامة المشؤومة. 
***.  ***
 والعصي على الفهم ، هنا والآن، هو لماذا تنتهي تجارب المندمجين داخل اليسار الاشتراكي الموحد بالإنعراج نحو يمين الحزب وبالتالي دخول النادي المخزني من أبوابه الضيقة؟
 والا كيف نفسر هذا التهافت على الإندماج الإنتخابي في ومع المؤتمر والطليعة؟
***.  ***

نقطة نظام:
اليسار المشتت... النهاية التي لا يريدها أحد

يتبلور موقف ميداني تتجه فيه الأمور نحو انشقاق داخل الحزب الاشتراكي الموحد. بعد أن بينت الوقائع أن 80℅ من كوادر منظمة العمل الديمقراطي الشعبي من الصف الأول والثاني والثالث أصبحوا خارج الاشتراكي الموحد، بعد احتلال الحزب من طرف زبانية جديدة تحت رعاية التجربة التنظيمية الحلقية لرفاق محمد الساسي والتجربة التنظيمية الفوضوية الحلقية لرفاق المجاهد المستقلين: القاعديين التقدميين وغير التقدميين.
تأسيس تيار " اليسار الوحدوي" من طرف الساسي ومجاهد لتجاوز هياكل الاشتراكي الموحد والإنقلاب عليها والدخول في اندماج انتخابي بدون شروط مع الطليعة والمؤتمر، ردت عليه الأمينة العامة نبيلة منيب ووراءها المكتب السياسي بسحب إعلان / تصريح الترشح المشترك بين أحزاب الفدرالية للانتخابات المهنية المقبلة.
ويبدو أن عملية فك الارتباط من داخل الاشتراكي الموحد ومن داخل الفدرالية أخذت طريقها الى حيز الوجود بالقوة والفعل.
والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو:
هل فشل مشروع وحدة اليسار الجذري، الجديد. واليسار التقليدي الإتحادي؟
بكامل الأسف..نعم..كل الوقائع تدل على ذلك.
وقد فهمت الطليعة والمؤتمر الرسالة وسارعا آلى وضع تصريح مشترك للدخول برمز واحد ومرشح واحد في كافة الانتخابات تحت إسم جديد هو "فدرالية اليسار" بدل "فدرالية اليسار الديمقراطي". بل وأعلنا الشروع قريبا في تأسيس لجنة تحضيرية للمؤتمر الإندماجي للفدرالية يضم فعاليات مستقلة لفتح الباب أمام تيار "اليسار الوحدوي".
لقد مثل توحيد اليسار سجنا تنظيميا لآلاف الأطر اليسارية، خصوصا من تجربة منظمة العمل.  التي أحيلت على المعاش السياسي. وابتعدت الى الهامش التنظيمي بحسرة ومرارة. وانقطع جزء منها لكتابة مذكراته ونشر أعمال أدبية وروائية أغنت الخزانة المغربية بأعمال قيمة.
فهل ستكون الرجة التي أحدثها تيار "اليسار الوحدوي" فرصة لضخ دماء الحماس في الهيكل التنظيمي للإشتراكي الموحد،  واستعادته للأمجاد المفقودة للتجربة السياسية والتنظيمية والإعلامية والثقافية لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي؟؟
هذا هو السؤال...
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات
Item Reviewed: اسماعيل طاهري: اليسار الموحد... 20 سنة من الضياع Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top