هذه وثيقة تاريخية حقيقية. محاضرة المنجرة سنة 1993 بقصر والبلدية بمكناس.
رحم الله المهدي المنجرة.
سبق لنا كتابة مقال بموقع لكم استحضر أجزاء هذه المحاصرة التي كان لي شرف حضورها رفقة وفد كبير من مناضلي الطلبة الديمقراطيين. كنت أرغب في مناقشته لكن منعني الرفيق الطيب طاهري لأسباب لم أتفهمها حينها.
رغم مرور 28 سنة لازلت أختلف مع المنجرة وإن كنت أقدر أهمية مشروعه، ووجاهة ضرورة اهتمام الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص بعلم المستقبليات، والدراسات الإستراتيجية.
اليوم عثرت على المحاصرة. وتعميما لكل فائدة ننشرها هنا الى جانب مقالي الصادر في 9 'يناير' 2021 بموقع لكم 2 تحت عنوان المنجرة في ذكراه وذاكرتنا.

حضرت محاضرة للمهدي المنجرة في القصر البلدي لمدينة مكناس في سنة 1993, كانت القاعة مليئة عن آخرها، فعلا، وكانت الصفوف الأولى محجوزة للأطر الإدارية وضباط الإستعلامات وكانوا متراصين كالتماثيل ببدلاتهم الرسمية الزرقاء والسوداء وربطات عنق باذخة الأناقة والجمال. لكن المنجرة هاجمهم في سياق حديثه عن نظرية المستقبليات التي يتبناها. فما كان من الصفوف المتراصة الا أن انسحبت بشكل مذل وسط هتافات الجمهور الذي كان أغلبه من الطلبة. ولم يقطع المنجرة محاضرته، بل ازداد حماسه.
كان المنجرة مثل زعيم مبشر بأن المستقبل يجب بناؤه هنا والآن. كان يبشر بصعود الإسلاميين، وذلك ما كان. ولكنه كان يتعاطف معهم أيضا. ويكاد يرفع شعارات الإسلام السياسي. وشكلت محاضراته وكتبه مرجعا أساسيا في استقطاب الطلبة الى العدل والإحسان والإصلاح والتجديد ثم التوحيد. عندما طرح مفهوم حرب الحضارات، لم يكن موقف المهدي المنجرة بعيدا عن خطاب فوكوياما عن نهاية التاريخ والأيديولوجية، ثم لحقه هلنغتون. كان المنجرة يطالب برقمنة الحياة العامة في المغرب واعتماد التكنولوجيا والحاسوب ، وقد يكون من الأوائل الذين استعملوا الأنترنيت. هذه الدعوة تقنية وليس لها علاقة كبيرة بالفكر. كان يسخر من اليسار والوطنيين في الإستقلال. الجانب السياسي فيه هو تطبيق علم المستقبليات الذي بشر به ولم يلق اهتماما من طرف المثقفين والنخب الجامعية. خصوصا وأن نظريته حول المستقبليات تشير الى ما كان يسميه”صعود المد الإسلامي” بعد عقدين. وكان المنجرة يقدم أرقاما وإحصائيات حول صعود المد الإسلامي في دول المغرب الكبير في بداية القرن الواحد والعشرين. وعندما يصل الى هذه الخلاصة التي يقول أنها موضوعية وعلمية. يبدأ في العزف الأيديولوجي على لازمة أن المستقبل للإسلام وأن الناس ستعود الى الهوية وهي غير مستعدة للتخلي عنها. ونفس الشيء سيحدث أو حدث في الغرب كحضارة. وما دام أن الغرب تبنى أطروحة نهاية التاريخ والإيديولوجية فإنه سيدخل في حرب حضارية مع الحضارات التي تنافسه علميا واقتصاديا . واعتبر أن الحرب الحضارية الأولى هي حرب الخليج الأولى سنة 1991 وأصدر كتابا تحت عنوان “الحرب الحضارية الأولى”. في جزئين. وفي عدة طبعات. مثل هذا الكتاب مرجعا أثيرا لدى الحركات الإسلامية بالمغرب.