طالما حذرت الرابطة من البناء فوق جنبات الأودية ومجاري المياه، لأن هذه الأخيرة لا تعرف السياسة ولا الهندسة، فعندما تهطل الأمطار بغزارة. فإنها تتبع مسارها الذي سلكته منذ ملايين السنين إلى أن احتلته مساكن الانسان .
الحصيلة الثقيلة للوفيات في هذه الكارثة جاءت نتيجة الطمع والجشع والفساد المتغلغل والمعشش في كل الإدارات، ونتيجة التهاون والإهمال وعدم التحلي بروح المسؤولية .
وحتى إن تم تبرير وجود هذه البنايات المخالفة لقانون التعمير باعتبارها تركة موروثة عن الفترات السابقة، فكيف يمكن تبرير وجود معمل سري يعمل خارج القانون على الخط الأمامي المقابل لطريق الرباط التي يسلكها جميع المسؤولين من رجال السلطة ومنتخبين وكل مسيري المدينة، كما يمر منها وزير التشغيل شخصيا عندما يزور عروس الشمال؟.
المعمل يوجد في قبو (cave) فيلا تحت مستوى الطريق الذي بدوره يوجد تحت مستوى تدفق منسوب المياه التي تغمر المنطقة كلما هطلت أمطار غزيرة فوق المتوسط. والى أن تكتمل التحقيقات حول السبب الرئيسي لوفاة هذا العدد المخيف للضحايا بسبب تضارب الأقوال والروايات.
+ فإننا نحمل المسؤولية مسبقا لرب المعمل المخالف للضوابط القانونية، وكذلك إلى السلطات المحلية وكل المصالح المختصة التي سكتت عن هذه الفضيحة طيلة هذه المدة.
+ كما نشدد على وجود مسؤولية تقصيرية يمكن ردها إلى مصالح الوقاية المدنية، لأن هذا الكم الكبير من الأمطار لم يكن مفاجئا، وكان متوقعا بسبب وجود نشرة إنذارية صادرة عن الأرصاد الجوية المغربية؛
كما أن تلك المصالح تتوفر على خرائط طبوغرافية للمدينة تشخص النقط السوداء المحتملة. فمهمة الوقاية المدنية هي التدخل في الوقت المناسب لإنقاذ الأرواح وليس لانتشال الجثث بعد فوات الأوان، كما أن الصور الملتقطة للحظات الأولى من مسرح الحدث، تظهر فتيات قد تمكن بطرقهن الخاصة من النجاة بأنفسهن والصعود فوق الأسوار العالية، وهو ما لم يتح لأخريات كن يبكين في الأسفل تحت الأرض وهن يطلبن النجدة من الغرق، ولا مغيث. كما ظهر شباب متطوعون شجعان يحملون الحبال في أيديهم وهم يحاولون إنقاذ ما يمكن انقاذه،لأن صاحب المعمل الغير قانوني اجتهد فقط في اقتناء الآلات التي ستربحه المال، ونصب الأبواب المصفحة والحواجز الجهنمية، ولم يفكر في سلامة وأمن العاملين. ولو فكر لثانية واحدة لوفر أبواب الإغاثة ومضخات أتوماتيكية تعمل عندما يصل منسوب المياه إلى حدود معينة، وكذلك سلالم تساعدهم على الخروج من قفصه المميت.
ولو كان هذا المعمل مرخصا له، لتم احترام معايير السلامة والأمن في هذه المنشأة التي تأوي عشرات الأرواح. وحتى مع عدم توفرها على الرخصة القانونية. فكيف تخلى عموم المسؤولين عن مراقبة هذه الأماكن المجهولة؟. إن خطورة الحادثة، تفرض التعامل بحزم مع جهاز الوقاية المدنية ومع كل من ثبت تقصيره. إذ يبدو من خلال التصريحات التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، أن هذا الجهاز لم يكن في كامل جهوزيته. ففضلا عن وصوله متأخرا إلى موقع الحادث. يحكي شهود عيان أن أفراده كانوا يتحركون على مهل من أمرهم، وكان الأمر لا يشكل حالة طوارئ قصوى. كما قاموا بتجربة مضختين للمياه تبين أنها خارج الخدمة، ليتم البحث عن ثالثة. وهذا خطأ قاتل لا يجب أن يحدث في مثل هذه الحالات حينما تكون هناك ثواني تفرق بين الموت أو الحياة بالنسبة لأشخاص لا ذنب لهم إلا البحث عن لقمة العيش في مكان لم يحترم حقهم في الحياة. إن وجود نشرة إنذارية كان يفرض التحلي باليقظة واتخاذ الاحتياطات الوقائية اللازمة، ثم توزيع عناصر الوقاية المدنية على مختلف مناطق المدينة التي يمكن أن تتعرض للفيضانات كما كان يحدث سابقا. ولو وجدت هاته فوق مدارة البرانص، لتم التدخل في الوقت المناسب، ولتم كسر الباب بسهولة ولأفرغت المياه ولوفرت السلالم لإنقاذ الأرواح، وذلك أضعف الإيمان.
إن هذا الحادث الأليم يجب أن يشكل نقطة نهاية لهذا النوع من الاستهتار بالحياة الإنسانية، ولذلك يجب الضرب بيد من حديد على يد المسببين فيه مهما علا شأنهم وقويت شوكتهم، مع وضع حد نهائي للوحدات الصناعية التي تشتغل خارج الضوابط والضمانات القانونية، فهذا المعمل -الكارثة – ظل يتحرك ويمارس نشاطه بحرية على مستوى طابقين بنحو 130 من اليد العاملة تحت أنظار الجميع دون أن يحرك أحد ساكنا. علما أنه لا يوجد في منطقة نائية أو في درب مغمور. ولذلك فإن تسميته بالسري هي نوع من الضحك على الأذقان. إن مثل هذه الفيضانات العارمة لا تستثني أحدا. فاليوم جاء الدور على هذا المعمل، ويوما ما سيأتي الدور على مكان مجاور أو ربما على المدرسة المبنية على نفس الوادي. الحل هو احترام القوانين، ووضع تصاميم تهيئة تعطي الحق للإنسان دون نسيان حق المياه في طريقها ومجاريها وبحيراتها .
المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين
08-02-2021
0 التعليقات
