قراءة مقتضبة في فكــــر(الجانح / المجرم، بلغتنا العامية: لمحابسي).
أوليــــــــــــــــــــات :
قراءة تستثني مبدئيا المعتقل السياسي ومعتقل الرأي ومعتقلي الحق العام الذين كُتب عليهم المكتوب وتورطوا في جنح معينة : مالية، أخلاقية، حوادث أو غيرها من الجنح؛ قراءة تخص فئة الجانحين وخاصة فئة الشباب والذين لم يعلنوا توبتهم بعد لحد الآن سوى مرحليا ليعودوا لما نهوا عنه).
قراءة من غير مختص؛ لا تعدو كونها محاولة لرصد بعض خصائص فكر فئة الجانحين بدون أية عُدٌة سوسيولوجية أو سيكولوجية أو أي عدة أخرى أو منهج من مناهج البحث الأكاديمي أو التعليمي ... من الشارع حول الشارع، مكتفيا بالمعاينة اليومية والاطلاع ومسيرة الحياة الشعبية ومحاولات التقرب من البعض باسم رابطة الحي والمجاورة وعلاقات اجتماعية كما نقول في المثل الشعبي (كل دار فيها كيدار) وروابط العمل والخدمات وما يتخللها من تفاعلات ونصائح تلقى عفويا خاصة في حالات هدوئهم لمد جسور التواصل، ومجالسة البعض بالمقهى، وأحيانا الاستجواب والاستجواب معكوسا بعد ترويض وبناء نوع من الألفة ونسج جدار الاحترام لما أقابلهم به من تفهم وتقدير وتقبل وكأنه إنسان سوي مثل باقي الأسوياء ليقيني أنهم ضحايا ترسبات مختلفة وتفاعلات لم تكن في الاتجاه الصحيح وليسوا مسؤولين عنها بالضرورة، إضافة لطيش الشباب وورطة المخدرات ...
في ثقافة هؤلاء بالضبط كلمة مجرم التي يتحفظ البعض عليها لما سبق وذكرت، لا تشكل لهم إهانة البتة؛ إنها مدح في نظرهم واعتراف، إنها بالعكس فخرهم، وأن أكبر فخر في متخيلهم وما يسعون إلى تحقيقه خاصة في المراحل المبكرة من انخراطهم هو ظهور هذه الندوب والجروح على وجوههم وعلى باقي أجسادهم التي يحاولون إظهارها حتى في فصول البرد، بل منهم من يستأجر صديقه لإحداث جروح على وجهه حتى تظهر عليه علامات الجرم والقبح والتسلط، فهم يعتبرون ذلك من علامات النجاح أثناء غزواتهم وتلك عدة ضرورية مصحوبة باجتهاد كبير في استعمال الرصيد اللغوي الجارح، الجانح، مما يتداول بينهم داخل المؤسسة السجنية، كما يبدعون في استعماله والتطرف فيه كل حسب طاقاته ومعارفه ومُدد "تكوينه" وطبائع شخصيات من زامنوه في السجن، كل ذلك لإثارة الخوف لدى الضحية المحتمل(ة) بتلك المقدمة التي يريد من خلالهــــــا إيصـــــــــــــــال طبيعة تاريخه الأسود والذي يراه هو مشرقا مادام طريقا ووسيلة مؤدية إلى غايته، وعاملا مساعدا على تسريع استسلام الضحية وانهيارها، وكذا لفرض احترامه وتقديره. فالاعتراف له كونه (حبٌاس/محابسي) يزيده فخرا ويتباهى بالمدد التي قضاها ولا يكف عن الحديث عنها وعن بطولاته الخرافية خلالها، تلك بعض نقط قوتهم الرمزية والتي يحرصون على إتقانها حتى تعطي ثمارها وتحقق إرهاب الضحية منذ الوهلة الأولى اعتمادا على تلك الصور الجافة والملامح القبيحة و"بلاغة" "الخطاب المتطرف" في الخبث والإساءة، وما يرتبط بذلك من خيالات لدى المستهدف، إضافة لكونهم بالعامية "ما عندهوم ما يخسروا".
والواقع أن قوتهم ليست مادية "بدنية" كما يظهر للكثير، قوتهم في "التسنطيحة" والزعامة/الاندفاع، بشكل يتجاهل العواقب و في الكلام الساقط والمباغثة، خاصة أثناء الحالات غير الطبيعية وتحت تأثير المخدرات. علما أن بواكير تدخلاتهم تكون ضد الأقارب أو الجوار أحيانا، ضد الأصول لإمكانية الصلح والسماح في نهاية المطاف.
ولأن الناس يفضلون تجنب المشاكل ما أمكن خاصة من له عمل ومن له أسرة وأولاد وليس له وقت يضيعه في "طلع وهبط" وهم يفهمون هذا جيدا ويستثمرونه أحسن استثمار مزودين بما اطلعوا عليه من معارف شيطانية داخل (المدرسة/بوغمغام/انتراكتيكا) كما يسمي بعضهم المؤسسة السجنية.
أما بَدَنِياً، فرغم البنيات الضخمة لدى البعض فهم في الغالب جبناء، نظرا لهوس القبض عليه أو تحديد هويته خاصة لما يتعلق الأمر بالغير أو خوفا من التمسك بصيد أكثر افتراسا منه، أحيانا بُلداء يتصرفون قبل التفكير أو يفرض عليهم التصرف قبل التفكير فيسقط ضحية حادث أو ما شابهه، كما أنهم في الغالب الأعم يقبلون الإهانة بشكل لا يتصور، ببساطة لأنهم تعودوا عليها داخل السجن وبسهولة يمكن هزمهم لولا الحس الإنساني والتبعات القانونية ...
من هنا أحاول التأكيد أن نطق كلمات مجرم وإجرام في حق هذه الفئة ومن زاوية نظرها هي تحديدا لا يشكل أية إهانة، وإنما نزع هذه الصفة عنهم (الإجرام وتمثلاته) هو ما يعتبرونه الإهانة التي لا يقبلونها ... فإذا قلت لأحدهم أنت ظريف ولا يليق بك هذا الطريق ويمكن أن تكون محبوبا ولك إقبال حاول فقط مع تجارة أو أو ... سوف يقلق ويحس بالإهانة ويفهم أن محاولاته لإظهار العنترية لم تعط أكلا ...
من هنا، فإن معالجة الظاهرة أو محاصرتها تقتضي محاصرة هذه الثقافة وذلك على عدة مستويات، من التعليم والتكوين والتشغيل والترفيه والمراقبة والمواكبة والمحاسبة ...