يبدو ان تداعيات الصراع ما بين رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران ووزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد اوضحت ان الطبقة السياسية الحاكمة تضحك على ذقون المغاربة .
فهي تهتبل اظهار الصراع ولكن تداعيات ذلك على ارض الواقع غير موجودة. فها هو الوزير بوسعيد،عامل سابق وقيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، يبلع لسانه ويعود الى كرسي وزارة الإقتصاد والمالية وكأن شيئا لم يقع. فالجهة التي حركته من وراء ستار أكبر من صلاح الدين مزوار ومن بنكيران.
قد يقول قائل اننا نعتمد على نظرية المؤامرة لكن الوقائع تؤكد أن المشهد السياسي بالمغرب متحكم فيه وفاعلوه لا يتحركون باستقلالية وانطلاقا من مبادئ أحزابهم وأدبيات مؤتمراتها على علاتها. هل هناك ما يبرر هذا التحكم أم لا . هذا نقاش آخر.
بالامس قرع بنكيران وزير التربية الوطنية بلمختار ولا شيئ حدث لم يستقل الوزير ولم يقل. والوزير يتصرف في الوزارة وكأنه حكومة مستقلة. بل وتجرأ على القول ان تعليمات الملك حسمت الخلاف مع بنكيران لان هذه التعليمات انحازت لقرارات لبلمختار.
فلو كان هناك اعلام عمومي قوي ومحايد، وقضاء مستقل وقوي، وبرلمان مستقل وقوي، وحكومة مستقلة وقوية لما كان لنظرية المؤامرة مكان قوي في التحليل. وحتى الأدبيات السياسية في فرنسا وأمريكا تنهل من نظرية المؤامرة أي تحليل ما وراء الخبر وما وراء الحدث.
فهناك احتكار للسلطة والثروة في المغرب ولا أحد يجادل في ان القرارات الكبرى تتخذ خارج المؤسسات الدستورية. فعندما يتحدث وزير التعليم بلمختار عن التعليمات التي حسمت صراعه مع رئيسه المباشر. فهل في الدستور أو المنظومة القانونية بالمغرب شيئ إسمه"التعليمات" والشيئ نفسه ينطبق على "جلسات العمل" أو ما كان يقوم به رجال السلطة والأجهزة الامنية من رفع شعار"عاش الملك" وأصدر الامر الذي تريده على مرؤوسيك. فاتخذت قرارات خطيرة بما فيها قرارات الاختطاف واطلاق النار على المتظاهرين وقتلهم بالرصاص الحي.
وأما هذا المشهد السياسي السريالي فان الطبقة تفقد عقلها وتتصرف كما اتفق وفقا "للتعليمات" والتقاليد المرعية. والمحللون السياسيون من أساتذة القانون والعلوم السياسية يتحدثون عن ظاهر الخطاب السياسي ويتجاهلون الاعطاب الجوهرية للممارسة السياسية بالمغرب إما جهلا أو تواطؤا مع "التحكم" الذي لا يمكن تفكيكه الا بتفكيك الخطاب الذي يكرسه.
ومن الاسئلة الحارقة التي تواجه الطبقة السياسية المغربية الموجودة في الحكومة والبرلمان هي سقوطها في العنترية في الخطابات والمحافظة في القرارات. فرغم ما تقوم به المعارضة فانه لم تتجرأ على طرح ملتمس رقابة على الحكومة رغم توفرها على النصاب؟ والناس تحس بأن المعارضة لا مصداقية لها لأنها تعارض الحكومة ولاتعارض الحكم، تعارض الحكومة على الكراسي ولا تعارضها في الإختيارات الكبرى كالتوازنات المالية الماكرواقتصادية او الصحراء أو السياسة الخارجية.
لقد صار هم معظم الأحزاب المشاركة في الإنتخابات هو الوصول الى كراسي المسؤولية
أما المعارضة الموجودة خارج المؤسسات فإنها تنتشي بانصاراتها الصغيرة في تحقير"المخزن" والإنشغال بردود الافعال حول ما ينفذه الحكام وما يشرعه برلمان ضعيف وجماعات محلية منتخبة معظمها متحكم فيه من طرف المقدم والشيخ والقائد والباشا ورئيس الدائرة والكاتب العام للعمالة والعامل والوالي على الجهة والوالي المدير العام للجماعات المحلية والوزير المنتدب في الداخلية ووزير الداخلية.
وبنكيران حينما يتحدث باسم حزبه لم يكشف لنا مظاهر خطر التحكم الذي يلاحقه من طرف حزب الأصالة والمعاصرة، رغم ان كل المؤشرات تقول ان الأصالة والمعاصرة امتداد للدولة العميقة ممثلة في تكنوقراط مستشاري البلاط الملكي وكل المناصب السياسية التي يعين فيها تكنوقراط من خدام الأعتاب"الشريفة"، وهؤلاء التكنوقراط لسان حال مشروع المجتمع الديمقراطي الحداثي الذي يتبناه القصر الملكي، وهذا المشروع هو ما يعارضه مشروع حركة الاسلام السياسي. والعهدة على تحليلات المستشار الملكي والناطق باسم القصر الملكي سابقا الأستاذ حسن أوريد منظر العهد الجديد.
كما أن بنكيران لم يقدم الفاسدين الى العدالة واستمر في رفع شعارات محاربة الفساد والاستبداد، فطبع مع الفساد من خلال نظريته"عفا الله عما سلف" وطبع مع الاستبداد من خلال جريه وراء ارضاء الديوان الملكي واستغلال اسم الملك وصفاته في العمل السياسي وهو ما اشتكى منه الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال والاتحاد الدستوري في مذكرة الى الملك محمد السادس.
وعندما تضيق به الضائقة يقول "الحكومة التي عينها الملك هي هاذي" . وأنا لاأريد أن أتخاصم مع الوزير أخنوش" . ويصرخ في وجه بلمختار داخل البرلمان"أنا الذي عينني الملك رئيس للحكومة وليس بلمختار"
فضربة بوسعيد بينت له أن حزب الأصالة والمعاصرة بإمكانه التحكم في الوزراء وليس باستطاعة أحدهم رفض استقبال الياس العمري والإجابة كتابيا على أسئلته. وإلا كان مصيره مستودع الإحالة على التقاعد.
لقد لمح بنكيران الى وجود حكومة أخرى تنازعه القرار، لذلك انتفض وكشر عن أنيابه ولكنه سيعود الى بيت الطاعة. وهو العارف وكذلك الرأي العام أن المغرب فيه حكومات متعددة، انطلاقا من كون الحكومة هي الجهاز التنفيذي والدستور يشرح جيدا الجهاز التنفيذي ومكوناته. والدستور يتضمن ثغرات في فصل وتوزيع السلط لذلك قد يستشعر رئيس الحكومة أن حكومة أخرى بجانبه تنازعه القرار.
فهناك حكومة في كل ملف بالمغرب. من الصحراء الى الفوسفاط الى الطاقة الشمسية والتعليم والإعلام والتجهيل. ألم يقل القيادي اليساري والمؤرخ ابراهيم ياسين عن حكومة اليوسفي إن في المغرب حكومة معارضة ومعارضة حاكمة، الأولى يديرها اليوسفي والثانية يديرها إدريس البصري من داخل نفس المجلس الحكومي. كما سبق للصحفي خالد الجامعي أن قال بأن التلفزة المغربية حكومة قائمة الذات الى جانب حكومة اليوسفي ذاتها.
هناك ثغرات دستورية في توزيع وفصل السلطات تحدث عنها الفقيه الدستور محمد الساسي كثيرا، لكن الدكتور منار السليمي يقول بأن الدستور أكبر من الاحزاب السياسية ويجهل ان كان يطالب بمراجعة الدستور حتى ينزل الى مستولى الأحزاب السياسية.
والحال أن وجود تناقضات وتلاسنات داخل الحكومة الواحدة يبين ان السلطات غير واضحة وهناك متدخلون كثر في ملف واحد وكل المتدخلون ينتظرون "التعليمات" لرجحان هذا الرأي أو ذات من الجهات"التنفيذية الحقيقية".
فالمغرب دولة لها ادارة مركزية قوية ولن تؤثر تلاسنات الوزراء وخلافاتهم على السير العادي للمؤسسات العمومية، ولكن شيئ من الأخلاق السياسية والجدية في التعامل مع الرأي العام، فحتى اجتماعات قادة الأغلبية حولها بنكيران الى اجتماعات مائعة لا هيبة لها خلافا لما كانت عليه اجتماعات الاغلبية في عهد اليوسفي الذي لا تتم في المنازل ويتم التحضير لها ويحضرها ثلاثة الى أربعة ممثلين عن كل حزب وتناقش جدول أعمال محدد سلفا.
بقلم: إإسماعيل طاهري