كل ما يحدث، في بقاع كثيرة من الوطن العربي، خدمة للعدالة وللتقدم، ندين به للنساء. هذه ملاحظة موضوعية تفرض نفسها علينا، ويتوجب أخدها بعين الاعتبار. مند الأيام الأولى للثورة المصرية، قامت مظاهرات في ميدان التحرير، بمبادرات نسائية، نشطتها أمهات لم يحتملن رؤية أبنائهن محرومين من الديموقراطية، ويرفضن عنف رجال يستهدف زوجات، أخوات وحتى أمهات.. اليوم أيضاً، تقف نسوة، عجائز وشابات، في مواجهة الديكتاتورية التي يؤسس لها محمد مرسي في مصر، يقدن حركة الاحتجاج ضد الدستور الذي، في حال تبنيه، سيفرض العودة إلى الشريعة التي، كما يعرف الجميع، تفرض قيوداً على المرأة ولا تمنحها بعضاً من حقوقها. من الجهة الأخرى، بين المتظاهرين الإسلامويين، نجد نساء. هذه حقيقة. تناقض وتضاد. لكن الخطاب الديني يبدو أنه قد أقنعهم بالانضمام إليه، فهو خطاب يحث المرأة على تقبل الخضوع لقانون السماء ولقانون العباد.
في تونس، لولا الإرادة القوية لبعض الآلاف من النساء، كان الإسلامويون، وخصوصاً السلفيين منهم، قد أسسوا نظاماً دينياً على الطريقة الإيرانية. لكن المقاومة تبقى تدور في الشارع، في الصحف، في المدارس، في أروقة الفن، عن طريق الكتاب، والأفلام. نساء سينمائيات واجهن بشجاعة المعتدين السلفيين الدين يهددونهن بالسيوف، سواء في تونس، المرسى أو في قفصة. تظهر مقاومة التونسيات كخاصية أساسية، الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة حرر المرأة، غداة الاستقلال عام 1956، من قيد التقاليد التي كانت تمنعها من المساهمة في الحياة الاقتصادية والثقافية للبلد. طلب منهن أن لا يرتدين الحجاب، معتبراً الجلابة «غطاء عار». ريح العلمانية هبت على تونس خصوصاً لما أقدم الرئيس نفسه، الذي كان يتمتع بالشجاعة والمعاصرة (للأسف، فقد أصيب بالتعالي ومارس الديكتاتورية في أخر أيامه) لما ظهر على التليفزيون، وشرب، في يوم من أيام شهر رمضان، كأس عصير برتقال، باعتبار أن الصيام ينعكس سلباً على اقتصاد البلد. حدث هذا في وقت مضى، اليوم استعادت تونس علاقتها بأصولها المسلمة، لكن هذا لم يمنع نساء من النضال لكبح محاولة النظام الجديد المساس بقانون العائلة، وهو القانون الأكثر تقدمية في الوطن العربي (يعود تاريخه إلى 13 أغسطس 1956). بتاريخ 1 أغسطس 2012، اقترحت لجنة الحقوق والحريات في الجمعية الوطنية نص قانون إثر غضب النساء التونسيات، يقول الآتي: «الدولة تضمن حماية حقوق المرأة وممتلكاتها تحت مبدأ التكامل مع الرجل داخل الأسرة». بصيغة أخرى، حركة النهضة أرادت أن تعيد النظر في المساواة بين الرجل والمرأة، باخضاعها لسلطة الأسرة والرجل، سواء كان زوجاً أو أباً أو أخاً. قانون أثار كثيراً من المظاهرات، ولم يتم لحد الساعة تبنّيه. السبت 8 ديسمبر/كانون الأول، مئات الأشخاص تجمعوا أمام مبنى البرلمان، في الرباط، شكلوا حلقة بشرية، ونددوا بالاعتداءات الممارسة ضد النساء. نددوا بالعنف الجسدي، المضايقات النفسانية، والعنف الاقتصادي. تحالف مكون من 22 جمعية تختص في الدفاع عن حقوق المرأة التقى للتظاهر ضد انزلاقات الحكومة، ضد التهديدات المبطنة لبعض الإسلامويين المتطرفيين الذين يريدون تضييق حرية المراة وسجنها في البيت. قبل هذا التجمع، برزت بداية أكتوبر 2012، قضية باخرة الإجهاض التي حاولت من خلالها منظمة هولندية غير حكومية، تسمى «WOMEN ON WAVES»، تقديم يد المساعدة للنساء المغربيات. هذه المنظمة تقوم بحملة من أجل التوعية بالإجهاض الطبي الشرعي. لكن الباخرة لم تستطع أن ترسو على الميناء، لأن الحكومة ومناضلين ومناضلات إسلامويين، تظاهروا في الميناء ومنعوها من مواصلة حملتها في مواجهة الإجهاض السري، والخطير في الوقت نفسه، ومساعدة آلاف المغربيات اللواتي يضطررن غالباً لوقف الحمل، غير المرغوب فيه، لأنه غالباً ما ينتج عن اغتصاب. حركة «MALI»(حركة تناوبية من أجل الحريات الفردية) هي من دعا هذه الجمعية إلى المغرب. للأسف، لم تسر الأمور كما ينبغي. الإجهاض يظل ممنوعاً، يعاقب عليه بالسجن. وتشير إحصائيات إلى ما بين 600 و800 عملية إجهاض تحدث يومياً. بعضها يقوم به أطباء مجازفة، والبعض الآخر بمساعدة مشعوذين. أوروبا مرت أيضاً على هذا الطريق. الموضوع لا يتطرق إليه على الصعيد الإنساني، وانما فقط على الصعيد الديني. في كل مكان من الوطن العربي، نشعر أن الرجل يخاف من المرأة. يستعين بالدين ليسيطر عليها، ويضعها في مرتبة أدنى. هو خوف بسيكولوجي، لا علاقة له بالدين. تحرير المرأة هو تحرير للرجل. العملية تبدأ من التربية، من المدرسة، وفي البيت. الدول الأوروبية اعترفت بذلك. المساواة في الحقوق هو منطق سائد في جل الدول الأوروبية، رغم أن هنالك بعض التفاوت. النساء العربيات يقاومن مند عقود، حان الوقت لنعترف للمراة بحقوقها إذا أردنا طبعاً أن يتحرر المجتمع العربي ويلتحق بعربة الدول المتقدمة. الإسلام لا يتعارض مع هذا الاعتراف، تكفي إعادة قراءة النصوص بحكمة لنكتشف عدم التعارض.