تدخل فنزويلا لحظة اختبار كبيرة، خصوصًا مع وجود قوات أميركية قرب السواحل لمدة وصلت بحسب مادورو إلى 22 أسبوعًا من “الضغط المستمر”.وقتل العشرات من الصيادين بسفنهم في المياه الإقليمية الفنزويلية...
امس وقع تصعيد كبير في الأحداث،حيث أعلن ترامب على منصة Truth Social إن المجال الجوي فوق فنزويلا "مغلق بالكامل"، ووجه رسالة مباشرة لكل الطيارات المدنية والعسكرية إن المنطقة أصبحت "منطقة عمليات" أمريكية... وهذه الخطوة هي بالضبط المرحلة الأولى التي تحصل قبل بدء أي عمليات عسكرية...
كل المؤشرات تقول إن هناك استعداد لضربات عدوانية جوية أمريكية على أهداف داخل فنزويلا في الطريق أو على الأقل محاولة انقلاب متكاملة ضد النظام…
كوباي العصر قرر خلال الأسابيع الماضية إن يستخدم القوة القصوى ضد فنزويلا، وقام بتنفيذ أكبر عملية حشد عسكري في المنطقة منذ أيام أزمة الصواريخ الكوبية سنة 1962!
الحشد يتكون من أضخم حاملة طائرات في العالم الـ USS Gerald R. Ford، ومعاها أسطول من المدمرات التي تحمل صواريخ موجهة، ومقاتلات F-35 وغواصات حربية، بالإضافة لحوالي 15 ألف جندي وهذا التجيش ليس له اي مبرر سوى إن أمريكا تجهز لعملية لعسكرية واسعة النطاق، أو على الأقل تخطط لفرض الإرادة بالقوة الغاشمة،وتوسيع المجال الحيوي الأمريكي جنوبا ...
وفي نفس الوقت تفاوض ترامب مباشرة عبر مكالمة هاتفية مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو على صفقة خروج آمن لروسيا من دون إرادة دماء،ومنحه مهلة إلى يوم الجمعة القادم...
وفي مشهد نادر خرج عشرات الالف في العاصمة كراكاس
دعما لمادورو ودفاعا عن حرمة وطنهم،ففي تجمع حاشد وسط العاصمة كراكاس، خرج الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو برسالة مباشرة وصريحة ردا على ترامب قائلا :
"نريد سلامًا مع السيادة والمساواة والحرية. لا نريد سلام العبيد، ولا سلام الخضوع والاستعمار".
ففي رسالة للداخل قبل الخارج مادورو اختتم رسائله بجملة رمزية قوية:
"أقسم على الولاء المطلق للشعب الفنزويلي".ما يعني بعث تطمينات للقاعدة الشعبية وللمؤسسة العسكرية إنه ثابت،
وليست له أي نية ليقدّم تنازلات تحت الضغط الأميركي.
وبلغة أخرى أعلن المواجهة في إطار كرامة وطنية مقابل ضغط خارجي عدواني..
ان ما يحصل ليس مجرد أزمة حدود أو حرب على تجار المخدرات كما يرد إن يوهم راعي البقر الرأي العام الدولي بل نحن امام معركة جيوسياسية كاملة في بحر الكاريبي يمكن ان تغيّر خريطة القوى العالمية خلال أسابيع...
فالعدوان سيشمل حتما كوبا وكولومبيا الداعمين لمادورو واعداء أمريكا
الهدف المعلن امريكيا هو الحرب على المخدرات،وتحديدا على منظمة "كارتل دي لوس سوليس"كارتل الشموس" التي صنفتها الإدارة الأمريكية كمنظمة إرهابية أجنبية، وقالت إن مادورو هو رئيسها!
وهذه اللعبة الفجة ليست الا غطاء قانوني،وإذن شبه مطلق لضرب أي هدف على الأرض داخل فنزويلا، بحجة "مكافحة الإرهاب"، وبدون ان يكون مضطرا للرجوع للكونغرس للموافقة على إعلان الحرب...
فنزويلا البلد الصغيرة ،تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، اضافة لكميات ضخمة جدًا من الذهب والمعادن الاستراتيجية التي تدخل في صناعة التكنولوجيا...
وهذا هو بيت القصيد وهدف العدوان كما فعلوا بالعراق..
استراتيجيا الصين وروسيا وإيران يحاولون إنشاء محور جديد يطوق النفوذ الأمريكي ويضع له فخ كبير جوار حدوده مباشرة.مثل الفخ الذي نصبته أمريكا والناتو لروسيا في أوكرانيا... ومن مصلحة دول 3 إن أمريكا تغرق أمريكا في محيط الكرايبي مع فنزويلا،وتستطيع روسيا تثبيت مجالها الحيوي وفرضه بالقوة على أوكرانيا
فرغم ما يقال عن خطة سلام أمريكية فالواقع عكس ذلك فقد شنت أوكرانيا المدعومة أمريكياً -أطلسيا هجمات بطائرات بحرية مسيرة على ناقلتين نفط روسيتين Kairos و Virat في البحر الأسود، والناقلتين جزء من "أسطول الظل" الروسي الذي ينقل النفط بعيد عن رقابة الغرب!
والصين في حاجة ماسة لإعادة جزيرة تايوان الى سيادتها، فيما إيران ستسغل الوقت لإعادة تشغيل مفاعلاتها النووية واعادة قدراتها الصاروخية لمواجهة الكيان الصهيوني وترتيب أوراقها في الشرق الأوسط...
لكل هده الأسباب الظاهرة والخفية فمادورو يحاول ان يلعب ورقة الاستغاثة العسكرية ويطلب من روسيا والصين وإيران صواريخ ومعدات لتجهيز مقاومة طويلة الامد ضد أي تدخل أمريكي، وبالفعل حشد قوات جيشه العسكرية وحتى شكل ميليشيات شعبية في كل أنحاء البلد للدفاع ضد الغزو الأمريكي المحتمل...
فروسيا والصين ليس مطلوب منهما مواجهة امريكا دفاعا عن مادورو، فالمطلوب إن يدعماه ليحول فنزويلا إلى مستنقع أو "أوكرانيا جديدة" في أمريكا اللاتينية!
هذا الدعم المحدود بصواريخ دفاع جوي (صواريخ Igla-S التي مادورو أعلن إن فنزويلا عندها 5000 منها)، ودعم لوجستيكي من الصين، كفيل بإن يحول أي تدخل أمريكي لحرب عصابات طويلة تستنزف أمريكا ماليًا وعسكريًا، وتشتت تركيزها عن الجبهة الأوروبية والآسيوية،وتضرب اقتصادها وتضيق الخناق على عجزها المالي المزمن..
الحالة الفنزويلية تعيش بين احتمال تهدئة أو تصعيد أكبر في الأيام القادمة.وقد تتحول لأوكرانيا جديدة، لكن هده المرة تتورّط فيها أمريكا على بعد كيلومترات من أرضها!
بقلم عبد المجيد مصدق



0 التعليقات