الجمعة، 24 أكتوبر 2025

تقرير شبكة تقاطع يرصد سوداوية الوضع الاجتماعي في المغرب

 


الملتقى الوطني الخامس لشبكة "تقاطع" للدفاع عن الحقوق الشغلية


فيما يلي نص البيان الختامي:

الرباط، الأحد 19 أكتوبر 2025

انعقد يومه الأحد 19 أكتوبر 2025 بالرباط،  الملتقى الوطني الخامس لشبكة "تقاطع" للدفاع عن الحقوق الشغلية في سياقٍ دوليٍ متأزّم، يتّسم بصعود التيارات الفاشية واليمينية المتطرفة التي وصلت إلى الحكم في عددٍ من الدول، مستندةً إلى خطابات الكراهية والعنصرية ومعاداة المهاجرين. وقد شكّل هذا الصعود ارتدادًا خطيرًا عن القيم الديمقراطية والإنسانية بالموازاة مع بسط الهيمنة الرأسمالية المتوحشة عبر سياسات الحرب والتسلح ونهب خيرات الشعوب وضربٍ ممنهجٍ للمكاسب العمالية والشعبية التاريخية التي انتُزعت بنضالات طويلة، وارتكاب الجرائم الإيكولوجية المروّعة التي تدمّر المناخ وتعمّق الكارثة البيئية العالمية، خدمةً لجشع الشركات متعددة الجنسيات. 

وفي هذا السياق تتواصل الحروب الإمبريالية وجرائم الإبادة، وفي مقدمتها الجريمة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية وضد الشعب السوداني..، أمام صمتٍ دوليٍ متواطئ للحكومات الغربية وتواطؤ مفضوح للأنظمة المغاربية والشرق أوسطية، مما يكشف عمق الأزمة الأخلاقية والسياسية للنظام الرأسمالي العالمي القائم على منطق القوة والربح والاستغلال.
حميد مجدي منسق شبكة تقاطع لولاية ثانية

ومع ذلك، تشهد الساحات الشعبية عبر العالم نهضةً مقاومةً متنامية، من فلسطين إلى أميركا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، حيث تتجدّد نداءات الحرية والسيادة الشعبية والعدالة الاجتماعية، مؤكدة بأن الفاشيات مهما اشتدّت فلن تُطفئ جذوة المقاومة والكرامة الإنسانية.

على الصعيد الإقليمي، تتعمق أزمات دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط بين استبدادٍ سياسيٍّ وارتهانٍ اقتصاديٍّ وتطبيعٍ متسارعٍ مع الكيان الصهيوني، في ظل قمعٍ للحركات الاجتماعية وسعيٍ لتجريم الاحتجاج وتطويع المجتمعات. كما تتفاقم التبعية الاقتصادية وتستمر سياسات التقشف وتحرير الأسعار وتهميش الفئات العمالية والشعبية، بما يعمّق التناقضات الطبقية ويزيد من احتمالات الانفجار الاجتماعي.

أما السياق الوطني المغربي، فإنه يتسم بتصاعد الهجوم النيوليبرالي على الحقوق والمكتسبات الاجتماعية، وتنامي الفقر والبطالة والهشاشة، وتفكيك الخدمات العمومية في التعليم والصحة والسكن.. وتهميش وإقصاء ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يشكلون 4.8% من سكان المغرب (الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024)، وحرمانهم من الولوج إلى الفضاءات والخدمات العامة، وتعميق الفوارق الطبقية، في ظل استمرار الدولة في تحميل الكادحات والكادحين والطبقة العاملة كلفة الأزمات المالية والتدبيرية، بدل المحاسبة على الفساد والريع وسوء التسيير.

وتشير التقارير الدولية إلى أن المغرب يتذيّل باستمرار الترتيب العالمي في مؤشر التنمية البشرية، ويحتل المرتبة 14 عربيا و120 عالميا (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقريره السنوي عن التنمية البشرية 2023/2024)، والمرتبة 110 من أصل 182 دولة في مجال التعليم، والمرتبة 122 عالميًا في الصحة العمومية (بحسب مؤشر العدالة العالمية 2024)، ويحتل المرتبة 74 عالميًا من أصل 110 دولة، بحسب مؤشر مجلة "CEOWORLD" للرعاية الصحية لعام 2025 الصادر حديثًا. وهو ما يعكس استمرار الإخفاقات المرتبطة بالمنظومتين وعمق الأزمة البنيوية عموما. كما يحتل المغرب بحسب نفس المؤشرات، المرتبة 121 عالميًا في حماية النساء والأطفال، و113 في ملف اللاجئين، والمرتبة 135 من أصل 188 دولة في المجال الإيكولوجي.. 

وتشير الإحصائيات عموما إلى أن المغرب يبرع فقط في الملفات الأمنية، لكنه يتعثر في القطاعات الاجتماعية وعلى رأسها التعليم والصحة.

وتتعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية نتيجة الاختيارات اللاشعبية التي فرضها الحكم الاستبدادي في المغرب، والتي لا يمكنها تحقيق لا العدالة الاقتصادية والاجتماعية ولا الكرامة والحرية، وتحولت إلى واجهة لتكريس سلطة الرأسمال الريعي والاحتكار والفساد المالي والإداري دون مساءلة أو ربطٍ فعليٍ للمسؤولية بالمحاسبة. والمغرب ماض في نفس النهجٍ، عبر سياسات التقشف ورفع أسعار المواد الأساسية والخدمات مقابل تجميد الأجور والإجهاز على القدرة الشرائية، وخصخصة المرافق الحيوية، وتنزيل قوانين مقيدة للحريات النقابية ومجحفة في حق الشغيلة والكادحين والكادحات من الشعب. كما تتواصل عمليات النهب الممنهج للثروات الطبيعية، بما فيها الثروات البحرية التي تُستنزف من طرف شركات أجنبية ومحليه كبرى دون استفادة حقيقية للمجتمعات المحلية.

يضاف إلى ذلك الاستغلال الممنهج والفتاك الذي يعانيه العمال والعاملات في المشاريع المرتبطة بالإعداد لتنظيم كأس العالم 2030، حيث تُفرض عليهم ظروف عمل غير إنسانية، وأجور زهيدة، وغياب شروط السلامة والحماية الاجتماعية، في مقابل أرباح ضخمة تُراكمها الشركات الكبرى. 

 وقد وقف الملتقى الخامس لشبكة "تقاطع" على مدلول النسبة الهزيلة للنشاط وسط النساء 19.1% ومعدل الشغل الذي لا يتجاوز 15.3% (المندوبية السامية للتخطيط، 2024)، وهي من أدنى المعدلات عالميًا، ما يعكس استمرار الإقصاء البنيوي للنساء من سوق الشغل، وتهميش دورهن في الاقتصاد الوطني وتنكر لدورهن المنتج داخل الأسر وفي العديد من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية التي تصفها الإحصائيات الرسمية بغير المهيكلة. كما وقف على معاناة آلاف العاملات والعمال جراء عدم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لفائدتهم، والتي تحولت إلى جرحٍ مفتوح، إذ يُتركون بعد سنواتٍ من التقاضي في مواجهة الصمت الإداري والتواطؤ المؤسساتي، بينما يستمر أرباب العمل في الإفلات من العقاب، مما يعتبر شكلا من أشكال الاضطهاد الطبقي وأحد مظاهر التواطؤ المكشوف مع منتهكي حقوق الطبقة العاملة.

في المقابل، تعرف الساحة الاجتماعية خنقًا ممنهجًا للاحتجاجات المشروعة، وتضييقًا على التنظيمات النقابية المستقلة، في محاولةٍ لتطويع المجتمع وتدجينه تحت خطاب "السلم الاجتماعي"، بينما الواقع اليومي للمواطنات والمواطنين يُكذّب هذا الخطاب عبر مظاهر الفقر والعطالة والغلاء وتردّي التعليم والصحة والسكن، والتي شكلت مطالب جوهرية للحراك الشبيبي "جيل زيد" الذي عرفته العديد من المدن بالمغرب.

وقد شكل الملتقى محطة نضالية جديدة لتقييم المرحلة، وتنسيقا للرؤى، وتأكيدا على خيار النضال الوحدوي كسبيل لمواجهة الاستبداد الاجتماعي والاقتصادي الذي يهدد الكرامة الإنسانية، ويكرّس اللامساواة والبطالة وضرب الخدمات العمومية.

إن شبكة "تقاطع"، في ملتقاها الوطني الخامس وبعد وقوفها على مختلف هذه القضايا:

1. ترفض بشكل قاطع قانون الإضراب التكبيلي الذي يشكل تهديدًا مباشرًا لحق الإضراب المكفول في المواثيق والتشريعات الدولية، وتسعى من خلاله السلطة إلى تكميم أفواه النقابيات والنقابيين وتجريم الفعل الاحتجاجي، وتدعو بالمقابل إلى العمل على إسقاطه.

2. تدين بشدة ما يسمى بـ "إصلاح أنظمة التقاعد"، الذي يرمي إلى إطالة سنوات العمل وخفض المعاشات وتحميل الأجراء كلفة العجز المالي الناتج عن خيارات سياسية لاشعبية.

3. تحذر من التعديلات المرتقبة على مدونة الشغل، والتي تستهدف تفكيك ما تبقّى من الضمانات القانونية للعاملات والعمال تحت غطاء "مرونة الشغل" و"جاذبية الاستثمار".

4. تطالب بإطلاق حوار اجتماعي حقيقي يضع في جوهره الكرامة والعدالة والحق في العيش الكريم، ويكون مبنيا على المصداقية وتحقيق المطالب الشغلية، لا على التسويق الإعلامي ومناورات الباطرونا.

5. تدين كل أشكال القمع والتضييق على الحريات النقابية وحرية التعبير والتظاهر والتنظيم، وتطالب بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، وعلى رأسهم نشطاء حراك الريف، وكل من توبع أو اعتقل بسبب مواقفه الحرة ومشاركته في الدفاع عن قضايا الشعب. كما تطالب بوقف الاعتقالات والمتابعات والمحاكمات الجارية ضد شباب "جيل زيد" الذين نظموا مظاهرات سلمية، تطالب بوقف تبذير الميزانية العمومية في مشاريع البذخ والبهرجة، وتحويله لتلبية حاجيات المواطنات والمواطنين في مجالات الصحة والتعليم والتشغيل وباقي الخدمات الاجتماعية.

6. تدعو إلى بناء جبهة عمالية موحدة كلبنة لجبهة نضالية اجتماعية موحدة تضم مختلف مكونات الحركة النقابية والحقوقية والشبابية والنسائية والمدنية الديمقراطية والتقدمية لمواجهة الهجمة الشرسة على الحقوق الشغلية والجماهيرية عموما.

كما يعبر الملتقى عن تضامنه المبدئي واللامشروط مع الشعب الفلسطيني العظيم، في صموده ومقاومته البطولية ضد الاحتلال الصهيوني، ويدين بشدة العدوان الوحشي على غزة، وما يرافقه من جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية. ويستنكر الملتقى كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويعتبر أن فلسطين ستظل البوصلة الأخلاقية والسياسية لكل الأحرار، وأن مقاومة الاحتلال هي امتداد لمقاومة كل أشكال الاستبداد والظلم في العالم. ويحيي عاليا المبادرة السلمية لأسطول الصمود لفك الحصار على غزة ، كما يندد باختطاف وسجن وتعذيب كل المشاركين والمشاركات فيه من طرف الكيان الصهيوني الغاشم.

إن شبكة "تقاطع"، وهي تختتم بنجاح أشغال ملتقاها الوطني الخامس، تُجدّد التزامها الثابت بخدمة القضايا العادلة للشغيلة والفئات الشعبية، وبالعمل المستقل القائم على المبادئ الديمقراطية والنزاهة الفكرية والتضامن الوحدوي. وتؤكد أن النضال ليس موسميا وعابرًا، بل مسارًا يستمد شرعيته من تضحيات العمال والعاملات، ومن الإيمان العميق بأن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ليست شعارات، بل حقوق تُنتزع بالنضال الكفاحي والمتواصل.


عن الملتقى الوطني الخامس

الرباط، الأحد 19 أكتوبر 2025

  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات
Item Reviewed: تقرير شبكة تقاطع يرصد سوداوية الوضع الاجتماعي في المغرب Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top