الجمعة، 5 سبتمبر 2025

إسماعيل طاهري: زمن النكرات..هل تحولنا الى قطعان تائهة في سهول الأرجنتين؟


لا أعرف أيا من اللاعبين الذين فازوا بكأس إفريقيا للمحليين بالعاصمة الكينية نيروبي، لم استغرب كون عبد الإله بنكيران زعيم حزب العدالة والتنمية نفسه قال مؤخرا في ندوة صحفية ضد جريدة لوموند وجبروت: إنه لا يعرف اليوم أحدا في دولة مصر سوى عبد الفتاح السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب.

بنكيران تساءل بمكر أين أمثال أم كلثوم والعقاد وطه حسين وحسن البنا وسيد قطب..؟

وأنا بدوري أتساءل أين أمثال اللاعبين حسينة والبويحياوي والظلمي وخيري والتيمومي وأمل الله وخليفة والحداوي والبياز (لاعب ممتاز.)....الخ.، هؤلاء الأبطال الذين شرفونا (وخدرونا)في مونديال ميكسيكو 1986 ومعظمهم لا عبون محليون ما عدا كريمو وشقيقه ميري ولم ينازعهم في شهرتهم الا عويطة ونوال المتوكل في رياضات ألعاب القوى.

لم نعد نعي ما يقع من حولنا من تحولات..

كنا نعرف جميع وزراء الحكومات التي كان يقودها كريم العمراني والمعطي بوعبيد وأحمد عصمان واليوسفي وعبد الاله بنكيران..ونسبيا حكومتي العثماني وعباس الفاسي..اليوم لا نعرف أسماء وزراء حكومة السيد عزيز أخنوش.

هل بلغ بنا الحد الى هذا الجهل؟ أم أن هناك تحولات وقعت ولم نسايرها؟ هل المسألة فردية أو جماعية؟

والحقيقة هي أنني كنت أعرف كثيرا من المثقفين المصريين والسياسيين والفنانين ونبهني بنكيران فعلا انني لا اعرف احدا منهم اليوم في جمهورية مصر.

حتى على المستوى العائلي لم أعد أعرف أسماء حفدة عماتي وأعمامي وخالاتي ..وحتى أبناء أقربائي المقيمين في الخارج..نعم لم أعد أستطيع التعرف عليهم، واذا التقيت بهم أندهش لبرودة اللقاء والتواصل بيننا وكذا انعدام المشاعر العادية المتبادلة بين البشر من ود واحترام وتوقير، لذلك كنت أسأل بعضهم ساخرا: هل أنت روبو؟Êtes-vous un robot? ولكني أعرف الكثير من أسماء لاعبي الكرة في البطولات الأوروبية التي أصبحت مفروضة علينا في كل مقاهي مدينة طنجة العالية، ورغم أني لا أتابع المسلسلات التركية فإن معرفة أسمائها فرضت علي لأنها موضوع حديث يومي بين أفراد الشقة الصغيرة التي أسكن فيها وجميع أسماء أبنائي الثلاثة مشتقة من أسماء أبطال هذه المسلسلات التي لا تنتهي في القناة الثانية المغربية وغيرها.

فعلا لقد دخلنا زمن النكرات.. نكرات تقود الحكومات والبرلمان والجماعات والاحزاب والنقابات والمجتمع المدني وعرمرم المثقفين والشعراء...

حتى في مجال الصحافة لاحظت في السنوات الأخيرة انقراض ظاهرة الصحفيين الكبار مثل المساري او مشبال او الحسين كوار او عبد الكريم غلاب او عبد الجبار السحيمي او الحسين الحياني او علي يعتة او ابنه ندير او حتى جان دانييل المغرب الراحل جمال براوي…

….

هذا فعلا زمن النكرات...زمن التفاهة..ألم يصرخ المفكر الكندي الان دونو: "واك واك أعباد الله: لقد وصل التافهون الى السلطة".

والتافهون من النكرات ضعيفي التكوين عديمي الأخلاق الدينية والفلسفية، هم الذين يتحكمون في الفلاحين والعمال والمسحوقين من الفقراء الغلابة، ويعمدون الى إغراقهم في أحلام وكوابيس المسلسلات التلفزيونية والمباريات الرياضية ومهرجانات الشواطئ والجبال والواحات والسهول والأعالي والأراضي المنخفضة بهدف إبعادهم عن السياسة والثروة وتحويلهم الى سلبيين غير مسيسين عبر نمط عيش كان مثله سائدا في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الى حدود نهاية ثمانينات القرن العشرين. وهو ما فضحه جورج أورويل في روايته 1984 قائلا؛

"الذين ما داموا يعملون ويتناسلون، فإن نشاطاتهم الأخرى لا أهمية لها. وعندماتركوا لحالهم، كالقطيع التائه في سهول الأرجنتين، رجعوا الى نمط عيش يبدو طبيعيا بالنسبة اليهم. نمط موروث عن الأسلاف..فالعمل المجهد، والإعتناء بالبيت والأطفال. ونزاعات الجيران التافهة، والأفلام وكرة القدم، والجعة، وفوق كل ذلك القمار، هي كل ما يملأ أفق عقولهم. لذلك فإن الإبقاء عليهم تحت السيطرة ليس بالأمر الصعب".

(عن زمن الغضب تاريخ الحاضر. بانكاج ميشرا. عالم المعرفة505أبريل 2023. ص319.).

لذلك نختم بما قاله الخبير الإقتصادي نجيب أقصبي أن اهتمام الدولة المغربية بالرياضة يهدف الى إلهاء الناس عن الاهتمام بالسياسة والإقتصاد. 

لهذا فالفوز بكأس إفريقيا لكرة القدم للاعبين المحليين هو مسكن جديد لتبرير المشاريع الرياضية الكبرى قيد الانشاء التي ترهق المالية العمومية وتغرق مستقبل الأجيال القادمة في الديون الخارجية وبالتالي تهديد السيادة الوطنية.

فحبل الفرح قصير في هتافات الجماهير في الملاعب والمقاهي، كما هو قصير في هتافات جماهير مهرجانات الموسيقى..ومعظمها جماهير عاطلة مسحوقة مغرر بوعيها لا تملك لا سلطة ولا ثروة وهي وقود جهنم في الحملات الإنتخابية للسيطرة والتحكم على وفي الحكومات والمجالس والمؤسسات المنتخبة خلال كل استحقاق انتخابي دوري.

هذه هي الحقيقة المرة التي تجعل من لا سلطة ولا ثروة له يدافع ويحمي محتكري السلطة والثروة وهذا ما يمكن تسميته بالوعي الطبقي الزائف.


  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات
Item Reviewed: إسماعيل طاهري: زمن النكرات..هل تحولنا الى قطعان تائهة في سهول الأرجنتين؟ Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top