04‏/01‏/2024

صخر المهيف: أمريكا ووهم القوة

الكاتب صخر المهيف


كانت السيطرة على أوراسيا تعني السيطرة على العالم حسب منظر السياسة الخارجية الأميركي زبغينو بريجنسكي والذي شغل ذات يوم رئاسة مجلس الأومني القومي على عهد كارتر، متأثر في ذلك بمنظر النمط الجيوسياسي الأنكلوساكسوني راسل، فعلا، سقط الاتحاد السوفيتي بلا إطلاق رصاصة واحدة وبدا أن نهاية التاريخ قد تحققت وشمل التداول على السلطة مناطق مختلفة من العالم وبات النموذج الاقتصادي والسياسي الليبرالي أكثر جاذبية من أي نموذج آخر، جرى كل شيء على ما يرام، كان بوش الصغير في نهاية تسعينيات القرن الماضي  محكوما بغرور القوة المطلقة وعصر السلام الأمريكي ومنتشيا بمزيج من أفكار مسيحية ونيتشوية: الحرب العادلة ومنطق القوة، ميزانية الدفاع ارتفعت بعشرة في المائة لمواجهة(الإرهاب) والبنكيون في قلاع وول ستريت منتشون أكثر لأنهم يراقبون شركات الأسلحة العملاقة التي تبيع الأسلحة للباتتغون، وبعض الشركات من الشقيقات السبع من شركات النفط الأنكلوساكسونية وضعت يدها على احتياطي النفط العراقي الأضخم في العالم، وصناديقهم الائتمانية تخلق مشتقات جديدة وتربح الأموال من الأموال من الهواء  كما عبر عن ذلك كبير المحللين السياسيين والاقتصاديين الروس الدكتور كاتاسونوف، فما الذي حدث بعد ذلك؟

الطالبان يوجعون الأمريكان في أوحال آسيا الوسطى غير بعيد عن الصين وروسيا والهند وإيران، والعراقيون لم يرموا الأمريكان بالورد بل بالقذائف والمتفجرات، كانت الحسابات خاطئة، أنفقت أمريكا 6000 مليار دولار على الأقل في حربي العراق وأفغانستان، ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد رأت المخابرات الروسية التي يراقبها القوميون الروس أن يلتسين خرب ما تبقى من الإمبراطورية السوفييتية المرعبة التي صارت مهددة بالتقسيم بسبب حرب الشيشان المدعومة أمريكيا-أمريكا التي لا تتوانى عن تقسيم المقسم وتفتيت المفتت أصلا- فقام فتية ال kgb السابقون بإعداد أحد رجالاتهم الأكثر تكتما وغموصا: بوريس يلتسين، المقتنع تماما بعقيدة بطرس الأكبر أحد الآباء المؤسسين لروسيا الذي كان يعتقد أن الدفاع عن  موسكو لن يتم إلا بالتوسع شرقا وغربا لأن موسكو مفتوحة على السهول من كل الجهات: السهل الأوربي الكبير  غربا وسهوب آسيا الوسطى شرقا وجنوبا، هكذا بدأ حكمه بطرد المستشارين الأمريكيين من المؤسسات الإنتاجية الروسية وقام باسترداد الشركات النفطية الروسية من اليهود ثم قضى على منظمات الإسلام السياسي المسلحة بالشيشان، ثم تواجد في لبنان بعد حرب تموز 2006 عبر قوات حفظ السلام الدولية التي وفدت على المنطقة لمراقبة تطبيق القرار الأممي 1701، لقد كانت عودة روسية صامتة إلى البحر المتوسط لم يلتفت إلى دلالتها الرمزية والواقعية الكثير من المراقبين ، هذا البحر الذي يشكل جزءا مهما من  الهلال الداخلي للقلب الجغرافي للتاريخ الذي يحدده  راسل في أوراسيا وفي قلبها روسيا، وهو بذلك يجسد فكرة الأب الروحي لروسيا الجديدة ألكسندر دوجين حين أوصى بضرورة تقارب الروس مع بلدان العالم الإسلامي،  وقد  وعبر  بوتين عن موقف روسيا إلى علاقاتها الخارجية بعد يلتسين بوضوح في المؤتمر الأوربي ببرلين عام 2008 محذرا الأوربيين قائلا: لقد كان سقوط الاتحاد السوفييتي خطأ جيوسياسيا.

لقد كان استفزاز الدب الروسي من طرف الأمريكان باهظ الثمن من طرف الأمريكان لما وسعوا حدود الناتو شرقا مقتربين من حدود روسيا، ففوجئوا به يلوح بالفيتو في مجلس الأمن رافضا شرعية حرب بوش الصغير على العراق، وكان الإيمان بوهم القوة المطلقة هذا، قد استفز الروس والصينيين معا، ففعلا الاتفاقية الاستراتيجية لعام 1995حتى أسفرت عن تأسيس مجموعة البركست الاقتصادية  عام  2010، وأسفر ذلك عن واقع جديد ينبؤ بنهاية الأحادية القطبية نتيجة عاملين اثنين: 

الإفراط في التوسع، وسوء تقدير قوة المنافسين...

صخر المهيف.

كاتب مغربي

  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: صخر المهيف: أمريكا ووهم القوة Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top