04‏/02‏/2023

الدكتور محمد الشرقاوي: كان يا ما كان: دراما شكسبيرية بروح مغربية!


على خلاف المنحى الغنائي الاحتفالي الذي اتسمت به "مرسول الحب"، و"عيني ميزاني" و"أغار عليك" وأغان أخرى يزخر بها الرصيد الهائل لعبد الوهاب الدكالي منذ 1959، تكتسي أغنية "كان يا ما كان"، التي غناها في حفل تكريم طلال مداح قبل أيام في السعودية، سواء في شاعرية كلماتها أو هندسة إيقاعاتها تركيبة الميلودراما الأزلية والتنافس الشرس بين قوة الخير وقوى الشر كما هي تفاصيل المعركة بين العاشقين (رمز الحلم والحب) وشيخ البلاد (كناية عن قوى التسلط والإقصاء). وتختزل أيضا التراجيديا التي تخنق أنفاس الحب في هذا الوجود بفعل نزعة التعسف. فلا تغدو مجرد قصة عذاب ومعاناة لا يستسلم العاشق لأهوائها، بل يصمّم على انعتاق حبيبته بالتسلل إلى معقل أسرها، وينتهي الحظ العاثر إلى أن يموتا معًا رجمًا بالحجر وسط نقمة أفراد القبيلة.


يروي لي عبد الوهاب الدكالي خلال لقاء جمعنا في واشنطن أنه لحّن الأغنية بسرعة وقدمها إلى لجنة التحكيم لمهرجان الأغنية المغربية عام 1985 في آخر يوم للمسابقة، وزادت مدتها الزمنية إلى ست عشرة دقيقة بما تجاوز المدة التي اشترطتها اللجنة. لكن تمّ إدراجها في المسابقة، وفازت بالتالي بالجائزة الكبرى لمهرجان الأغنية المغربية في حفل أقيم في مدينة المحمدية ذلك العام. 


من مزايا تلحين الدكالي لهذه الأغنية أن موسيقاها تتحرك عند تقاطع الطرق بين التلحين الغنائي والموسيقى التصويرية في تركيب دراما انطباعية تنتمي في حبكتها إلى فنون الرومانسية الكلاسيكية. يقول الحاج يونس في تقديره لمهارة الدكالي في هذا المنحى إن النوتة التي ركّبها في عدة مقاطع، ومنها الجملة الموسيقية المصاحبة ل"على جوادو كان هوّاد"، وأيضا "لكن السّور كان عالي.. عالي" مثلا كانت في غاية الإيحاء وإيصال الصورة إلى ذهن المستمع. 


عندما قدم الدكالي هذه الأغنية في حفل واشنطن، تعمدنا إلى خفض كل الأضواء في القاعة، وحملنا الشموعَ من فوق الطاولات ونحن نتمايل مع تموجات اللحن وتلاحق المشاهد. وكم من مرة أعدت الاستماع لهذه الأغنية وأنا أرتّب في ذهني مشاهد متخيلة بنفس البعد الدرامي بما يكون تصويرا سينمائيا رصين الإخراج، وليس حبيس المنطلق المتداول في إخراج "فيديو كليپ". وقد أغيّر حرفتي في يوم من الأيام لإنجاز هذا الحلم، وهذه أغنية تتدفق بصور إيحائية متنامية وبنية درامية متماسكة مشوقة ومثيرة حتى نهاية مأساة العاشقين.  


كان يا مكان

حكاية ترويها العجايز للصّبيان

قبل ما تنام...

يغنّيها راوي اعمى من زمان

بادئ بكلام...

و كان يا مكان

كان يا مكان...

كان يا مكان

أنا و حبيبي عاشقين الاثنين

نرعى الغنم. عايشين...

عايشين هانيين

فوق المرج الأخضر

باللّيل نباتو ساهرين. نغنّي و نحلم

و الصّبح نخرجو متعانقين

نحلمو بموسم الحصاد

نجمعو الصبا و خير البلاد

نديرو عرس. نوّلدو ولاد

هكذا حلمنا كان يكبر

و كان يا مكان

كان يا مكان...

"""""

"""""

و في يوم من الايّام

ولد شيخ البلاد

على جوادو كان هوّاد

شاف غزالي فالواد

غزالي فالواد...

اخطفها و زاد

خلّى دمعي

دمعي دمعي عليها هوّاد

ما قدرت

ما قدرت عيها نصبر

ليلة الفرح

ليلة الفرح. تألّم قلبي

تألّم قلبي. و سال الجرح

سال الجرح و كان اللّي كان

و كان اللّي كان

"""""

"""""

و قبل ما يطلّ الصّبح

و يبان ضوء الفجر

و قبل ما يطلّ الصّبح

و يبان ضوء الفجر

تسلّلت للقصر

و خطفت خطفت البدر

ناوي بغزالي نهرب

لكن السّور كان عالي

عالي...

و لمّا قفز جوادي عثر

لمّا قفز جوادي عثر

شافونا الأهالي. شافونا الأهالي

شافونا الأهالي

و اتّفضح السّر

"""""

"""""

في ذيك اللّيلة

تجمعت القبيلة

في ذيك اللّيلة

حكمت القبيلة

أنا و الخليلة. أنا و الخليلة

أنا و الخليلة. نترجمو بالحجر

أممم آآه آ آ آه

"""""

"""""

بين يوم و ليلة تنفّذ الأمر

و ماتو العاشقين متعانقين الاثنين

من أجل الحب

آه من أجل الحب

ضحّاو بالعمر

"""""

"""""

و بكات عين كل عاشقين

على اللّي اندفنو بالاثنين

في قبر واحد جنب النّهر

"""""

"""""

و بعد يومين. على جنبنا نبتت شجرة

اغصانها متشابكين

ارخات ظلها و ظلّات القبر

وردات اثنين نبتو متعانقين

باكيين بالعين لونهم أحمر

"""""

"""""

عصفور أخضر

فكل فجر. يجي يزورنا

عصفور أخضر

فكل فجر. يجي يزورنا

يغنّي حكايتنا و يدعي للله يبان الفرج

عصفور أخضر

فكل فجر. يجي يزورنا

عصفور أخضر

فكل فجر. يجي يزورنا

يغنّي حكايتنا و يدعي للله يبان الفرج

و مع الايّام صبحو العشّاق كل جمعة يزورو الشجرة

و مع الايّام صبحو العشّاق

كل جمعة يزورو الشجرة

يرشّو المقر. ماء و حنّة. حنّة وزهر

يشعلو شمعة. يذرفو دمعة يغطّيونا...

يغطّيونا بثوب حرير لونو أخضر

و مع الايّام صبحو العشّاق كل جمعة يزورو الشجرة

و مع الايّام صبحو العشّاق

كل جمعة يزورو الشجرة

يرشّو المقر. ماء و حنّة. حنّة وزهر

يشعلو شمعة. يذرفو دمعة يغطّيونا...

يغطّيونا بثوب حرير لونو أخضر

"""""

"""""

و مع الايّام صبحت حكايتنا

ترويها العجايز للصّبيان

قبل ما تنام...

يغنّيها راوي اعمى من زمان

بادئ الكلام...

بكان يا ماكان

كان يا ما كان..!

  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: الدكتور محمد الشرقاوي: كان يا ما كان: دراما شكسبيرية بروح مغربية! Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top