04‏/11‏/2022

مجيد مصدق:. 🔥في الذكرى 30 لاستشهاد الرفيق عبد السلام المودن

بقلم مجيد مصدق

الرفيق عبد السلام المؤذن،المثقف والمناضل من المؤسسين الأوائل للحركة الماركسيةـ اللينينية وأحد قيادييها البارزين.من مواليد قلعة السراغنة، بها تلقى تعليمه الإبتدائى والاعدادي،وأكمل التعليم الثانوي بمراكش.ثم تابع تعليمه العالي بكلية العلوم التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، وفي الجامعة.. وجد نفسه منغمسا في معارك ونقاشات الحركة الطلابية التي يؤطرها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب،والتي كانت في أوجها في تلك الحقبة،نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي، خصوصا بعد نكسة يونيو 1967 وما أحدتثه من زلزال هز قناعات عددا كبيرا من المثقفين والمناضلين وخلق نقاشا واسعا ساهم فيه عدد من المثقفين وقادة الفكر والسياسة، وكذا ما خلفته إنتفاضة 8 ماي 1968 بفرنسا،كل هذا انعكس على الفقيد وشغل فكره ووجدانه مما جعله يندمج كليا في نضالات الحركة الطلابية،والنقاشات الفكرية والسياسية الخصبة التي كانت تعيشها الساحة الطلابية آنذاك، مما جعله يخصص جزءا من وقته للتثقيف الذاتي.فبدأ بأمهات الفكر الماركسي.مؤلفات ماركس، أنجلز، لينين، ماو تسي تونغ، روزا لوكسامبورغ، غرامشي.. ثم الاطلاع على مؤلفات الفلاسفة الألمان.. هيجل كمثال الخ. واهتم أيضا بدراسة الحركة الوطنية المغربية ومقاومة الشعب المغربي للاستعمارين الفرنسي والاسباني، وكذا الحركات الثورية في العالم.. الرفيق المؤذن زاوج بين النضال النظري والعملي مما جعله يفرض على نفسه نظاما صارما لا يحيد عنه، إلا لظروف قاهرة..

في هذه المسيرة، كان الشاب العشريني عبد السلام الموذن من أبرز منظري الثورة في حركة 23 مارس،يزاوج بين الاجتهاد السياسي والفكر النظري والقيادة الميدانية، والعيش في السرية، إلى أن تمكنت الأجهزة الأمنية من اكتشاف ومداهمة مقر قيادة 23 مارس في الدارالبيضاء، حيث جرى اعتقاله ورميه في غياهب معتقلات سرية، وعاش مع رفاقه المعتقلين مختلف أشكال التعذيب الوحشي، قبل تقديمهم للمحاكمة، حيث كان نصيبه حكم بالسجن 32 سنة نافذة، في المحاكمة الشهيرة عم 1977 بالدار البيضاء البيضاء ، ضمن محاكمة مناضلي و مناضلات اليسار السبعيني ، منظمة 23 مارس و منظمة إلى الأمام قضى منها 16 سنة،وبعد الإفراج عنه التحق بجريدة أنوال الموؤودة ليفرغ ما في ذهنه من أفكار وطروحات وتحليلات تضرب في العمق النظام الاستبدادي،الذي ارتأى تصفيته بأي طريقة، وكانت البداية بعملية الاختطاف،يوم 19 مارس 1992، عندما خرج، كعادته في السابعة والنصف صباحا من بيته، في اتجاه محطة القطار،الدار البيضاء الميناء إلى الرباط لعمله بالجريدة ليجد نفسه بعد تعذيب نفسي وتجويع وعصابة على العينين مدة أربعة أيام متروك عنه في الخلاء قرب مدينة مراكش،

ربما تخلى النظام عن تصفيته انداك بعد الضجة التي احدثتها عملية الاختطاف،بالموازاة محاكمة الزعيم النقابي نوبير الاموي ولم تكد تمضي سوى شهور معدودات، وبالضبط يوم 5 نونبر 1992، حتى جاء خبر الرحيل في حادثة سير غامضة بمنطقة بوقنادل

بين مدينتي سلا والقنيطرة....

الشهيد الرفيق عبد السلام المودن ظلمته الحياة مرتين. ظلمته حين عرضته لاقتطاع جزء من حياته وشبابه. وتقديمه هو ورفاقه من المعتقلين السياسيين اليساريين قربانا وضحايا قمع شرس، واعتقال ظالم غاشم، تخلله كثير من العنت والتعذيب والمعاملات المخلة والقاسية، في المعتقل السري الرهيب درب مولاي الشريف،وفي غياهب السجون.خاصة السجن المركزي بالقنيطرة،وطيلة فترة الإعتقال،كانت معاناة المودن مع التعذيب النفسي أشد وطأ ومرارة. لا يخفف منها إلا شغفه المعرفي.

ثم تعرض لظلم أفظع أدى إلى إنهاء حياته في ملابسات وظروف زادت من حدة الإحساس بالفجيعة ومأساة الغياب هذا الإحساس بالفجيعة والظلم المزدوج ظل ملازما لوالدة عبد السلام المودن ويعتصر قلبها المكلوم،مما لم يكن بالمستطاع إخفاؤه . ولم يفتأ لسان والدة الرفيق المودن يعبر عنه في أكثر من لحظة من لحظات المرارة والفراق غير المهضوم .

وننشر بالمناسبة هاته المقالة التي لها مكانة خاصة لا باعتبارها كتبت في السجن، ولا باعتبار الذي كتبها كان قضى تاريخ كتابتها 14 سنة معتقلا سياسيا، ولكن وأيضا باعتبارها نصا إبداعيا يمكن تصنيئفه بدون تردد ينتمي لما يسمى بأدب السجون، يتعلق الأمر بمقالة “الزنزانة 28” والكاتب الراحل عبد السلام المودن، الذي يمر على رحيله المفجع والغامض، 30 سنة في 5 نونبر 1992...


"الزنزانة 28"

"في حياة ووعي والدتي ، التي كانت بدوية صرفة لا تغادر البيت وتعتقد بأن مركز الكون هو القرية التي فيها ولدت وترعرعت ، سرعان ما تطور وعيها بفعل احتكاكها بمؤسسات الحضارة : المحاكم والسجون . بل إن لغة والدتي هي نفسها قد تحضرت .

إنها اليوم تستعمل في قاموسها اللغوي كلمة بورجوازية بنفس التلقائية التي تستعملها وهي تتحدث عن نهر كاينو بقلعة السراغنة .

خلال هذا العمر الطويل لم تتخلف والدتي قط عن مواعيد الزيارة ، وإن تخلفت وهو ما حصل ففي حالات نادرة جدا .

لا أعرف سر كل هذا الحب الذي تكنه الأمهات للأبناء مع العلم أنني لست وحيد والدتي . فوالدتي امراة تتمتع بخصوبة جيدة إذ أنها أنجبت ثمانية أبناء كلهم أحياء.

إن صديقتي الألمانية تشبه والدتي من ناحية الوفاء والالتزام . فمنذ أن تعرفت عليها ، أو بالأحرى تعرفت علي عن طريق منظمة العفو الدولية منذ سنوات خلت حينما كانت لا تزال تلميذة بالثانوي ، راسلتني بانتظام صارم لم تخرقه قط خلال السنوات السبع من صداقتنا .

إنها تقول بلغة ألمانية أنيقة : يا للسرعة التي يمر بها الزمن! ليس من عادتي أن استمع إلى الموسيقى عندما أكون بصدد القراءة والكتابة ، لكن في تلك الليلة ، ليلة مرور 14 سنة على اعتقالي ، في تلك الليلة بالذات تملكني شيطان الخروج عن عادتي وخرقها .

لقد سيطرت علي رغبة الجمع بين بيتهوفن وتشيكوف . وضعت السمفونية الرابعة في آلة التسجيل ، وعلى أنغامها شرعت أقرا العم فانيا .

بهذا النحو رغبت إحياء على طريقتي الخاصة ذكرى مرور أربع عشرة سنة على اعتقالي . تمنيت ساعتها أن أشرب كأسا من الخمر الأحمر ، لكنه لم يكن في متناول اليد. قرأت الصفحة تلو الصفحة إلى أوقفتني تلك الفقرة التي أخذت اتأملها بذهن شارد : تعرف عندما يكون المرء سائرا في الغابة في الليل الحالك ، يكفي أن يتراءى له شعاع ضوء من بعيد حتى ينسى التعب والظلام والغصون الشائكة التي تصفع الوجه.

لقد طال تأملي ولم أنتبه للموسيقى المنبعثة من آلة التسجيل إلا بعد أن توقف الصوت .حينئذ شعرت بصمت مطبق يلفه صمت القبور ، لكن هذا الصمت لم يدم طويلا ، ففي الطرف الأقصى من الممر خرج الرفيق العظمة من زنزانته وهو يغني بصوت عال مقطع أم كلثوم الجميل : ويسأل في الحوادث ذو صواب فهل ترك له الجمال صوابا وفي الطرف الآخر كان ينبعث من راديو إحدى الزنزانات القريبة من زنزانتي صوت EDITH PIAFF وهي تغني أغنيتها الرائعة :Non, je ne regrette rien.

بالنسبة لتجربتي الشخصية في السجن ، فقد انطلقت في التفكير في ملء وقت الفراغ في التفكير في وضعي السياسي الشخصي ووضع الحركة السياسية التي أنتمي إليها . إن تفكيرا طويلا في المسألة قادني إلى القناعة التالية :

إن السبب الجوهري لتعطل حركتنا السياسية من وجهة نظري على الصعيد الذاتي يكمن في كون مواقفنا وبرامجنا السياسية توجد بدون أساس فلسفي،وفي غياب الأساس الفلسفي يصبح البرنامج السياسي مجرد ركام من الأفكار المجردة الذاتية والموضوعية،ومن هنا طرحت على نفسي مهمة تكوين نفسي تكوينا صلبا ، وذلك بدراسة علم المنطق الجدلي .لقد قرأت كل ما كتبه ماركس وأنجلز ولينين في مجال علم المنطق ، ولدى دراستي لكتاب الرأسمال ، اعترضتني إشكاليات نظرية ومنطقية بالغة التعقيد.

لقد بذلت جهدا كثيرا لفهمها وحلها بوسائلي الخاصة ، لكنني لم أفلح .الأمر الذي دفعني إلى التفرغ لدراسة منطق هيجل . ومع هيجل بدأت رحلة العذاب .لكن بشيء من الصبر والمثابرة أحرزت بعض التقدم في فهم هيجل . وكلما تقدمت في فك الأسرار الهيجيلية إلا واعترضت سبيلي إشكالية منطقية جديدة.

إن أبرز إشكالية كانت إشكالية الترجمة .لقد لاحظت أن المترجمين الفرنسيين غير متفقين مع بعضهم في طريقة نقل وترجمة المفاهيم الهيجيلية،  فكل مترجم كان يترجم أفكار هيجل حسب فهمه الخاص واجتهاده الخاص .

أمام هذه الحيرة التي واجهتني في احتكاكي مع المترجمين الفرنسيين ، اتخذت قرار تعلم اللغة الألمانية . في الواقع لم يكن ذلك القرار نابعا من مشكلة الترجمة وحدها ، فحبي الشديد لماركس وهيجل قد حفزني لتعلم اللغة التي يكتبان بها ويفكران بها.

ثم هناك شيء آخر كنت أريد أن أتراسل مع صديقتي الألمانية باللغة الألمانية . خلال تلك المسيرة الطويلة الفكرية الشاقة أرهقت دماغي إرهاقا شديدا ، وفرضت عليه إيقاعا في العمل يفوق طاقة تحمله مما قادني توا إلى انهيار عصبي حاد جعلني أقف على عتبة الجنون . لكن الأهم أنني بلغت كل أهدافي ، وأصبح في مقدوري قراءة ماركس وهيجل وغوته في لغتهم الأصلية ، ولقد تمكنت من تصور فلسفي للتاريخ والمجتمع قادر على الصمود في وجه رياح الزمن . متى سأخرج من السجن ؟ إن علم ذلك عند أصحاب الأمر والنهي ، وبصفتي بشرا ، فإنني ككل البشر المسجونين مشتاق شوق كل العشاق إلى تلك اللحظة التاريخية التي أتوحد فيها مع المرأة والجبل والبحر . أما ما أعلمه شخصيا ، فهو أن في قلبي وجسدي خزان من الطاقة الهائلة التي تمكنني من الصمود سنين طويلة إذا لزم الأمر"

 عبدالسلام المؤذن

الزنزانة رقم 28

السجن المركزي بالقنيطري


رفيقنا الشهيد عبد السلام المودن كانت له تجربة نضال و مسار حياة غنية، تترجم وجها إيجابيا يحتدى ، وطموحا معرفيا مكافحا وساميا يقتدى ، لأنه يرفع من قيمة الثقافة والفكر اليساري المغربي.وبتواضعه المعرفي، وبانشغاله بالقضايا والإشكالات الكبرى لليسار،خاصة مفهوم الطبقة العاملة،ووضعية الكادحين في المجتمع المغربي، وبترفعه عن الحسابات الصغيرة، وبنزوعه الوحدوي ، استحق محبة رفاقه. التي تبقى فوق اي اعتبار .

فلذكراك التحية،وسلاما لك يوم أن داهمك الموت المتسربل في شاحنة الغدر فى بوقنادل على طريقة الاغتيال المغربية.....

  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: مجيد مصدق:. 🔥في الذكرى 30 لاستشهاد الرفيق عبد السلام المودن Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top