02‏/08‏/2022

الرئيس الجزائري لا يقيم اعتبارا للغة الديبلوماسية

 


يبدو ان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من النوع الذي لا يقيم اعتبارا للغة الدبلوماسية او لاداب الخطاب الموجه للغير ولا يهمه ان تصدر عنه كلمات وصيغ من شانها ان تستفز الاخرين، وليس هناك ينبهه، فيما يظهر، ان فلتات اللسان Lapsus linguae تحلل باعتبارها معبرة عن حقيقة موقف المتكلم.

وقد كان لقاؤه مع صحفي، بث امس بعد تسجيله في وقت سابق، مليئا بفلتات اللسان التي سينتبه اليها لا محالة محللو الخطابات، و ستستفز من دون شك القادة الافارقة، نظرا لفجاجتها و انطوائها على ميل امبريالي واضح يعيدنا الى الحديث عن ارث الجزائر الفرنسية المستمر في لاوعي ووعي من يزعمون انهم ورثة حركة تحرر وطني قاومت الاستعمار.

ذلك ان رئيس القوة الضاربة والقوة العظمى، كما يسميها هو نفسه، لم يتردد في القول بصراحة، لا تختلف عن الوقاحة، "نريد حصتنا من افريقيا"، هكذا، وكان افريقيا بقرة تم دبحها بغرض اقتسام لحمها، وهو قول يذكر بما قاله قادة الدول الامبريالية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في مؤتمر برلين وبعده، حين اشتد الصراع بين يملكون مستعمرات كثيرة ومن ينافسونهم للفوز بحصص من القارة (Having vs No having) و ادى الى الحرب العالمية الاولى.

وزاد الرئيس على ذلك بان عين من يحق لهم في القارة اقتسام البقرة المدبوحة وحددهم في ثلاثة لا شريك لهم: الجزائر في الشمال و نيجيريا في الوسط وجنوب افريقيا في الجنوب، مستشهدا للمرة الثانية في خرجاته الاعلامية بدراسة اعدتها جهة امريكية سنة 1994 حسبه، ولا احد عرف عنها شيئا ولا وجود لها الا لديه ربما، نظرا لكونها مرجعيته ومرجعية السياسة الافريقية والخارجية للنظام الجزائري، والبين ان اختياره للدول الافريقية الثلاث لا ينطلق من حجم الثروة الوطنية، لان الناتج الداخلي الخام المصري مثلا يتجاوز الناتج الجزائري بكثير بدون البترول والغاز، او من عدد السكان، اذ ان عدد سكان مصر يتجاوز ضعفي سكان الجزائر، او القوة العسكرية، لان قوة مصر العسكرية متفوقة كما نوعا عن القوة الجزائرية حسب التصنيفات العالمية، واتحاشى هنا المقارنة مع المغرب و اختلاف الديناميات و مستوى تطور البنيات التحتية والقطاعات الانتاجية وغير ذلك. الرئيس الجزائري يفكر من داخل منطق الجزائر الفرنسية كما اسلفت، ويمني النفس ايضا بان يكتسب الوضع الاقليمي لجنوب افريقيا في جنوب القارة، حيث تفرض هيمنتها على محيطها الغارق في التخلف والفقر و عدم الاستقرار، دون ان تكون له قدرات بلد نيلسون مانديلا على اي صعيد او مستوى، و في هذا السياق كانت اشارته الى مصر "في الجهة الاخرى" مشحونة بحقد لم يستطع اخفاؤه على مصر التي تمثل بالنسبة اليه، ولنظام الجنيرالات الفاشل، عقدة، ليس بسبب دورها في ليبيا حيث تواجه وتفشل العمل التخريبي للمخابرات الجزائرية واذنابها، بل وايضا لاسباب اخرى، تندرج ضمنها التحالفات الاقليمية والعلاقات مع المغرب، كما تندرج ضمنها الديناميات الاقتصادية والتنموية بمصر.

و حين تحدث رئيس القوة المضروبة بهذه الطريقة الامبريالية عن افريقيا، فان المغرب كان حاضرا في خلفية كلامه بقوة، اذ يقارن في العمق بين نجاح الاستراتيجية الافريقية القائمة على منطق التنمية المشتركة ورابح-رابح وبين فشل الجزائر حتى في تسيير خط بحري الى موريتانيا، والفشل في ان تكون الجزائر فاعلا في تنمية التنمية في القارة، التي انطلقت فعليا في بداية الالفية الجديدة وما تزال تواجهها تحديات كبيرة، وهو ما اعترف به، وهذه ايضا من فلتات لسانه التي تقود اليها الثرثرة، عندما اشار الى ان الجزائريين لم يستثمروا في افريقيا، وكانهم يستثمرون اصلا في الجزائر دون خوف من انتقام الجنيرالات، وهي اشارة تحيل على تصريح سابق له قال فيه "المغاربة كلاونا فافريقيا"، ويعترف رئيس القوة المخروبة ايضا بان المغرب يحظى اليوم بثقة واحترام الدول الافريقية نظرا لدوره الاستثماري والتنموي المنتج للقيمة المضافة وايضا نظرا لكونه يتعامل باحترام كامل لاشقائه الافارقة ويعاملهم على قدم المساواة و يبتعد عن اي احلاف تروم السيطرة على القارة او انتهاك سيادة دولها واستقلالها، وهذا ما انعكس بوضوح على التوازنات داخل الاتحاد الافريقي مند عودة المغرب وما من شانه ان يضع نهاية لخرق المقبور ايدم كودجو، الامين العام لمنظمة الوحدة الافريقية في ثمانينات القرن الماضي، الذي ترتب عليه ادخال كائن مصنوع في مكاتب مخابراتية ومسخر لا هداف مكشوفة الى المنظمة القارية ضدا على كل مقتضيات القانون الدولي التي تعرف الدول وخصائصها.

وقد بات مؤكدا ان جزءا من اجوبة الرئيس تبون على اسئلة الصحفي متعلقا بالمغرب قد حدف بعد خطاب الملك محمد السادس الذي فاجا باستمراره في اليد الممدودة، و لا استبعد ان ذلك الجزء، الذي قيل بانه غطى 20 دقيقة، كان مليئا بفلتات اللسان و بالكلام الذي لا يليق ان يصدر عن رئيس دولة، او عن اي مسؤول في دولة، اذا كانت هذه الدولة مسؤولة فعلا وكان مسؤولوها يعون ويقدرون مسؤولياتهم، ولننظر كيف يتحدث بوتين و رؤساء الدول والحكومات في الغرب، وكيف تلجا الادارة الامريكية الى تصحيح فلتات لسان بايدن.

لست ادري كيف سيكون رد فعل عدد منالدول الافريقية على الكلام التحقيري الذي قاله الرئيس الجزائري في حقها، لانه اعتبرها لاشئ وقابلة للاقتسام كبقرة مدبوحة او كعكة بلا ادنى احترام لسيادتها وشخصيتها الوطنية والدولية، لكنه من المؤكد جدا ان الجميع سيمج هذا الاسلوب الجارح الذي ينتمي الى زمن مضى، زمن الاستعمار.

محمد نجيب كومينة


شارك المنشور اذا أثار انتباهك


  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: الرئيس الجزائري لا يقيم اعتبارا للغة الديبلوماسية Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top