10‏/08‏/2022

🔥في ذكرى الرحيل🇵🇸 محمود درويش.. قصائد ثورية برائحة الأرض والدماء والمعتقلات والمنافي



وفي ذكراه 14 ما زال درويش صوت الثورة والإثارة،سلطان الكلمة المجنحة،وصوت القلق الفلسطيني، ورغم كل تلك السنين التي عبرت على جسد القصيدة الدرويشية، فما زال الألم يكبر وينضج في محاريب الزيتون التي يحصدها الآن لهب الاحتلال الصهيوني.

في الثالثة من عمليات قلبه المفتوح توقف عداد النبض،سقطت الريشة وتدفقت قارورة المداد المُضمَّخ بالدم والعطر والغربة والأشجان، والتف البساط الأبيض على جداريته الفلسطينية وجسده النحيل، كانت جدارية قلب بطول فلسطين وعمق مأساته، نقشت عليه الحضارات والشعوب والأمم والثقافات تعاويذ الحياة وأساطير النشأة.

كانت تلك الجدارية -التي كتبها وهو يغالب الألم وغاز التخدير الساري في جسمه المترنح- نهاية قلم عاش فلسطينيا مسافرا في أروقة الشتات والغربة، قلم يمثل كل طموحات فلسطين، وصهيل جبروت المقاومة، وترانيم السلام والوحدة والصراع والاقتتال الداخلي، كان درويش خارطة الألم والأمل الفلسطيني المعاصر،بكل توهجه وطموحه وصبره ومقاومته، أو سلامه ومفاوضاته، كان كل ذلك، ولذلك جاء شعره مدويا بذاكرة الأرض والإنسان.

كان درويش مسافرا على صفحات الأيام، تاركا في ذاكرة السنين أصداء 30 ديوانا، ومسيرة عمر ثقافي طويل انتهى عداده في التاسع من غشت سنة 2008.

في قرية البروة خطّ درويش أول آثاره على أديم فلسطين، كان ذلك في 13 مارس سنة 1941 بالجليل ذات التاريخ الذي يصافح القرون والغيوم، غير أن النكبة المؤلمة لم تمهل الفتى درويش، فقد نزحت به أسرته إلى لبنان وهو ابن سبعة أعوام، ولم تكن أسرته من أسر الجاه والثراء، بل كان أبوه حجّارا، فحمل في حياته هوية الأسى وعنوان الشتات.

سجّل أنا عربي..

أبي من أسرةِ المحراثِ

لا من سادةٍ نجبِ

وجدّي كانَ فلاحاً

بلا حسبٍ.. ولا نسبِ

يعلّمني شموخَ الشمسِ قبلَ قراءةِ الكتبِ

وبيتي كوخُ ناطورٍ

منَ الأعوادِ والقصبِ

فهل ترضيكَ منزلتي؟

أنا اسم بلا لقبِ

سجّل أنا عربي..."

بعد سنتين من الغربة،عاد متخفيا الى قريته،فجدها قد دمرت،فلخص فترة طفولة النازحين هده بالقول"يعلّمني شموخَ الشمسِ قبلَ قراءةِ الكتبِ".. 

بدأت رحلة درويش مع الشعر في الابتدائية ثم الثانوية، وكان لأستاذه نمر مرقس دور كبير في توجيه وتشذيب الموهبة الفتية التي تبرعمت بها فتوته. 

كان ديوانه "عصافير بلا أجنحة" باكورة دواوينه الثلاثين التي عبرت فجاج الأرض، وترجمت إلى لغات متعددة، ففي حدود عام 1960 صدر ذلك الديوان لشاب مغمور يرفع هامته إلى حاجز العشرين سنة، ثم تتالت بعد ذلك الدواوين كحبات خرز مقدسية، أو كحركة عداد الشهداء في أرض الزيتون والدماء والمقاومة،أن آثاره الشعرية تمثل تجربة أدبية متكاملة، بقضاياها الوطنية والقومية،

وصورها الشعرية ونفسها التجديدي، وأن الأثر الوجداني العميق الذي تركه درويش في نفوس المتلقين، قلّ أن يوجد لدى غيره من الشعراء المعاصرين.

في شعر درويش ظاهرة فنية أكبر من كونه ظاهرة أدب وطني، كما أنه ظل دائما وفيا للحظة الشعرية، ولم تسيطر عليه لحظة الزمن المفعم بأحداث فلسطين، فهو يخترق اللحظة ولا يخضع لها.

اعتقله المحتل الصهيوني سنة 1961، قبل أن يفرج عنه ليخوض غمار الحياة من جديد، ويصف سجنه الأول بأنه -مثل الحب الأول- لا يُنسى. وقد تعددت محطات السجن في حياته، ومنها على سبيل المثال سجنه عندما شارك دون تصريح من لقطاء العصابات الصهيونية في أمسية لاتحاد الطلاب العرب في حيفا، حيث ألقى قصيدته:

لأجمل ضفة أمشي

فلا تحزن على قدمي

من الأشواك

إن خطايَ مثل الشمس

لا تقوى بدون دمي

لأجمل ضفة أمشي

فلا تحزن على قلبي

من القرصان..

إن فؤادي المعجون كالأرضِ

نسيم في يد الحبّ

وبارود على البغضِ!

في سنوات شبابه هده تأثرت موهبته بموارد أدبية متعددةوبعد أخر خروج من السجن كان ميلاد قصيدته الشهيرة "أحن الى خبز أمي"،سافر درويش إلى العاصمة الروسية موسكو

وأقام فيها فترة قبل أن ينتقل إلى القاهرة حيث اتم دراسته الجامعية، ثم رحل الى لبنان، وقد تولى هناك رئاسة مركز للأبحاث الفلسطينية، ضمن وظائف متعددة في قيادة الهم الثقافي للأرض المحتلة، منها على سبيل المثال رئاسة تحرير مجلة شؤون فلسطينية، ورئاسة رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، إضافة إلى تأسيس وإدارة مجلة الكرمل الثقافية في بيروت عام 1981،وعاش حصار وسقوط بيروت ورحيل قوات المنظمة الى الشتات بأمر امريكي صهيوني وتواطئ عربي،قبل أن تنفتح له نافذة نحو السياسة بانتخابه عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية سنة 1988، ثم مستشارا بعدها للراحل ياسر عرفات.وفي تلك السنة تحديدا تولى درويش تحرير إعلان الاستقلال الفلسطيني سنة 1988، قبل أن يغادر المشهد السياسي سنة 1993 مستقيلا من منظمة التحرير الفلسطينية، احتجاجا على اتفاقية  أوسلو،التي اعتبرها استسلام،وكانت القطيعة بينه وبين جماعة "سلطة" أريحا اولا.. لعرفات وعباس،ليعود في السنة الموالية (1994) إلى رام الله، مصطبغا من جديد بالثرى والدم الفلسطيني.

وعبر ثلاثون ديوانا.. عصارة مسيرة شعرية مملوءة بالألم والأمل،غرس محمود درويش أقدامه في الأدبية الشعرية، وظل يسمو صعدا على درجات أسستها دواوينه الثلاثون، حتى وصل القامة العليا في سماء الإبداع الفلسطيني، ليكون الصوت الفلسطيني الأكثر صدى في التاريخ المعاصر لأرض المآذن والأنبياء والشهداء، لفلسطين عاش، ومات احتراقا في هوى الوطن:

أموت اشتياقاً

أموت احتراقاً

وشنقاً أموت

وذبحاً أموت

ولكنني لا أقول

مضي حبنا وانقضى

حبنا لا يموت

حبنا لا يموت"

مع مرور الزمان صقلته التجارب والمنافي،وتطور حسه الفلسفي والشعري، فبدأ طغيان الجوانب الاستثنائية الانسانية على شعره،


وبدأت قصائد تحمل سمة آنسانية عميقة،وبدت لغة الامل ومعنى الامل اكثر المعاني التي تفيض بها قريحته الشعرية دون التزحزح عن مبدأ الالتزام السياسي بالقضية،فقد عمل على صياغة مفهوم انساني للهوية الفلسطينية،فكان الرهان على موقف اخلاقي يعزز من معنى المقاومة كشرط للتحرر الانساني،وامتدت هده الرؤيا لتشمل ديوان "حالة حصار" وقصيدة طباق" التي اهداها لرفيقه الاكاديمي الفلسطيني البارز الراحل إدوارد سعيد،

وطوال مسيرته الشعرية التي امتدت على ضفاف 48 سنة، ترك درويش بصمة خالدة في ذاكرتين متناغمتين، ذاكرة الأدب المقاوم، فكان بذلك ترجمان الألم والأمل والأشواق الفلسطينية، أما الثانية فهي ذاكرة الأدب العربي الحديث، إذ يعتبر أحد الأيقونات الزاهرة في سماء الشعر الحر.

ومن أشهر الكتابات الأدبية التي خلفها درويش:

– أوراق الزيتون.

– عاشق من فلسطين.

– مديح الظل العالي.

– حالة حصار.

– أصدقائي لا تموتوا.

– العصافير تموت في الجليل.


أخذ محمود درويش مساحة واسعة في دائرة الضوء الأدبية المعاصرة، فظل دائما طيفا ماثلا في مرآة المبدعين، وقد صدرت عنه عشرات الدراسات،ودارت حول أدبه مطارحات أدبية ونقدية متعددة، بين من رأوا في أدبه التجديد الأسمى والشاطئ الرقراق للصورة الشعرية الجديدة، واللسان الأكثر صراحة وإبداعا في رسم قصة الشتات.بينما رأى آخرون فيه مجرد قلم شعري من أقلام فلسطين الملتهبة، بل هبط به آخرون ليروه مجرد أديب عاش عمرا من التناقضات، وتقرب بأدبه إلى جلاديه، وصنع بفكره مساحات للتلاقي والتقارب والحوار مع القاتل الذي أراق رصاصه دم الطفولة،وأزهق براءة الزيتون في زهرة المدائن،وهؤلاء يجهلون الواقع الفلسطيني داخل الارض المحتلة،وينظرون من البرج العاجي وخارج ارض المعركة،

ويزايدون على القصيدة الدرويشية.. صخب الثورة والإبداع والنقد...

وكان آخر ما نشره نصه المسافر "أنت منذ الآن غيرك" الذي ظهر يوم 17 يونيو 2007، أي قبل نحو عام من رحيله.


نال الراحل محمود جوائز أوسمة شرف متعددة منذ بداية مسيرته الأدبية،من كل أطراف العالم متوجة شاعر الثورة وغصن الزيتون،ومنها على سبيل المثال:

– جائزة لوتس 1969.

– جائزة البحر المتوسط 1980.

– درع الثورة الفلسطينية عام 1981.

– لوحة أوروبا للشعر 1981.

– جائزة ابن سينا 1982.

– جائزة لينين سنة 1983.

– جائزة الأمير كلاوس في هولندا سنة 2004.

– جائزة العويس الثقافية مناصفة مع أدونيس سنة 2004.


ومع النصف الثاني من العشرية الأولى من القرن الحالي، بدأت الأوجاع تنساب من قلب درويش إلى جسده، وأخذ الألم يقتات من بدنه النحيل وقامته الفارعة، قبل أن يكسره المرض،ويغادر الدنيا في المركز الطبي في هيوستن الأمريكية في 9 غشت عام 2008، ليعود محمولا على الأعناق إلى بلاده، حيث ووري الثرى في قصر الثقافة بمدينة رام الله، منهيا بذلك رحلة شاعر اختصر الوطن بكل آماله وآلامه في خريطة دواوينه العابرة للغات والثقافات...


مجيد مصدق
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: 🔥في ذكرى الرحيل🇵🇸 محمود درويش.. قصائد ثورية برائحة الأرض والدماء والمعتقلات والمنافي Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top