الاثنين، 22 أغسطس 2022

أنثروبولوجية يقطين تدوس التاريخ والجغرافيا في جدل الصحراء. : إسماعيل طاهري

إسماعيل طاهري 

 عندما يكتب الكثير من الكتاب المغاربة عن الشأن المحلي المغربي في منصات إعلامية مشرقية يقلدون الاسهال الإنشائي المشرقي الذي يقول الشيء ونقيضه ويصير موقفهم ضبابيا عصي الفهم كان المقصود هو اللافهم نفسه.

وهذا ما سقط فيه الدكتور/ الناقد سعيد يقطين في مقاله حول "التاريخ الثقافي والجغرافيا السياسية" المنشور يوم الاحد 21 غشت على صفحته على الفيسبوك وفي موقع جريدة القدس العربي. والذي توقف فيه عند تداعيات تصريحات احمد الريسوني رئيس اتحاد علماء المسلمين.

وعوض أن يقول كلمته في السجال حول تاريخية مغربية موىيطانيا والصحراء الشرقية، وهو المنتمي فكريا وسياسيا الى الى اليسار ( المنظمة "ب" سريا وشرعيا) حاول مسك العصى من الوسط ليظهر بمظهر الناقد/المحلل السياسي المحايد. الذي لا يود استعداء أحد.

وان بدأ أنه ناصر الطرح التاريخي الذي تكلم عنه الريسوني، فيقطين  أغفل الطرح الشرعي الذي استند عليه الريسوني أيضا والمتمثل في البيعة الثابتة لاعيان وعلماء بلاد شنقيط للعرش الملكي المغربي.

فقفز على هذا المعطى وعومه في مفهوم "التاريخ الثقافي" ليتوقف عند الجغرافيا السياسة بالمنطقة التي اعترف أنها قفزت على المعطى التاريخي أو الجغرافيا السياسية السابقة التي تغيرت بفعل  الإستعمار الأجنبي الذي قطع أوصال المغرب الكبير وحوله الى خمس دول هي بمثابة "جغرافية سياسية جديدة".

وعوض أن يفكك هذه الجغرافيا السياسية الجديدة ويبين عدم شرعيتها التاريخية والشرعية من جهة، وأنها اليوم تمثل أكبر عاىق أمام تقدم المغرب. لكونها "صناعة استعمارية". حاول تبرير الواقع الحالي وكأنه قدر محتوم يكفي لتجاوزه فتح الحدود. بل وذهب الى نسف أطروحتي التاريخ الثقافي والجغرافية السياسية والفول أنهما ضد الأنثروبولوجيا: الإنسان المغاربي الذي وحده التاريخ الثقافي، وشكل وجوده ووجدانه.

وأخطر ما جاء في عرض يقطين هو التشكيك في تشبث الشعوب المغاربية في تاريخها وانتمائها الوطني للدولة/ الجغرافية السياسية الموروثة عن الإستعمار، وادعى أن ما يهمهم اليوم هو السفر الى الخارج (الهجرة الأبدية) للبحث عن المستقبل/ اليورو، وكان همها الوحيد هو العيش على النمط الحيواني الغريزي:  الاكل والشرب والتوالد وكل مظاهر الاستهلاك بلا قيم ولا تاريخ ولا جغرافيا.

وهنا يمكن القول إن ملايين المهاجرين المغاربة خارج المغرب (الذي يهمنا هنا والآن) بشكلون أكبر مورد للعملة الصعبة في ميزانية الدولة، وقد تجاوزت سنة 2021 مئة مليار درهم(10 ملايير دولار). وهذا يعني استمرار ارتباطهم العضوي بعاىلاتهم الممتدة عبر تراب "الجغرافيا السياسية الحالية" للمغرب. 

هل نسي الدكتور يقطين أن المغرب بعد ألصين أقدم دولة في العالم، وهو دولة قديمة و ليست صناعة استعمارية ولا ينطبق عليها ما ينطبق على الجزاير أو موريطانيا مثلا. الا ما يتعلق باجتزاء أقاليم منها وتكوين كيانين جديدين هما الجزائر وموريتانيا بقوة الحديد والنار الإستعماريين، بتواطؤ مع نخب سياسية في المغرب الكبير.

وبالتالي فالتاريخ بالنسبة المغرب هو صانع جغرافيته السياسية، ولا يمكن القفز على هذا المعطى. والا فما معنى أن تكون سبتة ومليلية والجزر الجعفرية وجزر الكناري مغربية وهي المحتلة لمدة خمسة قرون؟

أليس من بؤس الواقعية السياسية والرضوخ لمنطق الجغرافيا السياسية (المفترى عليها) مجرد التفكير في التخلي عن الثغور والجور المحتلة، فما بالك بالتفكير في التخلي عن الصحراء المغربية- " في دائرة حدود المغرب الحقة قبل الإستعمار الفرنسي للجزائر سنة 1830"- 

فالصحراء تمثل العمق الإستراتيجي لدولة المغرب منذ الممالك الأمازيغية مرورا بالدولة الإدريسية قبل 12 قرنا والى يوم الناس هذا. ولا وجود للمغرب بدون عمقه الإستراتيجي هذا، فمعظم الدول/ الأسر التي حكمت المغرب جاءت من الصحراء. تغيرت الاسر الحاكمة وتغيرت العواصم، وذهب الإستعمار المباشر وبقيت توابعه ( كصناعة استعمارية لا بد أن تفنى) ولم تتزحزح جبال الريف والاطلس والسهول والواحات في الصحاري عن مكانها وظلت تحضن مجتمعنا موحدا في تعدده  يجمع الأمازيغ والعرب والمورسكيين والافارقة واليهود في لحمة استثنائية جعلت المغرب من البلدان النادرة التي لم تشهد حروب أهلية مدمرة في مجمل تاريخها الطويل.

وبالتالي فالمغرب في دائرة حدوده الحقة ليس صناعة استعمارية، خلافا للجزائر (بعضمة لساني الرىيسين الفرنسيين دوغول وماكرون) وكذلك الامر بالنسبة لموريتانيا ومشاكل الصحراءين المغربيتين الغربية والشرقية فهي صناعة استعمارية كذلك.

فقضية الصحراء المغربية قضية وجود وليست قضية حدود:  فالملك الراحل الحسن الثاني وعى متاخرا أن التفريط في موريتانيا والصحراء هو أكبر مهدد لوجود الدولة والملكية في المغرب. لذلك تحرك سريعا بعد محاولتين انقلابيتين في 1970/71 واحداث مولاي بوعزة في 1973 وميلاد البوليساريو في 1973 ودعا الى المسيرة الخضراء التي حسمت الملف سلميا و "جزىيا" على الأقل، ولو واجهتها قوات فرانكو بالقوة لاندلعت حرب تحرير شعبية ونظامية.

وانطلاقا من هذا الوعي بوجودية الصحراء بالنسبة للمغرب قال الملك محمد السادس في خطاب ثورة الملك والشعب أن:" الصحراء المغربية هي نظارة المغرب على العالم".


  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات
Item Reviewed: أنثروبولوجية يقطين تدوس التاريخ والجغرافيا في جدل الصحراء. : إسماعيل طاهري Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top