![]() |
المحلل السياسي المغربي المقيم في فرنسا الأستاذ محمد اليوسفي |
في تطور لافت للعلاقات بين مدريد والرباط وفي ما يشبه مسيرة جديدة لتحرير الثغر المحتل، تدفق آلاف المهاجرين المغاربة على مدينة سبتة السليبة في خطوة تصعيدية على خلفية تعاطي مدريد مع ملف الانفصالي ابراهيم غالي وما سبق ذلك من مواقف متواترة معادية لملف القضية الوطنية.
ورغم نفي الرباط اي صلة لها بالموضوع ،إلا أن المتتبع لمسار العلاقات مع الجار الشمالي للمغرب لن يعدم حالات مشابهة تم فيها معاقبة مدريد بالسماح بتدفق المهاجرين وتهديد ما تعتبره اوروبا أمنها الداخلي.
وليس المغرب الوحيد بين الدول المجاورة للإتحاد الأوروبي الذي يلجأ لورقة المهاجرين للضغط لانتزاع مكاسب سياسية و اقتصادية، فاردوغان تركيا يحسن إستعمال هذه الورقة بشكل جيد لدفع الاتحاد الأوروبي لدعم مشاريعه في إيواء النازحين السوريين وإعادة جزء منهم لبلادهم. الفرق الوحيد ان اردوغان لا يتاجر بمواطنيه بل مواطني دول أخرى مجاورة.
في روايته المشوقة " انهيار سد مالباسي" يعود الكاتب دافيد برزيزينسكي David Berzezinski ليسرد بشكل مثير تفاصيل اكبر فاجعة هزت فرنسا في القرن العشرين عندما انهار سد "فريجيس" Fréjus ليخلف مآسي انسانية و دمارا هائلا لا زالت اثاره قائمة حتى اليوم.
المغرب الذي له باع طويل في إنشاء السدود، يشرف ايضا منذ سنوات على سد من نوع اخر يقوم بدور مهم في حماية الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي من تدفق المهاجرين مقابل مساعدات مالية وامتيازات اقتصادية وسياسية. والحقيقة أن المغرب يبدي تعاونا جديا في ملفات كثيرة على صلة بالأمن الداخلي والخارجي للاتحاد الأوروبي وكان حريصا على تسويق انجازاته خصوصا فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب والجربمة المنظمة.
فما الذي تغير اليوم ليضطر المغرب الى استعمال ورقة الهجرة وتهديد منظومة العلاقات الأمنية مع جيرانه الأوربيين وماهي التداعيات الممكنة لهذا التوضيف؟
يدرك المغرب بشكل جيد ان الاتحاد الأوروبي يعيش ضعفا وانقساما غير مسبوق في تنسيق مواقفه في عدد من الملفات أهمها داخليا تدبير تداعيات وباء كورونا وآفة البيروقراطية المستشرية داخل دواليب مؤسسات الاتحاد الذي تلقى ضربة كبيرة مع البريكست. وخارجيا في الهيمنة الأمريكية على حلف شمال الأطلسي و غياب إجماع سياسي حول التعامل مع التهديدات الأمنية في جنوب وشرق المتوسط.
غير أن هذا لا يكفي لفهم هذا الجرأة غير المسبوقة في التعاطي مع دول الاتحاد الأوروبي، إذ يجب الانتباه سواء في الازمة القائمة مع ألمانيا أوالحالية مع اسبانيا ان المغرب يدير ازمته الدبلوماسية مع هذه الدول بمفردها دون أن يمس ذلك الاتفاقيات التي تحكم علاقاته مع الاتحاد ككتلة سياسية واحدة.
ففي سياق الازمة الجديدة مع اسبانيا يجب ملاحظة أن السماح بتدفق آلاف المهاجرين مس مدينة سبتة فقط وشمل بشكل كبير مرشحين للهجرة من أصول مغربية مما يجعل الأزمة تطال مدريد بشكل مباشر وتندرج في إطار تعقيدات العلاقة معها فيما يخص ملف الصحراء رغم ان الثغر المحتل ينتمي قانونيا وجيوسياسيا لمجال الاتحاد الأوروبي. فهل يؤشر هذا على دور جديد للمغرب في المساهمة في تفكيك وإضعاف الاتحاد الأوروبي بعد ازمة البريكست بايعاز من امريكا؟ ام ان الازمة الحالية مع اسبانيا وقبلها ألمانيا أزمة عابرة وتنتهي بنجاح الدبلوماسية المغرببة في تغيير موقف برلين ومدريد من ملف الصحراء ومنع اي تقارب ممكن لهما مع الجزائر على حساب مصالح المغرب؟
واضح جدا اليوم ان المغرب بعد توقيع اتفاق التطبيع مع إسرائيل وما رافق ذلك من اعتراف أمريكي بمغربية الصحراء قد أصبح أكثر جرأة في التعامل السياسي والدبلوماسي مع ملف القضية الوطنية وأنه قد انتقل من موقع دفاعي مرتبك الى موقع اخر يمكنه من تعزيز نفوذه والدفاع عن مصالحه الحيوية في السياق الجديد للعلاقات الدولية. ومع ذلك يجوز لنا أن نتساءل: هل لهذا الموقع الجديد وأوراق الضغط المستعملة من تداعيات سلبية محتملة على علاقات المغرب مع شركائه الأوروبيين؟
مبدئيا لا جدال في أحقية المغرب في الدفاع عن مصالحه الحيوية خصوصا ما يتعلق منها بإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء، إلا أن ذلك لا يجب أن يتم على حساب اللعب والمتاجرة بحياة وأحلام شباب مغربي هو في نهاية المطاف ضحية لسياسات التجهيل والتفقير الممنهجة التي جعلت ملايين من المغاربة تفضل الارتماء في احضان المجهول على حساب الإنتماء للوطن، دون حديث عن تداعيات هذا التوظيف على صورة المغرب حقوقيا وسياسيا بعد أن تنتهي ازمة كورونا ويعيد الاتحاد الأوروبي ترتيب اوراقه مجددا.
ان القوة التي تظهر بها الدبلوماسية المغرببة اليوم هي للأسف الشديد نتاج لتعاطي سياسي انتهازي وغير انساني مع مأساتين: مأساة الشعب الفلسطيني و توقيع اتفاقية التطبيع ومعاناة شباب مغربي يحلم بالهروب من واقعه المرير.
محمد اليوسفي*
*محلل سياسي مغربي مقيم في فرنسا