الثلاثاء، 4 مايو 2021

أفق الموت السريري للصحافة الحرة بالمغرب؟ بقلم : اسماعيل طاهري




نحتفل في عز الربيع باليوم العالمي للصحافة بألم وصحفيين ومدونين مغاربة وراء القضبان بمحاكمة وبدونها. 


نهتبل الاحتفال بكل عزاء، وصحافتنا الحرة المكتوبة تحتضر بعد إعدام الأغلب الأعم من الصحف المستقلة خلال العقد الأخير. ودخول ما تبقى من الصحافة الحزبية والقريبة من السلطة (صحافة الحزب السري) مرحلة الإنعاش الطبي والتنفس الإصطناعي، وقد ضربتها تداعيات كورونا في مقتل. وصارت أجور العاملين فيها مرهونة بدعم الحكومة. أما الصحافة الجهوية فقد دخلت منطق الثالث المرفوع.

وهذا الوضع أعاد موضوع حقوق الانسان في المغرب الى الواجهة، لكون الصحافة هي مرآه أي بلد ديمقراطي يحترم نفسه والتزاماته الدولية ذات الصلة بالديمقراطية وحقوق الإنسان.

والصحافة بوصفها ناقلة خبر ورأي: رأي الصحفيين وصناع القرار وكتاب الرأي والمؤثرين في مواقع التواصل الإجتماعي. بكل حرية ونزاهة وموضوعية. صارت مهددة في وجودها في بلادنا.

اليوم تزداد المرارة حدة بل ويتنامى الإحباط من عدم تقدم حرية الرأي والتعبير وحرية الوصول الى المعلومة، مما جعل معظم الجسم الصحفي يدخل قاعة الانتظار، ويسود داخله توجس وتقية، وازداد منسوب الرقابة الذاتية. لدرجة  لم تعد المهنة مغرية أمام تغول السلطوية وسطوة رساميل  الأعيان على الإعلام الخاص.

والصحافة اليوم في المغرب أمام خيارين:

إما المواجهة مع السلطة وحاملها والمستفيدن من جبروتها وريعها. (فكلما كان الصحفي مهنيا في المغرب كلما اقترب من أبواب السجن. أو "التتريك".)

وإما الدخول الى بيت الطاعة، و"أكل الخبر" والتسبيح مع العياشة.. بيت الطاعة الذي يحاول جاهدا تقنين جعل الصحافة مهنة مستخدم كقن من أقنان الضيعات الفيودالية.

والحال أن الصحافة هي منتوج من منتوجات عصر الأنوار، كانت ولازالت مهمتها الحقيقية هي حماية المواطن من شطط حاملي السلطة والثروة. ومحرضة على التغيير الشامل. 

المواجهة تعني نقل الخبر الصحيح ونقل رأي غير حامل السلطة أو حاملها بغض النظر عن السياق. فلا أمل في صحافة تخضع لإكراهات السياق والسنن والأعراف والتقاليد البالية بالضرورة.

ومهمة إعلام بيت الطاعة هذا،هي نقل رأي السلطة فقط وتلميعه وإعادة تدويره واشاعة تحاليل سطحية أقرب الى الروايات الأمنية وتحذير الناس من عدم الاقتراب من الخطوط الحمراء التي يقف على حمايتها  سدنة المعبد من خدام الدولة وأجهزة الأمن والجيش ورجال الدين الرسمي ومذاهبه ونحله وكذا الوحدة الترابية للمملكة. ومنابر هذا التوجه هي الإعلام العمومي والاعلام التجاري الربعي الخاص الذي تحول في أغلبه إعلام ترفيهي رجعي، يوظف لخدمة أجندة ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان. وصار الإعلام الخاص أكثر شراسة من الإعلام العمومي. وكل من خرج عن السرب ف"الضرب تحت الحزام" جاهز  لردعه، فالمساطر جاهزة والتهم جاهزة، وقبل ذلك وبعده فالنيران الصديقة ستتكفل بشحد السكاكين وإعداد المقصلة.

أفق الموت السريري للصحافة الحرة بالمغرب لا يمكن أن يكون ديمقراطيا، إنه أفق تحكمي في المشهد العام سياسيا واقتصاديا وثقافيا. 

وهدف هذا الأفق هو دفع المشهد العام الى أقصى درجات "التفاهة" التي صارت دولة داخل الدولة لها نظامها وحرسها وإعلامها ومحللوها وأحزابها ومجتمعها المدني. حتى يسهل إعادة هيكلة المشهد العام والتحكم فيه بآليات ضبط جديدة تراعي المصالح المرعية للسلطة.

لكن مقاومة هذا الأفق على المستوى الإعلامي لن تهمد مهما كانت وسائل الضبط من تضييق على الصحفيين والمدافعين عن الديمقراطية، وقد يدخل بعض الصحفيين السجن ويشرد أو ويهاجر آخرون المهنة، لكن فكرة حرية الصحافة لن تموت:

فبعد نجاح نسبي في اختراق نقابة الصحفيين، وضعف أداء " الهاكا"  وانقلاب السلطة على فدرالية الناشرين وخلق جمعية بديلة. ومحاولة احتواء الجسم الصحفي في مؤسسة المجلس الوطني للصحافة.، فهو نجاح مؤقت وهش، وغير مبني على أسس متينة. ف"من جوف السجون يخرج الثوار" ولكل مرحلة روادها و"لكل زمن رجاله". كما يقول المثل الدارج.

****.   ****

والخلاصة المؤلمة هي فشل المغرب في تحقيق انتقال إعلامي ديمقراطي رغم كل الانجازات التقنية والفنية المستوردة. والصحافة المغربية الحرة والمستقلة تتجه نحو الموت السريري، هذا أمر لا جدال فيه. الا من اراد ان يتعامى.

وإذا استمر فشل هذا الإنتقال لمدة طويلة فإن "نظام التفاهة" سيحول المغرب رويدا رويدا الى دولة شمولية في المدى القريب، ثم دولة فاشلة في المدى المتوسط.






  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات
Item Reviewed: أفق الموت السريري للصحافة الحرة بالمغرب؟ بقلم : اسماعيل طاهري Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top