الأحد، 14 مارس 2021

اسماعيل طاهري: نظام التفاهة يزحف وأين المفر؟



نظام التفاهة يزحف وأين المفر؟

اسماعيل طاهري

أتكئ في هذا المقال على رأي الفيلسوف الكندي ألان دونو،أستاذ الفكر النقدي في العلوم السياسية في جامعة مونتريال ـالذي نحت مصطلح "نظام التفاهة"  وأصدر كتابا رصد فيه مظاهر نظام سلطة/ التفاهة القائم على التكنوقراط. ويقدم في تمرينه الفكري إشكاليات نظام التفاهة. كنظام رأسمالي احتكاري استغلالي. يغتال العقل وينتعل الحكامة والحوكمة (الكلمة للمحاسبين بالأرقام ) لسحق القيم النبيلة. وجعل كل الناس تابعين كالقطيع.

و"يرى ألان دونو  أن الأمر يتعلق بثورة لها مفعول المخدر المسكن، ثورة تدعو إلى أن يتخذ الناس موقعهم دوما في الوسط، وأن يفكروا برخاوة، وأن يضعوا قناعاتهم في جيوبهم حتى يصيروا كائنات، مجرد قطع غيار يسهل جمعها في علب، كما ينبغي لهم وفق هذه الأيديولوجيا الليبرالية الجديدة، أن لا يغيروا شيئا من موضعه، ولا أن يبتكروا أدنى شيء قد يشكك في النظام الاقتصادي والاجتماعي القائم."*

****.   ****

في عهد الملك الراحل الحسن الثاني كان الحكم في المغرب ينافس المعارضة في المجال الثقافي والفني وكانت الثقافة واجهة أساسية من واجهات الصراع(الجابري والعروي... مقابل عبد الهادي بوطالب وأحمد رضا اكديرة...). 

أما حاليا فاختيارات الدولة انحازت للتكنوقراط وثقافة التكنوقراط الذين ينفذون وبدون اجتهاد السياسية العامة للدولة، وحولوا القطاعات الوزارية والمندوبيات السامية والعمالات والمؤسسات العمومية الإستراتيجية وغير الإستراتيجية الى لوبيات ومحميات ودويلات داخل دولة ما هي الا مخزن في مخزن. 

ويمكن رصد بعض مظاهر نظام التفاهة في هذه الملاحظات السريعة:

- مصادرة حق الأحزاب لتنفيذ برامجها ومشروعها المجتمعي( وفيه نموذجها التنموي) عبر لجنة تكنوقراطية مكلفة بإعداد النموذج التنموي. وفرض تنفيذه على أية حكومة أو جهة أو جماعة ترابية مهما كانت نتائج الإنتخابات. 

- عندما تقرر الدولة اعتماد قاسم انتخابي لا يوجد مثيله في أي بلد ديمقراطي أو دكتاتوري في العالم كوسيلة للإنقلاب على حزب العدالة والتنمية وجعل حكومتها بدون أغلبية في مجلس النواب. فمرجعيته نظام التفاهة، وهدفه تركيع الأحزاب وتدنيس صورتها أمام أنصارها والرأي العام. وتسهيل مأمورية "التحكم" في أية حكومة مهما كان الحزب الفائز في الإنتخابات وتصبح الأحزاب رهن الإشارة لمناصرة أو محاصرة  حكومة أو مشروع أو قرار سياسي. 

- عندما يأمر وزير الشؤون الخارجية السيد بوريطة رئيسه المباشر عبر منشور داخلي ويقطع العلاقة مع سفارة المانيا بالرباط كإبداع جديد في العلاقات الدولية. فمرجعيته هو نظام التفاهة.

- إضعاف رئيس الحكومة وحزبه بارغامه على التطبيع مع إسرائيل ووضعه أمام الأمر الواقع, "بهذلة" مرجعيتها نظام التفاهة.

- توقيع وزير المالية لظهير باسم الملك يقضي بصرف معاش استثنائي لرئيس الحكومة السابق عبد الاله بنكيران.مرجعه نظام التفاهة.

- تجييش- الذباب الإلكتروني- الذي اعدم فيسبوك جزء منه مؤخرا- لاستهداف الحقوقيين والمعارضين. وتشويه صورة اليسار ووزراء العدالة والتنمية، والجماعات التي تسيرها جزء من نظام التفاهة.

- تجنيد وكالة المغرب العربي للأنباء للسيطرة على الحقل الاعلامي واحتكار الدولة للبث التلفزي وإعدام الصحافة المستقلة جزء من نظام التفاهة.

- إحالة مشاريع القوانين الإنتخابية على المجلس الوزاري دون المجلس الحكومي أولا...جزء من نظام التفاهة.

- رفض اعتبار كل حامل لبطاقة التعريف الوطنية مسجلا في اللوائح الإنتخابية جزء من نظام التفاهة.

- عرض مشروع قانون الكيف بدون نقاش عمومي على الحكومة في آخر انفاسها خطوة لتبييض وجوه البارونات الإنتخابية والأعيان وتحسين صورتهم لتحسين مواقعهم خلال الانتخابات القادمه.

- عندما يهدد والي جهة طنجة تطوان الحسيمة سكان الفنيدق باستعمال الحديد والنار هدم للدستور الذي ينص على حرية التظاهر وأن الوالي- بأمره-  لا يؤمن لا بدستور ولا بحقوق الإنسان.

****.   *****

 نظام التفاهة ثقافيا

عندما عاد الحديث مؤخرا عن رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالميه الثانية تشيرشل بمناسبة بيع إحدى لوحاته الفنية( التي رسم فيها مشهد مسجد الكتبية بمدينة مراكش سنة 1943 )بأكثر من عشرة ملايين دولار، القيت نظرة على الحكومة الجالية بالمغرب ولم أجد مثقفين كثر بين أعضائها سوى أحمد التوفيق المؤرخ الروائي، أما باقي الوزراء فهي رأسماليين وتقنيين من مهندسين وأطباء. أما تكنوقراط أو ألبسوهم سلهام حزب سياسي إداري. حتى فريق العدالة والتنمية لا يوجد فيه الا مثقف واحد هو رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، أما الباقي فسياسيين محترفين وأصحاب دعوة.."لله". 

فعادة ما يكون وزير الثقافة (مثلا)في الكثير من الدول كاتبا أو مفكرا ،لكن في مغرب العجائب والغرائب فوزير الثقافة شاب تكنوقراطي  و"ولد باه". و من المفروض ان يكون مثقفا او فيلسوفا وليس تقنيا بلا روح ولا فكر . 

والمغرب عرف بعض الحالات النادرة لوزراء مثقفين عضويين  كالوزير الفيسلسوف محمد عزيز الحبابي أو الشاعر الروائي محمد الأشعري أو الفنانة المسرحيةثريا جبران أو المؤرخ الروائي والشاعر بنسالم حميش.

ونفس الأمر ينطبق على أغلبية الموارد البشرية المسيرة للعديد من القطاعات الحكومة المختلفة التي لها مرجعية واحدة هي مرجعية نظام التفاهة / التكنوقراط بوعي أو بدون وعي.

*****.   *****

السياسية بدون أيديولوجية /مرجعية فكرية ثقافية لا يعول عليها لتحقيق تقدم ورقي أي مجتمع وفي مختلف المجالات قطعا.

ما يبدو نظام تفاهة وفيه تناقضات غير منطقية له مرجعية هو شكل من اشكال "الفوضى الخلاقة" لتركيز السلطة والثروة في أياد قليلة ويتم إعادة هيكلة المشهد السياسي على  أسس سلطوية وأمنية. وإصرار على هدم مكتسبات حراك 20 فبراير على علاتها. بهدف الحفاظ على النظام الإجتماعي والاقتصادي الحالي وهذا ما كان يقوله محمد عابد الجابري "في المغرب يتغير كل شيء لكي لا يتغير أي شيء"

نظام التفاهة هو الذي يتجه اليه المغرب نقولها بمرارة. فبعد مشاريع قوانين الإنتخابات سنمر الى "النموذج التنموي الجديد" 

وأين المفر؟

يقول ألان دونو:

" إن العالِم التافه لا يفكر أبدا من خلال ذاته، إنه ينتدب قدرته الفكرية إلى أطراف تملي عليه استراتيجياتها طمعا في الارتقاء المهني. الرقابة الذاتية مطلوبة مادام يُجيد بسْطها كدليل على المكر."

*المصدر : ألان دونو، «نظام التفاهة» لوكس، كندا، 2016(ترجمة القدس العربي)

  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات
Item Reviewed: اسماعيل طاهري: نظام التفاهة يزحف وأين المفر؟ Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top