قصيدة “أنتِ وأنا”، من ديوان “طال الشتات”:
أنتِ جميلة كوطن محرر
وأنا متعب كوطن محتل
أنتِ حزينة كمخذول يقاوم
وأنا مستنهض كحرب وشيكة
أنتِ مشتهاة كتوقف الغارة
وأنا مخلوع القلب كالباحث بين الأنقاض
أنتِ جسورة كطيار يتدرب
وأنا فخور كجدته
أنتِ ملهوفة كوالد المريض
وأنا هادىء كممرضة
أنتِ حنونة كالرذاذ
وأنا أحتاجك لأنمو
كلانا جامح كالانتقام
كلانا وديع كالعفو
أنت قوية كأعمدة المحكمة
وأنا دهش كمغبون
وكلما التقينا
تحدثنا بلا توقف، كمحامييْن
عن العالم.
قصيدة “رضوى”، من ديوان “طال الشتات”
على نَوْلِها في مساءِ البلادْ
تحاول رضوى نسيجاً
وفي بالها كلُّ لونٍ بهيجٍ
وفي بالها أُمّةٌ طال فيها الحِدادْ
على نَوْلِها في مساءِ البلادْ
وفي بالها أزرقٌ لهَبِيُّ الحوافِّ
وما يمزج البرتقال الغروبيّ
بالتركواز الكريمِ
وفي بالها وردةٌ تستطيع الكلامَ
عن الأرجوان الجريحِ
وفي بالها أبيضٌ أبيضٌ كحنان الضِّمادْ
على نَوْلِها في مساءِ البلادْ
وفي بالها اللوتسيُّ المبلّلُ بالماءِ
والأخضر الزعتريّ
وصُوفُ الضُّحى يتخلّل قضبان نافذةٍ
في جدار سميكٍ
فيُدْفِئُ تحت الضلوع الفؤادْ
على نَوْلِها في مساءِ البلادْ
وفي بالها السنبُلِيُّ المُعَصْفَرُ
والزعفران الذي قد يجيبكَ لو أنتَ ناديتَهُ
والنخيليُّ وهو يلاعِبُ غيماً يُحاذيهِ
في كفِّها النَّوْلُ، متعبَةً، تمزجُ
الخيطَ بالخيْطِ واللونَ باللونِ
تَرضى وتستاءُ
لكنها في مساءِ البلادْ
تُريدُ نسيجاً لهذا العراء الفسيحِ
وترسمُ سيفاً بكفّ المسيحِ
وجلجلةً مِن عِنادْ
مقاطع من قصيدة “رضوى”، من ديوان “فلسطيني فى الشمس”:
رضوى
يا قمح الخابية الذهبى لكل الجوعى
تنضجك الشمس المصرية
خبزًا للفلاحين يقوتهم
كى تبذر أيديهم قمحًا آخر
وتصيره أيديهم خبزًا
وتصيرين.
***
قومى يا دائرة الأشكال
وضمى هذا الكون الطفل وقوديه إلى الرشد
تلثمه شفتاك حنانًا
وتعالى نتبادل حمل الكون الطفل بكفينا
فالكون جميل، وثقيل، فتعالى
إنى وحدى.
***
لو ألقاك على جبل فى التيه، وما فيه
إلا أشواك الصحراء ووهج الشمس الشريرة
ورمال.. ورمال.. ورمال..
حتى سقف الأرض النائى
لانبعث الناس من الرمل وجاء الأطفال
وأتت آلاف صبايا الدنيا
ورجال وشيوخ وقبائل
وامتدت فى التيه صفوف من خيمات الآتين
وستجرى فى الصحراء الأنهار
يتعمد فيها الأطفال
وتسقى العطشى
يصبح وهج الشمس ضوءًا للعشاق
وعينًا ترعى الأولاد اللاهين
يبرق فى الأفق البرق الفضى وينهمر المطر
تترامى غابات الورد
وينبعث البشر
وأصير أنا
وتصيرين!
***
وإذا أمشى عند حفافى الشمس
أوقفنى النيل جوار الشارع
قاسمنى حفنة فستق
وتحدثنا
أخبرنى أنك ذات صباح
قدمت له وردة
فحملها بين الشطين على كفيه
وأتى بجميع الأطفال يحدثهم عن رضوى
ذات العينين الواسعتين
أخبرنى أن الوردة كبرت فى وهج الشمس
صارت غابات ظللت الشطين
سكنتها كل عصافير الوطن الجوعى
وبنت أعشاشًا ذهبية
غنت، طارت، عادت تحمل قمحًا من أبعد بيدر
حدثنى النيل وقال:
سألتنى عنها الأشجار
سألتنى عنها قطرات الأمطار
سألتنى عنها أطيار الفجر
سألتنى عنها مصر
***
حين ذهبت
مالت أزهار اللوتس نحو الماء
ومدت كفيها تستبقيك!
***
حين ذهبت
حقل من عباد الشمس تلفت نحوك
وتخلى عن وجه الشمس
***
حين ذهبت
صعدت كل الأفراس البيضاء لأعلى التل
تنتظر تفتح زهرات الوادى
كى تعرف أنك عدت
***
حين ذهبت
تغير معنى الطرق على الباب
وتغير عنوان البيت
***
يا رضوى إني والقمر والنجمات نسير إليك الليلة
وأنا والقمر الراعي والنجمات تعبنا ونعسنا
هل تأتين
***
يا رضوى الغائبة بعيدًا
بعد البحر
ها نحن حملنا باقات الورد الأحمر
وتوزعنا
فى كل مداخل بلدتنا
ننتظر خطاك
صوت صهيل حصانك
وجهك يبزغ شمسًا فوق الزرع الطالع
يا رضوى
الزرع الأخضر طفل
القمر الأحمر طفل
والعالم طفل
فتعالى
ها نحن توزعنا فى كل مداخل بلدتنا
ها نحن حملنا باقات الورد الأحمر.
شعر مريد البرغوثي