" الأوباش" الكلمة التي نطق بها الملك الراحل الحسن الثاني غاضبا وأخرجها من القاموس العادي ليحصر معناها الجديد في زاوية ضيقة. لذلك من الصعب سماع كلمة الأوباش في سرديات أخرى ولا تتذكر على الفور الحسن الثاني.
لقد حنط الخطاب كلمة الأوباش وجمد معناها في القاموس. ولم تعد تعني سوى " المشاركين في مظاهرات ضد الفقر والتهميش بمدن شمال المغرب: الناظور، الحسيمة، و القصر الكبير سنة 1984"
لذلك لم تعد هذه الكلمة مستعملة كثيرا في الصحافة الوطنية والكتب والمقررات المدرسية ونادرة الإستعمال في الأعمال الأدبية والفنية. وصارت معتقلة في أحداث 1984. فالكل يتفاداها ليتفادى بطش سلطة الحسن الثاني.
وهذه الكلمة تمثل جرحا عميقا في نفوس المغاربة خصوصا سكان الشمال.
لقد عشت عقدين من عمري في مختلف مدن الشمال، وخالطت الأهالي من مختلف الطبقات، وعرفت عن قرب حجم الجرح الغائر في نفوس أهالي المنطقة. لدرجة أضحى في بعض الاحيان ممارسة التهريب وزراعة الحشيش والمتاجرة في المنوعات والمخدرات نوعا من التمرد والإحتجاج على الدولة/ المخزن. بل وصارت وسيلة للدفاع عن النفس أمام تهميش المنطقة الشمالية في عهد الحسن الثاني. بل صار كل خروج عن القانون، ولو بارتكاب جرائم الحق العام، يحمل شحنة سياسية انتقاما من التهميش والإقصاء و 'خطاب الأوباش".
والمصالحة مع الشمال كانت تقتضي تقديم اعتذار رسمي على أحداث 1984. حتى تطمئن النفوس، وتعود المياه الى مجاريها. وتعود كلمة الأوباش الى معناها التقريري المتداول في معاجم اللغة العربية.
ولكن ، ويا للأسف الشديد، ففد تواطأت لجنة "هيئة الإنصاف والمصالحة" للإلتفاف على توصية الإعتذار، (اعتذار الدولة للضحايا وعائلاتهم ومعهم الشعب ) ولم يعد وريثها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حتى الحديث عنها سلبا أو إيجابا.
ولازالت أرواح ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تحت القبور وفوقها تنتظر -غودو- الذي قد يأتي ولا يأتي.
37 سنة على خطاب الأوباش يصادف هذه السنة دخول تسعة معتقلي رأي من سياسيين وصحفيين في إضراب عن الطعام ،في سياق شد الحبل بين الحقوقيين والدولة عشية انتخابات عامة، مما ينذر يكون الوضع السياسي في البلاد لا يبعث على الاطمئنان. ومن المعتقلين المضريين عن الطعام مؤخرا قادة حراك الريف الذين رفعوا شعارات في 2017 يمكن اختزالها في " نحن لسنا أوباش".
اسماعيل طاهري
شارك القصة