فكما تم التخلص من مئات النزلاء بالمستشفى الميداني بالغابة الدبلوماسية بعد أن طلب منهم العودة لبيوتهم ومتابعة علاجهم من الفيروس هنالك، دون تقدير للعواقب السلبية والانعكاسات السيئة لهذا القرار ، مما خلف جرحا في نفوس عدد من المصابين وعوائلهم، وكذلك لدى الأطر الصحية، جاء الدور هذه المرة على مئات الأطر الصحية بكل فئاتها ( من أطباء وممرضين ومهندسين وتقنيين وإداريين)، بعد أن تلقوا أمس البارحة الأمر الشفوي بواسطة مستخدمي الفنادق التي ظلوا يقيمون بها طيلة مرحلة الطوارئ الصحية، حيث طلب منهم وبشكل عاجل مغادرة محلات إقامتهم ابتداء من صباح اليوم 10 غشت 2020 والذهاب لحال سبيلهم دون أن يتلقوا أي اتصال من طرف الإدارة الإقليمية ولا من السلطات، وفي غياب أي قرار رسمي يمكن التعامل معه في مثل هذه الحالة الحرجة، مما أصابهم بصدمة قوية نتيجة الإهانة التي يتعرضون لها رغم تضحياتهم التي كانت على حساب صحتهم واستقرار أسرهم ، حيث لم ينج أحد منهم من الإصابة بالعدوى، ورغم ذلك، فقد تخطوا كل الصعاب واستأنفوا العمل في ظروف قاسية من أجل القيام بواجبهم الوطني والمهني.
والمؤسف أنهم وجدوا أنفسهم مطالبين بالجلاء فورا.. وهو ما جعلهم يمتنعون عن مغادرة محل إقامتهم إلى حين اتضاح الصورة بشكل رسمي، ورد الاعتبار لهم بسبب ما لحقهم من ظلم وإهانة غير مسبوقة ونكران للجميل. وقد أعقب ذلك انطلاقا من صباح اليوم حرمانهم من الوجبات الغذائية طيلة اليوم، فكان رد فعلهم هو الامتناع عن مغادرة محلات إقامتهم المؤقتة، إلى حين تقديم جواب حول هذا الإجراء الخطير الذي يمس بسلامتهم و وسلامة أسرهم التي لا يمكنهم العودة إليها. وهم متشبثون بضرورة إيجاد حل منطقي وأخلاقي في التعامل معهم كأطر صحية ما فتئت تقوم بدورها التاريخي أكثر من اللازم من أجل إنقاذ أرواح المواطنين معرضين أنفسهم لكل أنواع الأخطار التي ما زالت قائمة ..
فهل بهذه الكيفية يطلب من هذه الأطر التي تعرض أغلب أفرادها للإصابة بأثر المرض القاتل أن تعود بين عشية وضحاها إلى أهلها ومساكنها من أجل أن تستريح الجهات المسؤولة من عبء استضافتهم طيلة هذه المدة، متناسية أن إبعاد هؤلاء سابقا عن أسرهم وعزلهم في أماكن خاصة داخل الفنادق كان ضرورة قصوى ومن صميم الإجراءات الاحترازية لتطويق الوباء وعدم انتشاره..؟
ترى كيف فكرت الجهات المسؤولة بهذه الطريقة في التخلص من ذلك العدد من الأطر الصحية التي ما زالت مرابطة في الميدان في الوقت الذي يزداد الفيروس انتشار وشراسة، وخاصة في طنجة التي تفجرت فيها بؤر العدوى في كل مكان ؟… وماذا سيكون مصيرهم بعد مغادرة مقرات إقامتهم، ثم كيف سيتم ذلك ؟. ألم يكن الأولى إخبارهم عن بعد من أجل أن يتدبروا شؤونهم ويتخذوا كل الاحتياطات ؟ ألا يقتضي الواجب الأخلاقي والإنساني إخضاعهم للفحص جميعا، ثم منح المصابين الوقت الكافي المخصص لفترة العزل الطبي قبل انصرافهم وعودتهم إلى دورهم ؟.
بل حتى الالتزام بالعزل والخضوع للعلاج في البيت له شروط وقواعده حسب البروتوكول الصحي المعتمد من طرف السلطات الصحية، وفي مقدمتها ضرورة الوقوف على وضعية المريض وحالته العائلية والوسط الذي يعيش فيه. كل ذلك وياللأسف لم تتم مراعاته سواء بالنسبة لحالة أغلبية المرضى الذين تم إجلاؤهم من مخيم الغابة الدبلوماسية، وكذلك بالنسبة لنخبة الأطر الصحية التي تعامل الآن بهذه الكيفية المريبة والمهينة ..
فهل يعني ذلك أن مهمة هؤلاء قد انتهت ولم يعد هناك خوف من انتقال المرض وانتشاره .؟ ألا يعني ذلك الإصرار على المغامرة بحياة المواطنين عموما وسلامتهم، سواء تعلق الأمر بالأطر الصحية التي تلقت هذه الضربة الموجعة، أو بعموم المواطنين الذين قد يقعوا فريسة هذا المرض الفتاك
وتكفي النتائج الصادمة التي يتم الإعلان عنها يوميا، كما يكفي امتلاء المستشفيات عن آخرها وكل المراكز المخصصة لاستقبال المرضى المصابين بكورونا ، ثم تكاثر الحالات الحرجة وتزايد عدد الوفيات .. أليس ذلك كافيا ليتحلى المسؤولون بالروية وبعد النظر مع الاهتمام بهذه الشريحة من الأطر التي تعد العمدة الأساسية في مواجهة الوباء، بل هي الأداة والوسيلة الأولى التي لا يمكن الاستغناء عنها، حيث إن دورها مقدم على الآليات والأدوية والوسائل الطبية .. ألا يكفي هذا لإثارة الشعور بالخجل والعار تجاه هذا القرار الطائش التي اتخذ بهذه الكيفية المشينة في حق هذه الأطر التي تكرم عاليا في بلدان أخرى، فيقوم الناس لها بالتحية والتقدير والتشريف إلى أعلى المستويات ..
وفي ظل هذه اللخبطة، يظل الكل يتساءل عن الجهة التي كانت لها الشجاعة لاتخاذ هذا القرار “التكريمي”، هل يتعلق الأمر بسلطة الوزارة التي تمثل الأطر الصحية، أم بسلطات الولاية التي لها تقديرها الخاص للأمور، وهي في كل الأحوال تتخذ القرار الذي يروق لها بغض النظر عن المضاعفات المؤلمة والنتائج الكارثية..
المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين
10-08-2020