أكد الأستاذ محمد حفيظ أن كوفيد 19 جائحة عالمية أبانت عن تداخل المصالح بين دول العالم سلبا وإيجابا، وأن الإعلام ضاعف من الاهتمام بالقضية حتى أضحت خصوصيات كل دولة شأن كل دول العالم، بسبب اختراق الجائحة لكل الحدود السياسية والجغرافي، وهي جائحة تهدد الوجود البشري الذي لم يشهد لها مثيلا.
جاء ذلك في لقاء عن بعد، نظمته جمعية أكورا للثقافة والفنون، مساء الثلاثاء الماضي، وكان محوره : "التدبير الإعلامي في زمن كورونا" سيرته بتميز الأستاذة سعاد الشنوف وقد تمحورت مداخلة الباحث حول نقطتين مركزيتين:
علاقة الإعلام العمومي المغربي بالجائحة
علاقة الإعلام التفاعلي بالجائحة
في المحور الأول، لاحظ الباحث أن الجائحة باغتت الدولة، فبادرت بشكل مبكر إلى إغلاق الحدود، وفرض حالة الطوارئ والحجر الصحيين، مما فرض تعطيلا للشغل والتنقل، لكن كل ذلك لم يمنع من أن تواصل بعض القطاعات الحيوية عملها خصوصا التغذية والصحة والتعليم والإعلام، التي صارت مطلوبة أكثر من أي وقت مضى. فوجد الاعلام العمومي نفسه أمام جائحة فرضت عليه تحيين معلوماته، وتسريع وتيرة إخباره، واعتماد مبدأ القرب في نشر الاخبار وتحليلها وتقريبها من المواطنين.
وأبدى الأستاذ حفيظ عدة ملاحظات نقدية تخص الإعلام العمومي في تغطية الجائحة، من حيث أسلوبها المنهجي والوظيفة وأخلاقيات المهنة والإطار المرجعي القانوني، مستنتجا أن ما يؤاخذ على الإعلام العمومي هو الارتباك الحاصل في تدبير سيولة المعلومات وكثافتها بشكل يومي و سوء التواصل المتجدد مع المواطنين، من ذلك، أنه ظل حبيس إجراءات إدارية تقليدية. واحتكار المعلومات خاصة في الإعلام التلفزي الذي ظل يطبل للسياسة الحكومية، ضاربا عرض الحائط التنوع السوسيو- سياسي والثقافي والمواثيق الدولية المصادق عليها.
ومن مظاهر الضعف - حسب الأستاذ حفيظ- عدم تنويع المعلومات، وعدم الانفتاح على لغة الإشارات للتواصل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وبطء إبلاغ المعلومات، وضحالة تقديمها وغياب برامج حوارية ثقافية لمفكرين وفنانين وسياسيين وإعلاميين واقتصاديين وباحثين في مجال الصحة والاوبئة، وعدم إنجاز ندوات استشرافية لما بعد رفع الحجر أو الطوارئ الصحية، ما أربك المجتمع والرأي العام. وهو مؤشر على تهافت قنواته التلفزية التي تحتكرها الدولة.
وجوابا عن سؤال يتعلق بكيفية استثمار الدولة للجائحة، وهل كان لها تصور استباقي، بيَّن الباحث أن الإعلام المغربي انتقائي غير مهني، مستشهدا بعدم تغطيته مشاهد اعتداء بعض رجال السلطة على المواطنين، أو إخباره المواطنين بقرارات رئيس الحكومة، دون إفساح المجال لتعقيبات المواطنين وردودهم. ويضيف الباحث بان ضعف الاعلام الرسمي يتجلى في اتخاذ السلطات قرارات مرتبكة بإجراءات مرتجلة مثل تحويل الجرائد الورقية إلى جرائد رقمية على صيغة (PDF) دون تشاور مع الطابعين والناشرين، ثم قرار إعادة الصدور دون أن يعرف المعنيون ،قبل العامة، حيثيات التوقيف والاستئناف، كما أن الحكومة ممثلة في رئيسها أنجزت ندوتين صحافيتين بدون جدة او مسؤولية مع قنوات منتقاة بلا مهنية واضحة، ولا جدوى. نفس الملاحظة تسري على لقاء رئيس الحكومة برؤساء الأحزاب والنقابات دون احترام لقانون وأعراف "الندوات الصحافية"، وفيها تم تغييب الصحافيين وطمس المعلومان عن المواطنين بالاقتصار فقط على بلاغات مختصرة.
ولم يغب عن الباحث إبراز بعض ما قامت به وسائل الإعلام الرسمية من برامج للتحسيس بمخاطر كرونا، والتوعية بالوقاية منها باللغة العربية والأمازيغية والدارجة، ناهيك عن بعض الأخبار المتعلقة بسبل الاستفادة من صندوق دعم المتضررين من الجائحة..،
وتوقف المتدخل أيضا عند تفاعل وسائل التواصل الرقمية مع الجائحة، وأكد أن المواقع الإلكترونية الإخبارية قامت بدور فعال خلال الجائحة، بحيث كانت تحصل على المعلومات من مصادر غير تقليدية، وتسعى إلى التواصل مع المواطنين، وأضاف أن المهنيين يختلفون في تصنيف المحتويات الرقمية بين من يعتبرها تنتمي الى صحافة الشارع/ المواطن مقابل الصحافة المهنية، ورأى أن المواقع الإلكترونية الإخبارية تدخل في حقل الإعلام الصحافي وتقدم "صناعة إعلامية"، أما النشر في الفيس مثلا، فهو امتداد لخطاب فضاء الشارع الشفوي، ومحتواه يفتقد لكثير من أدبيات الإعلام الصحافي ومعاييره الضابطة... لذلك، دعا الباحث إلى إعادة النظر في التشريع المغربي المتعلق بقانون الملاءمة الذي أجهز على كثير من المواقع الإلكترونية بإجراء سلطوي يفتقد إلى الحوار البناء، من أجل تأهيل المواقع الإخبارية، كي تضطلع بوظيفتها الإعلامية بكل مسؤولية، خاصة أنها أقرب إلى الشباب وفئات المجتمع المتنوعة. وأكد د.حفيظ أن قانون الملاءمة الذي بادرت الحكومة الى سنه كان انتهاكا صريحا للحريات وللقانون الدولي، وحرمانا للمواطنين من الحق في اختيار تلقي المعلومة من مصادر غير الإعلام الرسمي. ثم أضاف الباحث أن ما يجب أن يلتزم به الإعلاميون إنما هو معيار الجودة والجدة و أخلاقيات المهنة في اطار القوانين الوطنية والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب. لذا بات لزاما سن تشريعات جديدة تشمن استقلالية الإعلام وخلق قنوات تلفزية مستقلة، وكذا مواقع وصحف جهوية لمواكبة الجوائح والكوارث والأخبار المستجدة، لعكس التنوع السياسي والثقافي في المغرب بهدف المساهمة بمسؤولية في دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع.