الجمعة، 20 ديسمبر 2019

الدولة تمول مقاولات صحفية لإضعاف خطها التحريري


لا شك أن الدولة المغربية ماضية في إضعاف الخطوط التحريرية للصحافة في المغرب، خصوصا الصحافة المستقلة. من خلال سن سياسة الدعم وتقنينها كل سنة في قانون المالية.

وهي خطة ناجعة للتحكم في الرأي العام والتأثير فيه في اتجاه تبني الشعارات والمواقف الرسمية، وحجب الرؤية عن الرأي الآخر، والتحليل الآخر، بل والأمعان في إقصائه، وتسطيح الذوق ونشر ثقافة الحوادث والجرائم ومسلسلات الترفيه التركية ونشر أخبارها. وإشاعة ثقافة غير علمية حول الطب البديل والشعوذة. ونفس التحليل ينطلي على قنوات و تلفزات القطب العمومي المتجمد ومواقعها الإلكترونية.


فمصدر التمويل الشرعي الوحيد للمنابر الصحفية هو المبيعات والإشهار، وما عدا ذلك فهو رشوة وشراء ضمائر وارتزاق باسم القانون. وهو شكل من أشكال الإنتهازية والوصولية وسرقة المال العام.


فنحن لم نعد نعيش عهد جريدة "البرافدا" في عهد الإتحاد السوفياتي رحمه الله. ولا نريد أن نعيش عهد الإمارات الخليجية أو الدول الشمولية.


لا يمكن ان نصمت عن هذه الحقيقة المؤلمة التي يصمت عنها الصحفيون في المغرب مخافة إملاق أو تقاعد غير مريح أو تسريح الى الرصيف. أو "تتريك" كما كان يفعل سلاطين المغرب في السابق ضد معارضيهم.


فانحطاط القيم في المجتمع المغربي لم يضرب الفئات الشعبية الفقيرة المغلوبة على أمرها ، وإنما مس وبعمق الفئات المثقفة من الطبقة الوسطى التي لها جميع الأليات التضليلية لقلب الحقائق وتبرير ما لا يبرر، كما اعترف إدريس لشكر في حملته لرئاسة حزب الإتحاد اللإشتراكي،. واتخاذ موقف اللاموقف، كما كان يتهم القاعديون أحزاب الإصلاح في الجامعة، وفي أحسن الحالات التباكي على وضعية الصحفيين الإجتماعية ومصائرهم المجهولة. ولا يجب أن ننسى ما جاء به تقرير الخمسينية في هذ الباب.


فالمغرب ليس في حاجة الى دعم الصحف غير المملوكة للدولة إذا أراد أن يتحول الى ديمقراطية عصرية تسود فيها دولة الحق والقانون والمساواة والإنصاف.


وإلا لما لا يتم فتح رأسمال هذه المنابر الصحفية أمام الخواص، وفرض قانون يجبرها على التسجيل في البورصة حتى تعرف القيمة الحقيقية لقيمتها المادية في السوق ومدى حاجة اقتصاد السوق لها. وتخضع لقانون الأنتخاب الدرويني: البقاء للأقوى والأصلح. 


إن تمويل شركات صحف ومواقع تجارية من المال العام : مال الشعب هو شكل من أشكال احتكار الدولة للمجال العام، وتضييق سافر على حرية المجتمع الجماعية والفردية. وقمع  منابر أصوات وأفكار أخرى بعد حرمانها من الإشهار ضد قانون المنافسة وقانون السوق. والتمويل نفسه شرعنة مبطنة لتكميم أفواه الصحفيين  بالملاحقات القضائية والتهديدات. إنه فرض نمط من الصحافة يتماشى مع أهواء السلطة ولا يلق بالا لتحولات المجتمع وتطلعات المواطنين.


والنتيجة هي إغلاق عدد كبير من الصحف المستقلة وتشريد أقلامها الحرة في المنافي، ومنهم من غير المهنة تحت إكراه توفير الحليب لأطفاله، والأغلبية من الصحفيين ذوي الضمائر الحية يموتون اليوم ببطء في مؤسساتهم التي تسير كالضيعات، ويتحينون الفرصة للهروب الى الخارج كما حدث مؤخرا مع رشيد البلغيتي ومحمد احداد.
ولن يجرأ اليوم أحد على الإستثمار في جريدة أو موقع مخالف لتوجهات السلطة واللوبيات المتحلقة حولها، كما حدث في السابق مع الصحيفة والجريدة الأولى ويومية الناس وبديل ..الخ. .
والخطير في الأمر أنه ورغم التمويل المتواتر لسنوات لم تستطع معظم المنابر إلإعلامية إياها التي تتصدر اللائحة التقدم خطوة جريئة نحو خلق صحافة قوية ذات تأثير في الرأي العام ومستقلة فعلا وقولا عن السلطة السيايسة وملحقاتها الحزبية. ولولا الدعم لأغلقت أبوابها. وتحولت في معظمها اليوم الى قطعة من ديكور الفرقة الموسيقية التي تعزف بنشاز سمفونية "مداح القمر". فكلما ازداد الدعم تراجعت المصداقية حتى لا نقول المبيعات. 

وحتى من الناحية المهنية فمعظم المنابرالمستفيدة لا تحترم أخلاقيات مهنة الصحافة ويعتمد على سيل برقيات الوكالات والبلاغات والصور الرسمية، ونادرة هي التحاليل العميقة والتحقيقات والربورطاجات التي تسقط الحكومات، وتفضح كارتيلات الإحتكار والفساد والرشوة. كما أن الصحف الحزبية لم تعد تقو على نشر افتتاحيات وفية لمبادئ أحزابها لذلك هجرها الناس واحتضنتها السلطة بمكر.

فالمغرب فعلا يتجه رويدا رويدا نحو تطبيق النموذج الخليجي حيث الجميع يدور في فلك السلطة ويتودد لأقطابها للحصول على كعكة من الوليمة. 
وما إن تنتهي وليمة حتى تبدأ وليمة.
فما معنلى حصول مجموعة ماروك سوار وإيكو ميديا على حصة الأسد من الدعم. رغم أن رأسمالها مملوك لأجانب في معظمه.
الصحفي الذي لا يعيش من عرق جينه: الميعات والإشهار، هو صحفي غير مستقل والمنابر الإعلامية التي تعيش على ريع الدعم العمومي غير مستقلة وتفقد يوما عن يوم زخمها وقيمتها المضافة. 
فالصحفي ليس ببغاء وإنما ناقل خبر كالرصاص وصانع رأي يهد البنيان ،وإلا فلا يكون. 

اسماعيل طاهري
طنجة 18 دجنبر 2019
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات
Item Reviewed: الدولة تمول مقاولات صحفية لإضعاف خطها التحريري Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top