الثلاثاء، 16 أغسطس 2016

محمد اليوسفي يكتب: اليسار الجذري يرتد إلى السرية من جديد

عاد بعض اليساريين المغاربة مجددا إلى النبش علنا في تاريخهم النضالي القديم لإضفاء المشروعية على فعلهم السياسي الراهن وسحبها من خصومهم في إطار مزايدات لا تضيف لليسار إلا مزيدا من التشرذم والضياع. وهم في ذلك إنما يمتحون من رصيد رمزي مشترك لهم تحول بفعل الزمن من وقائع وأحداث نسبية محكومة بشروط إنتاجها إلى حلم ممزوج بالقداسة والتقديس . 
هكذا وجهت بديعة الراضي أحد الوجوه الثقافية اليسارية في التسعينيات من الملتفات حول جريدة أنوال آنذاك سهام النقد للامينة العامة الاشتراكي الموحد نبيلة منيب بمبرر انها لم تنتم لتجربة العمل السري داخل منظمة 23 مارس خلال فترة السبعينيات. ثم انبرى محمد بولامي بخلفية الإنتماء لتجربة التأسيس الأولى ليرد على بديعة الراضي دفاعا عن منيب. ولا ندري من سيدخل على خط العبث السياسي بعدهما ليعبر الجميع عن عمق الأزمة التي تنخر اليسار المغربي. 
لا اذكر أبدا إن كنت قد قرأت أو سمعت عن أحد ممن تبقى من شيوخ الحزب الشيوعي أو غيره من اطياف اليسار الفرنسي من زايد على رفاقه يوما اوبخس إسهامهم في النضال والانتماء لليسار باسم شرعية مقاومة الاحتلال النازي خلال فترة الأربعينات من القرن الماضي حتى ولو شابته شبهة التخاذل قليلا مع العدو، أو تخلى يوما عن حمل السلاح.
ذلك أن قدسية المقاومة والعمل السري وحتى حمل السلاح في لحظة تاريخية ما تنتهي في مقابل ولادة مدلولات رمزية أخرى مرتبطة بلحظات تاريخية جديدة في سيرورة النضال المستمر لليساريين من أجل تحقيق رؤيتهم ومشروعهم الذي يطمحون إليه.. إنه جوهر اليسار الفعلي وحقيقته وصلب مرجعيته الفكرية والسياسية ومبرر وجوده .. 
إن ابتذال النقاش لدى بعض ممن انتموا لفصيل من اليسار الجدري المغربي يوما وانحدارهم الى مستوى رديئ من النقد العلني على صفحات الجرائد، لا يشكك فقط في هوية وانتماء البعض منهم لمرحلة معينة من تاريخ اليسار السبعيني، يعتبرها الجميع بدون نقد علمي عميق لحظة مرجعية مقدسة من لم ينتمي إليها لا يستحق شرف الانتساب لليسار، ولكن أيضا يلغي إمكانية تحقيق تراكمات سياسية ناجحة قد تتجاوز نوعيا لحظة التأسيس الأولى. 
التقديس والقداسة والمقدس إذن ليست مفاهيم خالصة للفكر الديني فقط. انها كذلك من أمراض اليسار المغربي اليوم، بل هي من مظاهر أزمته العميقة نتيجة لعدم تملكه لاجوبة سياسية ونظرية كفيلة بنقله من حالة الجمود والتشظي إلى مستوى آخر من الإسهام الفعال في إنتاج واقع سياسي وديموقراطي بديل يكون فيها لليساريين ولمشروعهم موطئ قدم.
هكذا أصبحنا نرى اليوم وفي إطار هجمة إعلامية وسياسية غير عادية ظاهرها يتعرض لزعيمة حزب يساري، وفي عمقها استهداف لمشروع سياسي على الطرف النقيض للمشروع السلطوي للدولة، كيف توظف أطراف انتمت لتجربة سياسية يسارية قدسية الإنتماء لمرجعية مشتركة هي مرحلة السرية والتأسيس للمزايدة على طرف اخر لا ينتمي للحظة تاريخية مغلفة بهالة من القداسة.. 
يتخبط اليسار إذن ويضرب بعضه ببعض كتجل واضح لأزمة عميقة تعيشها نخب تخلت عن أدوارها التاريخية واستعاضت بقدسية الإنتماء لتجربة العمل السري ولحظة التأسيس عن إجهاد نفسها بإنتاج أجوبة عملية لواقع سياسي يزداد تعقيدا كل يوم.

الرباط: محمد اليوسفي
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات
Item Reviewed: محمد اليوسفي يكتب: اليسار الجذري يرتد إلى السرية من جديد Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top