الجمعة، 6 مايو 2016

افتتاحية: من أجل صحافة رأي وموقف حرة وجريئة


يحتفل العالم كل سنة في الثالث من شهر ماي بيوم أممي خاص بحرية الصحافة استحضارا لأهمية هذه المهنة والأدوار الطلائعية المنوطة بها لخلق مجتمع الإعلام والمعرفة في زمن يعيش فيه العالم"عصر التكنولوجيات الحديثة" الذي يخترق جميع المجالات وفي القلب منها مهنة الصحافة. 

وضعية الصحافة على الصعيد العالمي تعيش صعوبات وخريطة حرية الصحافة لا تسر أمام انتشار حروب الديمقراطية والفوضى الخلاقة التي اشتدت في العالم العربي منذ 2011 . ولازالت ثورات الربيع العربي تغلي وتحرق في طريقها الأخضر واليابس بما في ذلك حرية الصحافة بعد أن وجد الصحافيون أنفسهم وسط المعمعة يحملون السلاح ويحولون مقالاتهم الى بيانات سياسية أو رشاشات قاتلة، أمام الدم الذي يسيل أمام عدساتهم وأعينهم في شوارع ليبيا والعراق وسوريا واليمن والسعودية. وضاعت الموضوعية والمصداقية وانحسرت أخلاقيات المهنة وسط الفوضى والدمار. 

في المغرب تبقى الصحافة قوة صانعة للقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وراكمت منذ عقود حد أدنى من الإستقلالية عن الدولة. لكن طغيان محاولات السلطة للتضييق على المعلومات وحجب تداولها بهاجس أمني واضح يجع منها مهنة مدرة للمخاطر ومهنة متاعب بامتياز بوصفها المهنة الوحيدة في المغرب التي تقودك حتما الى المحاكم أو السجن أو الفقر إذا ما احترمت أخلاقياتها كما هي متعارف عليها دوليا.

ومع ذلك فهناك صحفيون في المغرب يدافعون عن خط تحرير معين يرتبط بصحافة الخبر والرأي والموقف يجدون أنفسهم قد تحولوا الى ناشطين حقوقيين رغما عنهم.

ورغم أن الصحافة السياسية لا زالت تستأثر بأهمية مختلف وسائل الاعلام الخاصة، حزبية أو غير حزبية، فإن السياسات العمومية للدولة تتجه نحو تشجيع صحافة الجرائم والترفيه والتبسيط والتحنيط. والتنميط وقولبة الأدمغة وإفراغها من أي حس نقدي. والإعلام العمومي لازال يرزح تحت نير سيطرة السلطة ولا يخدم الا أجندتها مع بعض الإستثناءات لذر الرماد في العيون.

وهذا للأسف ما أعادت إنتاجه الإذاعات الخاصة التي باتت متخصصة في بث الآذان والبرامج الدينية واعتماد شبكة برامج سياسية ورياضية ودينية واجتماعية تشبه شبكة الإذاعة الوطنية وقنواتها الإذاعية الأخرى. وعموما فالإذاعات الخاصة تدور في نفس فلك الخط التحريري لقنوات واذاعات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وميدي آن ودوزيم. ما يميزها فقط هو كثرة الوصلات الاشهارية والبرامج المدعومة من شركات أو برامج تفتح أمام المستمعين الاتصال بها هاتفيا بستة دراهم أو عشرة دراهم للدقيقة. وكادت، بذلك، أن تتحول الى شركات للإتصالات او خطوط ترفيه ساخنة لحل المشاكل الاجتماعية والعاطفية بشكل ممل ومكرور يثير التقزز. وتعرضت هذه الإذاعات الى مستوطنات للمشعودين من "أنبياء" الأعشاب الطبية والعطرية، ورغم شكاوي وزارة الصحة من مخاطر هذه البرامج لازالت الهاكا صامتة عن هذه الجرائم الإعلامية.

كما أن الصحافة المكتوبة تشجع أكثر على الاهتمام بصحافة الجرائم وكل ما يرتبط بقضايا الحق العام وخرافات الطب البديل. وسياسيا موالاة اختيارات النظام موالاة عمياء كأنه ظل الله في الأرض. فجريدة يومية من الأكثر مبيعا تنشر صفحة يومية عن الطب البديل والأعشاب. وجريدة أخرى تصدر كل صباح تخصص أربع صفحات يوميا لأخبار الدبح والشنق والدم وقضايا الحق العام في مختلف مدن وقرى المملكة.

فالدولة والقطاع الخاص الموالي لها يوزعان الاشهار، ليس وفقا للمعايير الاقتصادية والتنافسية، وانما بناء على الولاءات ومدى قرب خط التحرير ومالكي الوسيلة الإعلامية، من السلطة او بعدهما عنها. فالصحف المستقلة التي تبيع أكثر تحصل على قسط صغير من كعكة الاشهار. والمواقع الالكترونية المغمورة، وربما التي تقف وراءها السلطة او رجال أعمال موالين لها يحصلون على إشهارات. فيما المواقع الالكترونية الاكثر متابعة والاكثر جدية كموقع لكم او موقع بديل ، وغيرها فلا تكاد تحصل على اشهارات تعكس تنافسيتها الاقتصادية وحضورها المتميز في ترتيب ALEXA العالمي. 

وأمام هذه المفارقات الغريبة تضطر مختلف وسائل الإعلام الجادة وذات المصداقية الى التحول عمليا الى صحافة بدون مداخيل مالية واضحة وشفافة أو صحافة مجانية تنتحر كل ساعة من أجل حرية الراي والتعبير والتحليل وإشاعة المعلومات التي هي حق بالقوة ، ولكنه بالفعل في خبر كان أمام العوائق البيروقراطية للإدارة. وخوف المصادر من تبعات العقوبات والمتابعة والعقوبات الإقتصادية ضد الشركات أو التشريد من العمل بالنسبة للأشخاص الطبيعيين.

لذلك سيظل الصحفيون الجادون، في هذه البلاد السعيدة، ينددون ويصرخون بأعلى قوة ممكنة الى حين، وتقاعدهم في كف عفريت وتحملاتهم الإجتماعية غير مضمونة. وكثير من العاملين في القطاع لا يحظون بتغطية صحية أو ضمان اجتماعي أو حد أدنى للأجر. لناخذ مثلا مختلف الجرائد الكبرى التي تستغل عشرات المراسلين(صحفيين مع وقف التنفيذ) بدون منحهم حقوقهم من أجر قار وخاضع للحد الأدنى أو مكاتب عمل بدون تسجيل في الضمان الإجتماعي(جريدة يومية كبيرة تتوفر على أكثر من 30 مراسلا يكتبون يوميا بدون عقد عمل ويتقاضون دراهم قليلة عن حجم المقال وصفحة نشره)

ورغم كل هذه التقلبات فالمغرب يتجه نحو صحافة المواطن لذلك تجد أن صفحات محددة على الفايسبوك تحولت الى منصات حقيقية لانتاج الاخبار والتعليقات. وهناك أكثر من سبعة ملايين حساب على مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم طغيان البحث في ملفات الجنس والترفيه والأغاني فإن بعض روادها تمكنوا من إسقاط وزير "الكراطة" وردع وزيرة"جوج فرانك" والإطاحة بقائد الدورة، وفضح ملف ودائع "أوراق باناما" المنسوبة الى الكاتب الخاص للملك. والسخرية المستمرة من بنكيران وقفشاته وشعاره محاربة الفساد والاستبداد الذي تحول الى شعار"عفا الله عما سلف".

ومن مفارقات المشهد الاعلامي في المغرب ضعف حضور المغاربة على موقع توير والمغاربة تقريبا لايعرفون كثيرا هذا الموقع بالمقارنة مع الدول العربية الأخرى. ومن المفارقات الأخرى كون الدولة لازالت تحتكر حق البث التلفزيوني الذي لا يتوفر في المغرب الا على قنوات مملوكة للحكومة في شخص شركة الاذاعة و التلفزة المغربية. وربما لازالت تخاف من هيمنة الأحزاب على المشهد التلفزي، وتخشى تكرار تجربة لبنان والعراق.

ومطلب تحرير المجال السمعي البصري لازال مطلبا ملحا حتى نحرر المغاربة من سطوة التلفزة العمومية، وتحريره قد يساهم في تطوير أداء الإعلام التلفزي العمومي امام المنافسة التي تنتظره.

بالنسبة للصحافة المكتوبة فتقلصها يبدو متواترا بالمقارنة مع الصحافة الالكترونية التي باتت اليوم حقيقة لا يمكن التنكر لها أو تجاهل نمو حضورها في كل ساعة ودقيقة والتي استفادت من مواقع التواصل الإجتماعي بقوة.

هذا طبعا لا يعني ان الصحافة المكتوبة والاذاعات والتلفزيون أو وسائل الإعلام التقليدية ستنتهي، فالمستقبل لازال أمامها. ولكن عليها إعادة تجديد خطابها الإعلامي والتحري عن المعلومة وإنجاز تحقيقات وحوارات تمنحها السبق والتميز والتحليل العميق حتى تكون مرجعا لا محيد عنه لصناع القرار والمتتبعون للشأن العام.

وخلاصة القول أن الحاجة ماسة في المغرب لتطوير صحافة الرأي والموقف واحترام أخلاقيات الصحافة. وما يتطلب ذلك من جرأة وشجاعة لا تقل عن جراة وشجاعة المناضلين الساسيين والحقوقيين المطالبين بالديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الإجتماعية، والمستعدين لمواجهة التضييق وخنق الحريات مهما كلفهم ذلك من ثمن، في أي وقت وحين.

بقلم : إسماعيل طاهري
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات
Item Reviewed: افتتاحية: من أجل صحافة رأي وموقف حرة وجريئة Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top